أعاد التحريض الأخير لتوكل كرمان، “الناشطة” اليمنية المحسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين المقيمة في تركيا، على الفوضى وعدم الاستقرار في المغرب، والحديث عن استهداف مؤسساته الوطنية بالتزامن مع احتجاجات شبابية ترفع مطالب محض اجتماعية، إحياء الجدل حول مدى استحقاقها جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها سنة 2011، خاصة في ظل استمرار تصرفاتها التي تتناقض مع المبادئ الأساسية لهذه الجائزة الدولية.

وجدد استهداف كرمان المغرب عبر تدوينات غلفتها بشعارات الثورة والتغيير والانتصار للشعوب، الدعوات التي سبق أن وجهتها شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية من دول عديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا إلى “مؤسسة نوبل” من أجل تصحيح خطئها بمنح جائزة مرموقة لشخصية تحرض على العنف ودعت في عديد المناسبات إلى إسقاط أنظمة سياسية في دول عربية.

وسبق لهيئة المرأة العربية أن طالبت بسحب جائزة نوبل من هذه “الناشطة” بسبب تصريحاتها ومواقفها المعادية لوطنها ولجميع الدول العربية، مقابل دعمها العلني لدول وكيانات تدعم الإرهاب والكراهية والاحتكام إلى لغة السلاح والعنف، حيث أكدت الهيئة حينها أن “انتماء المدعوة توكل كرمان إلى جماعة الإخوان المسلمين المصنفة كمنظمة إرهابية في كثير من بلدان العالم يعد خروجا عن القيم والمعاني النبيلة التي تتجسد في منح هذه الجائزة الدولية”.

دعوات تحريضية وسجل فارغ

عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، قال إن “الاحتجاجات السلمية المطالبة بالولوج الآمن إلى الحق في الصحة وتعليم ذي جودة، تعد مظهرا بارزا من مظاهر الحياة المدنية والسياسية المغربية، التي ازدادت حرارتها هذه الأيام بفعل عزم الشباب على قيادة التغيير في المغرب لتحسين ظروف العيش بكرامة والتمتع بالحقوق والحريات كما هي منصوص عليها في التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية التي تعتبر المملكة المغربية طرفا فيها”.

وأضاف: “باستثناء صور عنف شديد مأسوف عليها واكبت احتجاجات الشباب المغربي السلمي الطامح إلى مغرب يسوده العدل والكرامة والقطع مع الفساد السياسي وتكريس العدالة الاجتماعية وسيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص، فإن كافة القوى الحية تشيد بالحس الوطني العالي لكافة الفئات الشبابية الممثلة للأشكال الاحتجاجية المتواجدة في الفضاء، على الرغم من تعقد تدبيره لتداخل عوامل كثيرة قد تقوض جو السلم والتعايش في بعض المناطق بسبب اختلاط السلمية مع الطموح التخريبي والتدمير ومحاولات إيذاء عناصر القوات العمومية والاستيلاء على قطع سلاح نظامية”.

وحول تصريحات توكل كرمان، قال الكاين في تصريح لهسبريس: “كمنظمات غير حكومية عاملة في مجال حقوق الإنسان أصبنا بصدمة شديدة لرصد دعوات على لسان الناشطة اليمنية توكل كرمان للبدء في التدمير والتخريب الكلي لبلدنا، بتصوير مظاهر العنف المشينة التي وقعت مرافقة لاحتجاجات الشباب المغربي هذه الأيام كربيع جديد، ووصف ما وقع من عمليات حرق للممتلكات العامة وتدمير البنية التحتية كأنها حراك هادر وثائر اقترب من القصر الملكي، وترسل إشارات بالنصر والفخر للشعب المغربي الثائر”.

وتساءل الفاعل الحقوقي ذاته: “هل تمتلك توكل كرمان تفويضا عاما للتحدث باسم الشعب المغربي؟ وهل تعرف مطالبه وتطلعاته؟ وحتى إن اقتربت الاحتجاجات من القصر الملكي، هل هذا يعني تهديدا للملكية ذات الأصول والأعراف الضاربة في عمق التاريخ، ليس بوصفها نظام حكم، بل بفرادة تدبيرها لمختلف قضايا شعبها وحكمتها وفعالية تداخلاتها أوقات الأزمات؟”.

وشدد على أن “ما يدعو للغرابة أكثر أن الناشطة توكل، الحائزة على جائزة نوبل للسلام سنة 2011 بدافع النضال اللاعنفي من أجل سلامة المرأة وحقوقها في المشاركة الكاملة في أعمال بناء السلام، وبعد 14 سنة من الاشتغال في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان دوليا وإقليميا ووطنيا، انخرطت في إرسال دعوات للفتنة والتحريض على القتل في المملكة المغربية التي آوتها واستقبلتها استقبال الأبطال في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان سنة 2014، (بعدما حلت) على متن طائرة فخمة بمعية فريق كامل على درجة رجال الأعمال لتنعم بخدمات فاخرة في فنادق مراكش لمجرد حصولها على جائزة نوبل للسلام في ظروف شديدة الغموض إلى يوم الناس هذا”.

وأوضح أن “اختيار هذه الناشطة لجائزة نوبل للسلام لم يعد يتماشى مع مقاصد وبنود وصية نوبل لمنح جائزة السلام، بسبب دعوتها لإشعال الفتنة والقضاء على مظاهر الدولة في المغرب، ومحاولة تأجيج الأوضاع إلى الأسوأ؛ إذ لا يمكن إهداء هذه الجائزة الفخرية لأشخاص يمجدون العنف والتدمير والفتنة بين أفراد الشعب الواحد”، مبرزا أن “توكل كرمان ليست حالة فريدة في سوء اختيار المرشحين لجائزة نوبل للسلام، بل ما زال الجدل قائما بشأن نائلين قدامى كبعض صانعي السلام الذين قادوا جماعات مسلحة وأنظمة ديكتاتورية ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفظاعات عصية على الوصف”.

وشدد الكاين على “ضرورة مراجعة شروط وقوانين تسمية الأشخاص الذين يحوزون معايير الاستحقاق بجدارة لجائزة نوبل للسلام، لأن اختيار شخص صعد نجمه بقدرة قادر وبشكل لحظي في أحداث أو اضطرابات داخلية في بلد ما، ليس مؤشرا لمنح الجائزة، بل يجب أن ينبني اختيار شخص لنيل جائزة نوبل للسلام على المساهمة الفعلية والبناءة في صنع السلام وتعزيزه وحل النزاعات ودعم جهود مكافحة التسليح”.

ظرفية سياسية وتحرك نخبوي

من جهته، أكد أحمد سلطان، صحافي مصري باحث في قضايا الأمن الإقليمي والإرهاب، أن “منح جائزة نوبل للسلام لتوكل كرمان مناصفة مع رئيسة ليبيريا السابقة، إلين جونسون سيرليف، والناشطة ليما غوبوي من البلد الإفريقي نفسه، كان في سياق زمني موسوم بوجود توجه غربي لدعم السلام العالمي ونشر الديمقراطية وغيرها من الشعارات الأخرى”.

وأضاف: “أُريدَ لكرمان أن تحصل على هذه الجائزة باعتبارها رمزا نسائيا في بلد يتمتع بنظام قبلي ويهيمن فيه الرجال، هو اليمن، وكان ذلك في إطار فكرة لصناعة نموذج النضال النسائي في اليمن وفي دول عربية أخرى من أجل النضال اللاعنفي ومن أجل إسقاط الأنظمة السياسية التي تخالف المعايير الغربية، وهي كلها أمور ومفاهيم ومصطلحات يتم استغلالها سياسيا”، مؤكدا أن “اللجنة التي تمنح الجائزة مستقلة فعلا، أي إنها غير حكومية، لكن لا يمكن إنكار أنها قد تكون منحازة لقناعات أو توجهات أو أفكار بعينها”.

وأوضح سلطان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مؤسسة نوبل لم يسبق لها أن سحبت الجائزة من شخص من قبل، ولو في حالات أشخاص فازوا بها وتبيّن بعدها أنهم لم يكونوا مناسبين، كرئيسة وزراء ميانمار، أونغ سان سوتشي، التي كانت مسؤولة عن جرائم في حق شعبها، ونماذج آخرين حصلوا على الجائزة ذاتها ولم يساهموا قط في تعزيز السلام المحلي والإقليمي والدولي، بل بالعكس من ذلك أضروا به”.

وشدد الباحث في قضايا الأمن الإقليمي والإرهاب على أن “الرهان اليوم هو وجود تحرك قوي وبناء ووعي كافٍ لكي لا تتم صناعة توكل كرمان أخرى”، موردا: “نحن الآن في خضم توجه جديد في إطار السعي لإعادة تشكيل المنطقة، وقد يتم توظيف المظاهرات أو الاحتجاجات مرة أخرى من أجل خدمة جهات معينة أو تغيير أنظمة أو من أجل الضغط على أخرى، لأنه في الأخير دائما هناك مستفيد من هذه التحركات”.

وخلص أحمد سلطان إلى “أهمية وجود تحرك نخبوي ومؤسسي واعٍ من أجل إظهار أن أي شخص يتحدث عن السلام يجب أن يكون لديه رصيد حقيقي ومساهمات فعالة في الدفاع عن قضايا السلام. وبالعودة إلى كرمان، فإنها لم تحقق أي إنجاز من أجل السلام قبل فوزها بالجائزة التي نالتها بسبب ظروف سياسية معينة مرتبطة بتخصيص نسخة 2011 للنساء تحديدا”.

المصدر: هسبريس

شاركها.