غياب التنسيق يعرقل جهود “الهبّة التضامنية” في المناطق المتضررة من الزلزال
تمكنت الجهود المضنية التي بذلتها مصالح وزارة التجهيز والماء من النجاح في فتح كافة الطرق المعبدة والمصنفة المقطوعة نتيجة الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز؛ من قبيل الطريق المؤدية إلى إيغيل، المنطقة الأكثر تضررا من هذه الكارثة الطبيعية التي عرفتها المنطقة.
ومنذ وقوع هذه الكارثة الطبيعية التي ضربت العديد من أقاليم المغرب، هبّ المواطنون معبرين عن نفس تضامني ممتد في جغرافية المملكة، فتقاطرت مساعدات الجمعيات ومقدمي الإعانات، من شركات خاصة ومن محسنين، لتلبية نداء الواجب الوطني بدعم السكان الذين فقدوا بيوتهم بالمناطق المتضررة وتوفير الحاجيات الأساسية بغية تخفيف الآلام.
ولأن هذا التجاوب الشعبي الذي يعكس معدن المغاربة بكل جهات المملكة المغربية، تم بشكل عفوي وتلقائي، فإنه أضحى معيقا للمجهودات التي سخرت لها المصالح الإقليمية المكلفة بقطاع التجهيز بالحوز إمكانيات بشرية ولوجستية كبيرة من أجل فتح مختلف المقاطع الطرقية التي أغلقت جراء الانهيارات الصخرية في هذه المنطقة الجبلية الوعرة والتي أعاقت بشكل كبير وصول الإمدادات وفرق الإنقاذ والدعم إلى الجماعات القروية التي مسها الزلزال، من قبيل إيغيل.
وفي هذا الصدد، أوضح مسؤول من لجنة اليقظة أن ما تقوم به فرق مصالح المديرية الإقليمية للتجهيز بالحوز من أجل الوصول إلى الجماعات القروية المتضررة لفك العزلة عنها وعن دواويرها أصبح يواجه عراقيل طبيعية بسبب الانزلاقات الصخرية، وبشرية بسبب عدم التنظيم.
وأضاف المسؤول ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الوضع يفرض ضرورة التنسيق بين جمعيات المجتمع المدني والمحسنين والشركات الخاصة، من أجل تكامل دور كل طرف في رصد الحاجيات والتغطية المجالية المتوازنة والسلسة.
من جهته، قال عبد الصادق لفراوي، عن الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بجهة مراكش أسفي، إن “هبة الشعب المغربي، منذ الساعات الأولى لوقوع الفاجعة، من أجل مساعدة المتضررين جعلتنا نفتخر بالانتماء إلى هذه الأمة العظيمة التي أعطت مثالا حيا لجميع الشعوب في التضامن والتعاطف والتلاحم بين جل شرائح المجتمع”.
واستدرك الفاعل المدني قائلا في حديث مع هسبريس: “لكن من الضروري عقلنة عمليات توزيع هذه المساعدات، وتنظيمها بالشكل الذي يراعي استفادة جميع المتضررين منها، عبر لجان مشتركة بين السلطات المحلية والفعاليات المحلية والوطنية؛ لأننا أمام محنة لن تزول في وقت قصير”.
ودعا لفراوي إلى “محاربة تجار المآسي الذين يستغلون هذه الأوقات العصيبة للاستيلاء على ما يقدم من دعم ومعاودة بيع وتسويق مواده”؛ مضيفا: “لا أظن أن يكون لهذا الكم الهائل من المساعدات أي أثر سلبي على حالة السوق المغربية، لكفاية المنتوجات المعروضة خصوصا الغذائية منها لمدة طويلة”.
بدوره، أوضح الحسين العطشان، الفاعل الجمعوي بمدينة مراكش، أن “مساهمة الأفراد والمؤسسات الاقتصادية الخاصة همت تلبية حاجيات المتضررين الذين أضحوا في مناطق نائية معزولة بسبب انقطاع التواصل وإغلاق الطرق المصنفة وغيرها”، لافتا إلى أن “السكان المتضررين بالمجالات الترابية المحاذية للطرق تمكنوا، بعد يومين، من تحقيق الاكتفاء في المواد الاستهلاكية الأساسية”.
وأضاف المتحدث نفسه: “لأن الخصاص عمّ مجموعة من المواد الأخرى أحدثنا كفاعلين جمعويين لجنة اليقظة المدنية لمواجهة أضرار الزلزال، مهمتها تدقيق المعلومات وتوجيه الجمعيات والمؤسسات المانحة إلى الوجهة السليمة، بعد دراسة الخصاص ووضعية المنطقة المستفيدة وتحديد المركبات التي ستحمل هذه التبرعات، بالإضافة إلى أخطار الطريق، والتنسيق مع السلطة المحلية، لتسهيل عملية توزيع المساعدات”.
وأوضح العطشان أن هناك مناطق تعيش تخمة على مستوى خط دائرة أسني، من ويركان واجوكاك وثلاث نيعقو، إلى تيزي نتاست بإقليم تارودانت؛ ما يفرض ضرورة التوازن لتحقيق عدالة التوزيع، فمنطقة كندافة مثلا التي تتكون من 10 دواوير لم تتلق حقها من هذه المواد الاستهلاكية الأساسية”، مضيفا: “يجب التركيز على الجانبين الصحي والبيئي، من قبيل الحفاظات والأدوية، ومواد غذائية مثل الشاي والسكر بدل الحليب والمواد المشتقة منه، والأواني ومواد غسلها، وكل ما يحتاجه استحمام السكان، والبطاريات، وتوفير الخيام”.
بشرى لحياني، خبيرة في السياحة الطبية والعلاجية، قالت، في تصريح لجريدة هسبريس: “نحن أمام كارثة طبيعية يستلزم التعامل معها بطريقة علمية ومهنية بعيدا عن المشاعر؛ فالدولة المغربية تدخلت فور وقوع الكارثة عبر الآليات العادية للإنقاذ، وسخرت كل الوسائل المتاحة محليا للتدخل”.
وتابعت لحياني: “ولكن أمام هول الفاجعة وامتداد رقعتها في منطقة جبلية صعبة الولوج، أمر جلالة الملك، ليلة الجمعة، القوات المسلحة بالتدخل بكل إمكانياتها اللوجيستية، وخاصة خبرتها الكبيرة في تدبير الكوارث”.
وسجلت المتحدث ذاتها: “برزت على المستوى الشعبي آلاف الحملات التضامنية العفوية مع المنكوبين من مختلف مناطق المملكة. ونظرا لحجمها واستعجاليتها، تمت خارج الضوابط القانونية، إذ كما هو معلوم هناك قانون جديد ينظم جمع التبرعات وتوزيعها. وأمام هذا الحماس الشعبي الذي تحكمت فيه العواطف وهو أمر جد عادي في ثقافة أمتنا، وفي ظل عدم التنسيق بين مكونات المجتمع المدني لاحظنا مشاكل عديدة تهم تنظيم سلسلة اللوجيستيك ونوع المساعدات التي لا تتناسب مع نمط العيش في البوادي”.
وأردفت: “هناك من يقول إنه كان على الدولة تنظيم المساعدات؛ لكن كيف لها أن تنظم شيئا هي ليست على علم به وبدون ترخيص قانوني ! فالجمعيات التي احترمت المساطر لم تجد أدنى مشكل، ولقيت كل المساعدة والتشجيع من السلطة المحلية بالمنطقة المنكوبة، ولم تذخر جهدا في تقديم كل المساعدات الممكنة للقوافل التضامنية؛ لكن الكم الهائل من المبادرات الفردية سبّب مشكلا في الولوج إلى المناطق المتضررة، عرقل حركة السير جراء العدد الكبير من المركبات وأغلبها سيارات خاصة، ما إثر سلبا على أداء سيارات الإسعاف، وهو أمر يمكن تفاديه لو بذل المجتمع المدني جهدا في التنسيق بين مختلف الفعاليات”.
ولتجاوز هذا الوضع، دعت السلطات بإقليم الحوز والأقاليم المجاورة كل المبادرات والجمعيات والمحسنين إلى التنسيق معها لإنجاح عمليات التضامن، التي تتم بمناطق ستعرف في المقبل من الأيام بردا قارسا، وحتى تتم الاستجابة بطريقة دقيقة ومنظمة لحاجيات كل دوار من الدواوير المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية.
المصدر: هسبريس