خلصت دراسة حديثة حول “العنف المدرسي .. وتجلياته بين أزمة القيم ورهان الإصلاح التربوي”، إلى أن هذه الظاهرة في السياق المغربي “ليست معطى سوسيولوجيا فرديا أو معزولا عن بقية النسق الاجتماعي”، موضحة أنها “نتاج تراكمات مركبة من الأسباب والعوامل يتداخل فيها التربوي بالإعلامي بالتعليمي والنفسي”.
وأشارت الدراسة التي أعدها حسن الزهراوي، باحث في كلية الآداب بجامعة عبد المالك السعدي، إلى أن “غياب التربية القيمية في نسقنا التربوي والتعليمي يشكل أحد الأسباب التي تغذي السلوكيات العنيفة التي تنامت في السنوات الأخير بصورة مقلقة”، مسجلة أن “العنف في الوسط المدرسي لا زال سلوكا قائما رغم كل القوانين والنصوص التنظيمية التي تؤكد على ضرورة نبذ العنف أيا كانت هذه الأطراف التي يصدر عنها”.
ونبهت الوثيقة المنشورة ضمن العدد الأخير من المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية، إلى “ضعف التربية القيمية في الوسط الاجتماعي”، مشددة على “ضرورة إدماج هذه التربية القيمية في المناهج الدراسية”، وكذا “تبني مقاربات علاجية شمولية لظاهرة العنف التي استشرت في الجسم المجتمعي والتعليمي بخاصة، فلا يمكن محاصرتها بمقاربة أحادية، فلا بد من المقاربة التربوية والتوعوية والزجرية القانونية إذا اقتضت بعض الحالات ذلك”.
وأكد المستند الأكاديمي أهمية “الاستثمار في الإنسان كقيمة محورية بوصفها ضمن سبيل لتنميته على القيم وبناء مجتمع متماسك يرفض كل مظاهر العنف والكراهية”، فضلا عن “ضرورة مراجعة المناهج التعليمية في مختلف المواد وتنقيتها من التناقضات حتى لا نكون أمام مناهج ضد مناهج”، بالإضافة إلى “التجديد في الطرائق البيداغوجية، ودمج التكنولوجيات الحديثة في العملية التعليمية حتى لا يشعر المتعلم باغتراب داخل المدرسة التي أصبحت خارج الزمن”.
وسجلت الوثيقة البحثية أن “الاغتراب الذي يعيشه المتعلم في المدرسة يعتبر شكلاً من أشكال العنف الرمزي الذي يواجهه المتعلم”، منادية بـ”توفير نموذج قيمي”، لأن “غيابه يسهم بشكل أو بآخر في انهيار المنظومة القيمية الذي ينجم عنه انحراف في السلوك”، وأوردت أنه “لا يمكن الحدّ من العنف في الوسط المدرسي إلا عبر ترسيخ منظومة قيمية متكاملة تدعمها جهود مشتركة بين المدرسة والأسرة والمجتمع والإعلام، لتشكيل بيئة تعليمية صحية آمنة تنشئ أجيالا واعية ومسؤولة، تؤمن بالحوار وتنبذ العنف”.
كما تطرق معدّ الدراسة إلى تخصيص وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مناصب “لأعداد لا بأس بها من المساعدين الاجتماعيين في المدارس الثانوية والإعدادية من الحاصلين على تكوينات في علم النفس والعلوم الاجتماعية”، موردا أن “زمرة غير قليلة منهم يكلفون بمهام إدارية بدل مباشرة أعمالهم الموكولة إليهم، علاوة على جملة من العوائق التي لا زالوا يعانون منها، فالكثير منهم لا يزالون لا يتوفرون حتى على مكتب رسمي قار”.
وتحدث الزهراوي عن “المحاولات الفردية المعزولة القليلة التي يتولاها الأساتذة أنفسهم بشكل تطوعي بحكم تخصصهم في علم النفس”، وقال: “من منطلق المعاينة الميدانية، حالات كثيرة جدا من المشاكل النفسية المختلفة يعيشها جموع التلامذة، ويحتاجون فعلا لمن يقدم لهم الرعاية والعناية النفسية للخروج من هذه الأعطاب النفسية التي تودي بعدد منهم للتسرب المدرسي سنويا بأرقام مخيفة”.
وذكر أن “التلميذ أو المراهق أضحى نتاجا مأزوما لسياسات تعليمية وإصلاحات متتالية فشلت في ترسيخ الإنسان كقيمة مركزية، ورأسمال رمزي، يستحق الرعاية والاستثمار”، و”ضحية لتفكك أسري تركه فريسة لقيم استهلاكية تروّجها منظومة إعلامية منشغلة بتكريس التفاهة، لا ببناء الوعي”، وتابع: “إلى جانب ذلك، يجد نفسه في مجتمع يعاني من فراغ قيمي وغياب النموذج أو القدوة، في ظل حضور مفرط للتكنولوجيا التي لا يمتلك أدوات توظيفها الواعي، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة أيضا لتربية رقمية واعية”.
واعتبر الكاتب أن “هذه الفاشية القادمة من مقاعد الدراسة” مرتبطة سوسيولوجيا بـ”باقي عناصر هذا البناء الاجتماعي المتوعك الذي وجب النظر في الكثير من أعراضه وتشريحها وتفكيكها وعلاجها”، مبرزا أن جملة من الشروط، يتداخل فيها التربوي بالأسري، بالسيكولوجي، بالتعليمي أنتجت وضعا “لا يشي إلا بمزيد من العنف البنيوي نتيجة عدم المواكبة التي نتحمل فيها المسؤولية جميعا”.
المصدر: هسبريس
