اخبار المغرب

“غموض” ترسيم أساتذة التعاقد يجلب اتهامات “التحايل الإداري” ضد الحكومة

أعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة عن توافق حكومي بشأن أحقية موظفي الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في الاستفادة من وضعية الإلحاق، وذلك بعد اجتماعين موسعين عُقدا يومي 5 و18 مارس الجاري، بمقر الوزارة بحضور ممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة الاقتصاد والمالية، إلى جانب الأمانة العامة للحكومة.

جاء هذا القرار بعد دراسة مستفيضة للمقتضيات التشريعية والتنظيمية، خاصة المادة 11 من القانون رقم 07.00 الخاص بإحداث الأكاديميات الجهوية، كما تم تعديله بالقانون رقم 03.24. وأكدت الوزارة أن موظفي الأكاديميات الجهوية سيتمتعون بنفس الحقوق المخولة لموظفي إدارات الدولة فيما يتعلق بوضعية الإلحاق، وفقاً لأحكام الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

ويشمل هذا القرار الإجراءات المترتبة عن الإلحاق، بما في ذلك الإدماج وإعادة الترتيب بعد الترسيم، مما يعزز من استقرار الوضعية الإدارية لموظفي الأكاديميات الجهوية.

وقد تم توجيه نسخ من هذا القرار إلى كل من الخازن العام للمملكة، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وذلك في إطار التنسيق الحكومي لضمان تنفيذ القرار بالشكل المطلوب.

في هذا السياق، علّق مصطفى الكهمة، أحد الوجوه البارزة في التنسيقية الوطنية للأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد، على هذه المراسلة، معتبرًا أنها تعكس التمييز القائم بين الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، الذين يُشار إليهم في المراسلة بـ”موظفي الأكاديميات”، ونظرائهم الرسميين المصنفين كموظفي إدارات الدولة سواء في قطاع التربية الوطنية أو باقي القطاعات الوزارية الأخرى.

وأوضح الكهمة أن الأكاديميات ليست إدارات عمومية، بل مؤسسات عمومية، وأن نمط توظيف الأساتذة المفروض عليهم التعاقد يختلف جوهريًا عن توظيف الموظفين الرسميين بوزارة التربية الوطنية، حيث لم تُحدَث مناصب مالية لتوظيفهم، كما هو الحال بالنسبة لموظفي الدولة.

وأشار المصدر ذاته، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن هذه المراسلة جاءت عقب تعثّر تسوية وضعية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد الذين اجتازوا مباريات الولوج إلى قطاع التعليم العالي، مما دفع التنسيقية الوطنية إلى تكثيف تحركاتها والضغط على الجهات المسؤولة لإيجاد حل لهذا الإشكال، منذ صدور بيان المجلس الوطني في 18 ديسمبر 2024، والذي طالب بضمان حقوق المعنيين بالأمر. كما عززت التنسيقية مطالبها عبر تصريحات إعلامية متتالية من قبل أعضاء لجنة الإعلام الوطنية، بهدف تسليط الضوء على المشكلة والمطالبة بحلّها.

وأكد الكهمة أن الاجتماعين المخصّصين لدراسة هذا الملف يمثلان اعترافًا رسميًا بوجود أزمة ناتجة عن غياب المناصب المالية التي تتيح إمكانية الإلحاق بشكل سلس، كما استفاد منه الأساتذة الرسميون. وأوضح أن النقاشات المستفيضة التي جرت خلال الاجتماعين خلُصت إلى أحقية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد في الاستفادة من وضعية الإلحاق، دون تصنيفهم كموظفي إدارات الدولة، وهو ما يعكس، في نظره، استمرار عدم الاعتراف بهم كموظفين عموميين. واستدلّ على ذلك بصياغة المراسلة التي استخدمت تعبير “موظفي الأكاديميات” إلى جانب عبارة “على غرار موظفي الدولة”، ما يؤكد، بحسبه، وجود فرق جوهري بين الفئتين باعتراف القطاعات الحكومية المعنية التي كانت طرفا في اجتماع 5 و 18 مارس 2025، وفق تعبيره.

وشدّد المتحدث على أن الحل الجذري لهذه الأزمة يكمن في الإدماج الشامل لجميع الأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد ضمن أسلاك الوظيفة العمومية، من خلال إحداث مناصب مالية مدرجة في قانون المالية، بما يضمن لهم جميع حقوقهم الإدارية والمالية، ويحول دون تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلًا. كما اعتبر أن الحل المطروح في المراسلة يظل جزئيًا ومؤقتًا، إذ إنه، رغم أهميته في تسوية وضعية الأساتذة الناجحين في مباريات التعليم العالي والمجمدة إداريًا وماليًا منذ ستة أشهر مقارنة بزملائهم الرسميين، إلا أنه لا يعالج جوهر المشكلة المتمثل في التمييز المستمر بين الأساتذة الرسميين والمفروض عليهم التعاقد بسبب غياب المناصب المالية.

وأشار إلى أن عددًا كبيرًا من الأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد يحملون شهادات عليا، مثل الماستر، ودبلوم مهندس الدولة، والدكتوراه، ويمتلكون كفاءات يحتاجها قطاع التعليم العالي وإدارات الدولة المختلفة، ما يستوجب إيجاد حلول جذرية تضمن لهم مسارًا مهنيًا مستقرًا وعادلًا، أسوة بزملائهم الرسميين.

وفي سياق متصل، عبّر الكهمة عن استغرابه من رفض بعض الأكاديميات تسليم رسائل الإلحاق للأساتذة المعنيين، رغم صدور المراسلة عن وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، مشيرًا إلى أن أكاديميات مراكشآسفي، الدار البيضاءسطات، وطنجةتطوانالحسيمة، من بين الأكاديميات التي امتنعت عن تنفيذ القرار، وفق ما أفاد به المعنيون بالأمر. وأضاف أن المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية على الصعيد الوطني أصبحت تمتنع، منذ بروز هذه المشكلة في قطاع التعليم العالي، عن منح تراخيص اجتياز المباريات للأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد، وذلك بناءً على تعليمات وزارية، وفق ما صرّح به بعض المسؤولين الإقليميين والجهويين للمتضررين.

وأوضح أن وزارة التربية الوطنية وجدت نفسها في مأزق نتيجة غياب المناصب المالية، في حين أن عليها منح هذه التراخيص استنادًا إلى ما ورد في مراسلة وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، في أفق ضرورة عملها على إدماج جميع الأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد في أسلاك الوظيفة العمومية عبر إحداث مناصب مالية في إطار قانون المالية لتفادي المشكل وباقي المشاكل الأخرى التي يعاني منها الأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد، على حد ما جاء في تصريحه.

من جانبه، أكد الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكنفدرالية العامة للشغل، ربيع الكرعي، أن ما وثيقة وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة حل ترقيعي في ظل استمرار التوظيف خارج المناصب المالية وخارج الوظيفة العمومية، متسائلا: “ماذا لو اجتاز أستاذ من الأساتذة مباراة لشغل منصب تحويلي خارج وزارة التعليم العالي في الصيد البحري مثلا او الداخلية؟”.

وقال الكرعي في تصريح لجريدة “العمق” إن هذه المراسلة ليست سوى حلّ ترقيعي أشبه بمسكن مؤقت، في حين أن المشكلة الحقيقية لا تزال قائمة. وأضاف: “نحن لا نريد حلولاً مؤقتة تخفي الأزمة دون معالجتها، فهذه الوثيقة بمثابة مذكرة داخلية فقط، وقد يتغير الوزير أو تأتي حكومة جديدة، فنعيد الكرة من جديد ونواجه نفس الإشكال. إن ما يحدث هو تحايل على وزارة المالية، بينما الحل الحقيقي والوحيد هو الإدماج الكامل في الوظيفة العمومية.”

وخلص المسؤول النقابي، إلى أن  “التعاقد هو المرض العضال الذي أصاب المنظومة التعليمية، ونحن لا نطالب بمهدئات، بل نطالب بعلاج جذري ونهائي يضمن حقوق الأساتذة بشكل دائم، وينهي هذا الوضع الهش الذي يعيشه آلاف الأساتذة والمنظومة التربوية ككل.

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *