السودان بين أنياب العسكر والخراب : رسالة نازح إلى البرهان

حسن عبد الرضي الشيخ
السودان اليوم ليس كما كان، بل صار خرابة ينهشها الفساد والجريمة، يتقاسمها منتهكو العروض، ويتناوب على تمزيقها من قيل إنهم “حماة الوطن”. لم تعد البلاد سوى ساحة معركة مفتوحة، يدفع ثمنها المواطن البسيط، النازح، المشرد، المكلوم، بينما يتربع تجار الحروب على عروشهم، يتاجرون بالدماء والمآسي، يتشدقون بالشعارات الفارغة، ويبيعون للأبرياء أوهام النصر.
رسالة قاسية بعث بها نازح إلى البرهان، الذي لا يسمع، وإلى جنرالاته الذين يصمون آذانهم عمداً.
أيها البرهان، لن ينفعك التمترس خلف حاشيتك، ولن يحميك ركام الأكاذيب، فالسودان الذي كان وطناً بات أرضاً محروقة. الخرطوم وأم درمان أصبحتا مدن أشباح، لا قانون فيها إلا قانون الغاب، ولا سلطة فيها إلا سلطة السلاح، حيث تحول (رجالك) إلى عصابات نهب، وأصبح الزي الذي كنا نقدسه لباس اللصوص والمجرمين.
هل تجرؤ على زيارة أم درمان، حيث لا أمن ولا أمان؟ حيث الناس بين مشرّد ومختطف، وبين مقتول ومنهوب، وحيث الجثث مرمية بلا هوية؟ أين أنت من هذه المأساة؟ أم أنك تحتمي بوهج الشاشات، وتترك جنودك ينهبون البيوت وينتهكون الحرمات؟ فأصبحنا وطناً بلا شرف وبلاداً تحتضر.
من الطبيعي أن تمارس مليشيات غير منضبطة كل أنواع الانتهاكات، لكن أن يتحول الجند السوداني، جندنا الذي يفترض أنه حامي الوطن، إلى قوة بطش ونهب واغتصاب، فتلك هي الكارثة الكبرى. لم يعد هناك فرق بين “الديش” والجنجويد، بل ربما تفوق الجيش على المليشيات في الإجرام، لأن الخيانة حين تأتي من الداخل تكون أشد وقعاً وأقسى أثراً.
المناطق التي لجأ إليها النازحون أملاً في الأمان تحولت إلى سجون مفتوحة، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. المدن التي كان يفترض أن تحميها الدولة أصبحت رهينة للابتزاز والتنكيل، حيث جنود الجيش هم أنفسهم من ينهبون الأسواق، يبيعون الغنائم في أسواق ود الحلمان وصابرين، ويحوّلون الجامعات والمستشفيات إلى مراكز اعتقال ومخازن أسلحة. فماذا تبقى من السودان؟ .
المستشفيات التي كانت ملاذاً للمرضى أصبحت ثكنات عسكرية، والمساجد تحولت إلى ساحات تجنيد للأطفال تحت مسمى “الجهاد”، والمدارس لم تعد تعلّم سوى القتل والحقد والدمار. حتى المعونات الإنسانية لم تسلم من النهب، وأصبحت سلعة يتاجر بها السماسرة تحت حماية العسكر.
أم درمان، التي كانت شاهدة على ثورات السودان العظيمة، أصبحت اليوم مختنقة برائحة الدم، موشومة بجرائم الحرب، معلقة على حافة الخراب. فهل بقي في السودان ما يستحق الحياة؟ .
لا أمل في ظل هذه الحرب العبثية التي أشعلتها أطماع الجنرالات، بعد أن انقلب البرهان على الثورة، وأعاد الكيزان إلى المشهد، وأطلق يد القتلة والمجرمين ليحكموا البلاد بالسلاح والدمار.
لكن، كما سقط الطغاة من قبله، سيسقط البرهان. وكما لفظ السودان كل مستبد عبر تاريخه، سيلفظ هذا النظام الفاسد. السودانيون لن ينسوا، ولن يغفروا، ولن يتوقفوا عن مقاومة هذه الطغمة الفاسدة.
هذه خلاصة رسالة من نازح إلى البرهان الذي لا يسمع : أيها البرهان، دع دنقلا وتعال إلى أم درمان، تعال وانظر في عيون الأطفال الجائعين، والنساء المغتصبات، والرجال الذين فقدوا كل شيء، ثم أخبرنا: هل بقي لديك شيء من الإنسانية؟ أم أنك أصبحت مجرد دمية في يد القتلة والمجرمين؟ .
السودان لن يسامحك، ولن ينسى. والتاريخ يسجل، وساعة الحساب آتية لا محالة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة