غالبية الفرنسيين لا يثقون بماكرون .. شعبية متآكلة لرئيس “متكرر الأخطاء”
منذ بداية ولايته الرئاسية الثانية لا يتوقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لا تتمتع حكومته بأغلبية مطلَقة في البرلمان، عن مراكمة عثَرات تلو الأخرى؛ بشكل أثّر على “شعبيته المتآكلة”، حتى قبل انتصاف ولايته الخماسية.
وما بين مباشرته إصلاحَ نظام التقاعد “المُمرَّر بدون تصويت”، إلى مقتل الشاب نائل الذي أطلق موجة احتجاجات حضرية غير مسبوقة ضد عنف الشرطة في أنحاء فرنسا نهاية يونيو الماضي، يبدو أن “ساكن الإليزيه” لا يحظى بثقة “الغالبية العظمى” (ما يمثل 70 في المائة) من الفرنسيين في “قدرته على ضمان النظام العام”، وفق ما خلصت إليه نتائج مسح استقصائي للآراء أجراه معهد “CSA”.
نتيجةٌ تعكس انعدام الثقة الشديد في أوساط الفرنسيين بعد يومين فقط من مقابلة أجراها رئيس فرنسا من كاليدونيا الجديدة، وعد خلالها بـ”إعادة النظام واستتبابه” بعد أعمال الشغب الأخيرة.
الاستطلاع الذي أُجريَ يومَي 25 و26 يوليوز الجاري ساءل المشاركين فيه “هل تثق في قدرة إيمانويل ماكرون على ضمان النظام العام؟”، مُبيناً عن “اختلافات قليلة بين الذكور والإناث”. وأجاب كل من الجنسين بأغلبية كبيرة بـ”لا”، بنسبة 68 بالمائة (ذكور) و69 بالمائة (إناث)، مقابل 32 بالمائة و31 بالمائة أجابوا “نعم”.
وحسب الفئات العمرية فإن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و49 عاما و2534 عاما هم “الأقل ثقة في الرئيس الفرنسي لضمان النظام العام”؛ وهو ما تبيّن من خلال جوابهم على التوالي بنسبة 78% و76% بـ“لا” عن السؤال المطروح، متبوعين بالفئة العمرية 50 عاما فأكثر (63%) و65 فأكثر (62%) في الإجابة بالنفي.
النتائج برزت “أكثر تفاوتا” بين فئات الشباب المتراوحة أعمارُهم بين 18 و24 عاما، فما يقرب من 60% أعلنوا أنهم لا يثقون في إيمانويل ماكرون لضمان النظام العام.
“مجتمع مشروخ” يَبتذل السياسة
المعطي قبال، كاتب إعلامي مغربي مقيم في فرنسا، أكد أن “المجتمع الفرنسي خضع لتغييرات عديدة خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزها طال ‘مفهوم السياسة في فرنسا’، إذ أصبح مفهوما مبتَذَلاً لدى كثير من فئات الشعب الفرنسي، فضلا عن الثقة التي يتم فقدانها تدريجيا مع توالي الأحداث”.
الكاتب المتابع للشأن الفرنسي قال في حديث لهسبريس: “المؤكد أن ثقافة العنف أصبحت رافداً من روافد المجتمع الفرنسي، ومحرّكاً من محركاته خلال السنين القليلة الماضية”، مُحيلاً في هذا السياق على احتجاجات “السترات الصفراء”، وتلك التي أثارها مشروع إصلاح التقاعد، وأخيرا موجة احتجاجات هي الأعنف منذ 2005.
“هناك شروخ لا تخفى داخل المجتمع الفرنسي”، يورد قبال، قبل أن يتساءل: “هل هناك إمكانية تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع والتنازع في فرنسا، أي ما بين قوى السلطة/النظام والشعب؟”.
“انزلاق” ماكرون
في معرض تصريحه، لم يُخف الكاتب المتخصص في أحوال فرنسا استنتاجاً مفاده أن “الرئيس ماكرون كرّر انزلاقات عديدة، أفضت به إلى انزياح تدريجي دونما إحساس منه ربما نحو اليمين”، واستدل على ذلك بـ”فقرات من خطابات ماكرون توحي بأنه يستلهم أفكار اليمين المتطرف بشكل مُقنّع، أحيانا”.
وعدّد الخبير ذاته أهم أسباب الوضع الفرنسي في كون “قوى المجتمع المدني التي كانت واسطة بين النظام الفرنسي والشارع لم يعد لها دور فاعل”، مشيرا إلى “قتل دور المثقفين، وعدم توفر الجالية ذات أصول فرنسية على لوبي قوي سياسي من داخل النظام”، وتابع ملاحظا: “هناك، لاسيما في أوساط الشباب الصاعد في الضواحي، شعور متصاعد وسائد بالنِّقمة ورغبة في الانتقام في ظل عنف الشرطة التي خُصصت لها ميزانية مرتفعة لم يسبق للمراقبة الأمنية وقوات إنفاذ القانون أن حظيَت بها”، وزاد مستنتجا: “هذا هو سبب الخوف الساري داخل المجتمع الفرنسي مجسدا جدلية/ثنائية العنف والعنف المضاد”.
“بحلول الدخول السياسي المقبل قد تنفجر بؤر أخرى للعنف مثلما جرى مؤخرا في مختلف البلديات وضواحي فرنسا”، يخلص قبال في تصريحه، مُلخِّصا الوضع بأنه يشبه “وضع ضمادات على جروح تحتاج إلى علاج قوي وجذري”.
“الماكرونية” تتآكل.. تحصيل حاصل
وضمن قراءته لنتائج الاستطلاع المذكور، أكد حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، أن “تراجع شعبية ماكرون تحصيلُ حاصل ناتج عن سياسات غريبة ليس داخلياً فقط، بل خارجياً”، مسجلا أنه “لم يحدُث أن هبطت شعبية الرئيس الفرنسي إلى هذا المستوى؛ خاصة في الولاية الثانية التي انتُخب فيها ماكرون لأنه لم يكن هناك بديل عنه”.
وقال بلوان في إفادات لهسبريس: “أُرغِم الفرنسيون أن يختاروا بين السيئ والأسوأ (ماكرون أو اليمين المتطرف)”، مفسرا تآكل شعبيته بأنه “نتيجة إخفاقات متتالية بين معارك جانبية وتصريحات غير موفَّقة تجاه خصومه السياسيين داخليا (السترات الصفراء، أزمة الضواحي..)، بالإضافة إلى توالي أزمات اقتصادية منذ جائحة كوفيد”.
واعتبر الخبير ذاته أن “خلطة بين اليمين واليسار كان يريدها ماكرون لم تحلّ جميع المشاكل (أبرزها إدماج المهاجرين)، ما يؤثر على شعارات اعتمدتها الثورة الفرنسية: الحرية والمساواة والإخاء”، لافتا إلى “ضعف الموقف الفرنسي أوروبيا”.
وخلص المتحدث إلى أن “النتائج المخزية لصورة فرنسا عبر العالم، وانفراط هيمنة ونفوذ باريس في جميع دول الساحل لصالح القوى الدولية، ساهَمَا بقوة في هدم ثقة الفرنسيين في رئيسهم الحالي”، خاتما: “الماكرونية كانت نموذجا ملهما لكثيرين في بدايتها، بَيْد أن المحصلة هي انتظار الفرنسيين الانتخابات بفارغ لطي صفحة ماكرون”.
المصدر: هسبريس