"عين تيساف" .. مورد مائي يتطلع للتثمين
“موارد المياه بجماعة تيساف وسؤال التنمية المحلية.. التحديات والتدابير المأمولة”؛ كان هذا موضوع يوم دراسي نظمته جمعية التنمية المستدامة لتيساف (ADDUTIS)، الأربعاء بمقرها بمركز تيساف، دائرة اوطاط الحاج إقليم بولمان، شارك فيه عدد من الأساتذة الجامعيين وباحثون ومختصون وفاعلون جمعويون محليون، وتابعته هسبريس من الرباط عبر تقنية التناظر المرئي.
وتروم “أديتيس” من وراء هذا الموضوع تحسيس المجتمع المحلي بمعضلة ندرة الموارد المائية في حوض ملوية الوسطى، والوقوف عند أبرز التحديات والهواجس التي تشغل بال الساكنة، بهدف خلق حالة من الوعي الجماعي بأهمية المحافظة على عنصر الماء في هذه المنطقة الجافة وشبه الصحراوية التي ارتبط تعميرها وتطور مظاهر الحياة الاجتماعية والزراعية بين جنباتها منذ ما يزيد عن خمسة قرون من الزمن، على الأرجح، بنبع العين التي صارت مع مرور الوقت ملكا جماعيا تتوارثه خلفا عن سلف فرق وفخدات القصور والدواوير التي ينحدر سكانها في الأصل من أبناء الولي الصالح سيدي عيسى بن معمر، الذي اشترى أول الأمر هذه العين من بني وطاس الذين كانوا يقيمون حينها في المنطقة، حسب ما تتداوله الرواية المحلية إلى اليوم.
وفي ورقتها التأطيرية لليوم الدراسي، تحدثت “أديتيس” عن كون إشكالية الموارد المائية صارت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قضية مصيرية تؤرق مختلف البلدان والمجتمعات، حتى تلك التي كانت إلى الأمس القريب تعرف وفرة وغنى في مصادر المياه، بصنفيها السطحية والجوفية، وذلك نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة والاختلالات المتزايدة التي باتت تهدد توازنات المنظومة البيئية على الصعيد العالمي.
وإذا كانت أزمة فقر الموارد المائية في المغرب قد أسهمت بشكل بيّن وملحوظ في تعميق الاختلالات المجالية وفي الحد من التنمية البشرية والاقتصادية في العالم القروي، فإن آثار هذه الأزمة وتداعياتها صارت أكثر تعقيدا ووضوحا في المجالات الجافة وشبه الجافة، التي شهدت منذ ثمانينات القرن الماضي موجات جفاف دورية وممتدة أدت في كثير من الجهات والمناطق إلى نضوب المجاري المائية واستنزاف احتياطي الفرشة الباطنية، بسبب الاستغلال المفرط والعشوائي لمخزوناتها المتراكمة عبر آلاف السنين في أنشطة زراعية وتنموية لا تتناسب في أهدافها وطبيعتها مع معضلة ندرة المياه وقلة التساقطات التي تعد من أبرز الثوابت المناخية والبيئية المميزة لهذه المجالات الجغرافية الحارة والقاحلة منذ قرون عدة خلت.
ويعد حوض ملوية الوسطى، الذي تدخل في مجاله جماعة تيساف، من بين أبرز وأشهر المجالات الطبيعية في الجنوب الشرقي للمغرب التي تفاقمت فيها أزمة ندرة الموارد المائية بوتيرة أسرع وأخطر مما كان عليه الوضع إبان منتصف القرن المنصرم، وذلك بسبب تراجع نسبة التساقطات المطرية التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 100 إلى 150 ملم في المتوسط، وانقطاعها أحيانا لسنوات متتالية، إضافة إلى تضاؤل كميات الثلوج المتساقطة سنويا على مرتفعات الأطلسين الكبير الشرقي والمتوسط الشمالي الشرقي، مما أثر بشكل واضح وملموس على استمرار جريان الشبكة الهيدرولوجية لهذا الحوض، وهو ما يتجلى بوضوح في تراجع نسبة تدفقات مياه نهر ملوية وانقطاع جريانه في الأشهر الجافة والحارة، فضلا عن عدم استقرار مخزونات الفرشة المائية الباطنية التي تعرضت خلال العقدين الأخيرين لاستنزاف حاد ومقلق نتيجة الإفراط في حفر الآبار والأثقاب لاستغلالها في مشاريع زراعية حديثة وطارئة، لكن بطرق تفتقد، في بعض الأحيان، للشروط القانونية والتشريعية ذات الصلة ومقتضيات السلامة البيئية ومعايير العقلنة والنجاعة المائية.
وفي هذا الإطار، شدد المصدر ذاته، على أن عين تيساف، “بوصفها كنز وأيقونة المجتمع التيسافي ورمز هوية ووجوده التاريخي”، تسائل اليوم الجميع، سكانا محليين ومنتخبين وفاعلين جمعويين وسلطات إدارية مختصة، عن التدابير والبرامج التي تم إعدادها “للحفاظ عليها من الآفات والمخاطر الجدية التي باتت تهدد فرشتها الباطنية بسبب قلة وتأخر التساقطات المطرية، وحفر مجموعة من الآبار العشوائية والمتهورة غير بعيد عن السديمة المائية المغذية للعين، فضلا عن تفاقم ظاهرة تلوث مياهها في المنبع وعلى امتداد شبكة السواقي بشتى أنواع النفايات والمواد الكيماوية السامة”.
الهواري بوطيب، رئيس جمعية التنمية المستدامة لتيساف، قال إن الهدف من تنظيم هذا اليوم الدراسي هو “التحسيس بالأهمية الحيوية والقصوى التي تحظى بها عين تيساف في الحفاظ على استمرار الحياة الاجتماعية والزراعية بالجماعة، وفي تحقيق وإنجاز مختلف أشكال وبرامج التنمية البشرية والاقتصادية على الصعيد المحلي، وفي خلق وتنويع فرص الشغل، حتى وإن كانت موسمية، وفي الحد من ظاهرة الهجرة التي ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بسبب تزايد الضغط الديمغرافي بالجماعة ومحدودية المبادرات التنموية للدولة وتعثر المشاريع الفردية المدرة للدخل”.
وأضاف الهواري، في تصريح لهسبريس، أن الجمعية تأمل أن تجعل من هذا اليوم الدراسي “تقليدا سنويا، يتناول كل سنة موضوعا محددا يهم التنمية بالقرية، بتأطير من مهندسين وأساتذة جامعيين وذوي الاختصاص، للخروج بخلاصات تنفذ الجمعية منها ما هو في استطاعتها، وتوجه الأخرى إلى السلطات والإدارات العمومية المختصة”.
بدوره، صرح الإدريسي التيسافي حميد، عضو جمعية التنمية المستدامة لتيساف، لهسبريس بأن الضغوطات التي تعرفها مؤخرا الفرشة المائية على مستوى جماعة تيساف، دفعت الجمعية إلى تنظيم هذا اليوم الدراسي العلمي “من أجل التحسيس أولا، ثم التوعية، ثم الخروج بتوصيات من أجل رفعها إلى كل الغيورين والمسؤولين على قرية تيساف للمحافظة على هذا المورد المائي الحيوي بها”.
البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 20202027
في عرض مفصل ودقيق، قدم تاسين زهير، ممثل وكالة الحوض المائي لملوية، البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 20202027، الذي يكلف استثمارات بقيمة 115,4 مليار درهم ويهدف إلى دعم وتنويع مصادر التزويد بالماء، الحد من تأثير التغيرات المناخية، مواكبة الطلب على الموارد المائية وضمان الأمن المائي.
محاور البرنامج
أبرز تاسين أن البرنامج يدور حول خمسة محاور رئيسة، يتعلق الأول بتنمية العرض المائي، وذلك بإنجاز 20 سدا كبيرا بسعة 5.38 مليار متر مكعب لبلوغ سعة تخزين إجمالية تقارب 27.3 مليار متر مكعب، وإنجاز سدود صغرى بهدف التنمية المحلية وحل مشاكل السقي وإرواء الماشية والحماية من الفيضانات، مذكرا بأن المملكة تضم حاليا 130 سدا صغيرا، بالإضافة إلى وجود 20 سدا من هذه الفئة قيد الإنجاز، زيادة على استكشاف المياه الجوفية من أجل تعبئة موارد مائية جديدة، وإنجاز محطات لتحلية مياه البحر لتنضاف إلى المحطات المتواجدة بكل من مدن العيون وبوجدور وطانطان ومركز أخفنير.
المحور الثاني يهم تدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء، وذلك من خلال عصرنة وإصلاح شبكات توزيع الماء لاستعمالات مختلفة، وتحويل واستبدال نظام الري التقليدي بالري الموضعي، وتحسين مردودية شبكات التوزيع بالمدن والمراكز الحضرية بنسبة 78 بالمائة في أفق 2027، وتنمية مدارات السقي الصغير والمتوسط وإحداث نقط الماء.
وأضاف تاسين أن المحور الثالث للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 20202027 يخص تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي، عبر تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي والقضاء على الهشاشة التي تعرفها بعض المناطق، خصوصا خلال فترات الجفاف.
وتشكل إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة المحور الرابع للبرنامج، والغاية من هذا المحور حماية البيئة وتوفير موارد مائية مستدامة من شأنها تخفيف الضغط على الموارد الاعتيادية. وأخيرا محور التواصل والتحسيس، بشراكة مع المنظمات غير الحكومية وجهات أخرى معنية بإشكالية الماء، بهدف تحسيس مختلف المستعملين وحثهم على ترشيد استعمال هذه المادة الحيوية.
السدود بحوض ملوية
وعزز المتدخل عرضه بأرقام حول السدود الكبرى بحوض ملوية، أهدافها، سعتها وكلفتها المالية التقديرية، منها ما هو في طور الإنجاز كسد تاركا ومادي بإقليم جرسيف بسعة 287 مليون متر مكعب، وتعلية سد محمد الخامس بإقليم تاوريرت بسعة 100 مليون متر مكعب، وهو في طور الانطلاق، ومنها ما هو مبرمج كسد مشرع الصفصاف بإقليم بركان بسعة 600 مليون متر مكعب، وسد بني عزيمان بإقليم الدريوش بسعة 45 مليون متر مكعب.
وعرج ممثل وكالة الحوض المائي لملوية في عرضه على برنامج إنجاز السدود التلية بجهة فاسمكناس 20202024، ومنها السدود المبرمجة سواء للإصلاح أو الإنجاز بجماعة تيساف، ويتعلق الأمر بسد سهب الزركة بسعة 40 ألف متر مكعب، وسد بن هسو بسعة 115 ألف متر مكعب، وسد سهب الطيب بسعة 150 ألف متر مكعب، وسد وسعت لحسن بسعة 240 ألف متر مكعب، وستخصص هذه السدود الأربعة لتوريد الماشية، إضافة إلى سد بولوطان، الذي ستستخدم مياهه للشرب والسقي وتوريد الماشية، بسعة أربعة ملايين متر مكعب.
وفي تصريح لهسبريس، كشف تاسين أن “وكالة الحوض المائي لملوية، وفي إطار إعداد وإصدار نصوص تطبيقية للقانون 15/36 المتعلق بالماء، قامت بإعداد مشروع مرسوم يحدد تدابير المحافظة على عين تيساف بإقليم بولمان والإجراءات الواجب اتخاذها في حق المخالفين”، مضيفا أن الوكالة قامت بتوضيح عملية تدبير الموارد المائية والتحسيس بشأنها.
التغايرية المطرية وتأثيرها على صبيب العيون والأودية بحوض ملوية الوسطى
في ورقة مشتركة ساهما بها في هذا اليوم الدراسي، أبرز عبد الغاني قادم، أستاذ باحث بجامعة السلطان مولاي اسماعيل ببني ملال، ومصطفى عامري، طالب باحث بجامعة محمد الأول بوجدة، أن معدل الموارد المائية بالمغرب يقدر بحوالي 22 مليار متر مكعب في السنة، أي ما يعادل 700 متر مكعب للفرد في السنة، وكانت هذه النسبة تقدر بحوالي 2560 مترا مكعبا للفرد سنة 1960، ومن المرتقب أن تصل إلى 580 مترا مكعبا للفرد في السنة في أفق 2030، مما يعني أن حصة الفرد في السنة تعرف انخفاضا مستمرا يجعل المغرب أمام تحد أكثر تعقيدا.
وقال الباحثان إن “حوض ملوية بشكل عام، وملوية الوسطى بشكل خاص، من الأحواض التي أصبحت تعرف تراجعا قويا على مستوى الموارد السطحية وتوحل السدود، مما زاد من تحديات توفير هذه المادة الحيوية، خاصة في ظل ضعف الدراسات التي تهتم بالمنطقة على العموم والفرشة المائية الباطنية بشكل خاص”.
وتبلغ مساحة حوض ملوية 55860 كلم²، مناخ المنطقة جاف إلى صحراوي مع تأثيرات بحرية متوسطية في الشمال ومناخ جبلي بملوية العليا، ويبلغ المعدل السنوي للتساقطات المطرية بها 270 ملم، ومواردها المائية محدودة ومتباينة في الزمان والمكان وتقدر بـ1730 مليون مكعب في السنة، منها 430 مليون متر مكعب مياه جوفية.
وبين قادم وعامري أن الحجم المائي المستغل بحوض ملوية يصل إلى 1270 مليون متر مكعب في السنة، 89% منه للسقي، في حين يبلغ الطلب على الماء في أفق 2030، 1426 مليون متر مكعب في السنة: 1250 مليون م3/السنة للسقي و176 مليون م3/السنة للشرب وللاستخدام الصناعي والسياحي.
وكشف الباحثان أن “المغرب عرف تغايرية مناخية تصل إلى حوالي 100% بالمناطق ما قبل الصحراوية، وحوالي 25% بالمناطق الساحلية”، كما “انخفض معدل تجدد المياه على المستوى الوطني من 29 مليار متر مكعب سنة 1998، أي ما يعادل 1044 مترا مكعبا للفرد خلال السنة نفسها، إلى حوالي 786 مترا مكعبا للفرد خلال سنة 2020”.
ونتيجة لعدم التوازن الذي تعرفه كمية استهلاك المياه الجوفية مقارنة بمعدل تغذيتها، تورد الورقة ذاتها، “عرفت هذه الموارد انخفاضا كبيرا في مستوياتها، إذ يقدر إجمالي الموارد المائية المتجددة الحالية في المغرب (السطحية والجوفية) بنحو 29 مليار متر مكعب في السنة. يتم استغلال حوالي 20 مليار متر مكعب منها (16 مليار متر مكعب من المياه السطحية و4 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية)، 80% من هذه الموارد تستغل في القطاع الفلاحي”.
وخلص الباحثان إلى أن “تداخل مجموعة من العوامل، منها ما هو طبيعي وما هو بشري، في ظل الاختلال الكمي للتساقطات على المستوى الزمكاني وأثره على الجريان السطحي والتغذية الباطنية، علاوة على الطفرة السوسيومجالية التي عرفها المجال على مستوى أنشطة الاستغلال، كلها عوامل ساهمت في خلق إشكالية على مستوى الموارد المائية السطحية والباطنية”.
تدابير غير كافية
من جانبه، شدد عبد النور صديق، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة المغربية لمواجهة الوضعية المائية الحرجة، وإن استطاعت أن تخفف من تزايد حدة ظاهرة الخصاص المائي بالمغرب، إلا أنها “لم تعد كافية لتأمين مياه السقي والشرب، خصوصا مع تزايد حدة الجفاف التي تشهدها بلادنا في السنوات الأخيرة”.
وأشار عبد النور إلى أن عدد مستغلي المياه بدون ترخيص ارتفع إلى أزيد من 102264 خلال العام 2017، مقابـل 25557 من مستغلي المياه المرخص لهم، وأن القطاع يعاني من تعدد المتدخلين من القطاعين العام والخاص، مع غياب نظام معلوماتي وطني للماء، مبرزا أن 73% من الموارد المائية تتركز في المنطقة الأطلنتية، وأن الاحتياطي الفردي من الماء تناقص من 2500 متر مكعب سنة 1980 إلى 400 متر مكعب سنة 2020، داقا ناقوس الخطر من التهديدات المتعددة التي تتعرض لها المياه السطحية والجوفية، خاصا بالذكر التلوث، الجفاف وتصريف مياه المصانع ومياه الصرف الصحي بالبحار والأنهار والبحيرات.
تضاعف المساحة المسقية بجماعة تيساف
وأفاد الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط بأن المساحة الزراعية المسقية بجماعة تيساف زادت في أقل من عشر سنين بـ1198.52 هكتارا، منتقلة من 615.92 هكتارا سنة 2014 إلى 1814.44 هكتارا السنة الجارية (2023)، وأن عدد الأسر المستفيدة من الماء الصالح للشرب بالجماعة ارتفع من 243 أسرة عام 2004 إلى 845 أسرة عام 2014 إلى 1031 أسرة عام 2022، مسجلا تطورا نسبته 16.7، 50 و61 في المائة على التوالي.
إكراهات التدبير وإجراءات المحافظة على الموارد المائية بجماعة تيساف
لخص عبد النور صديق إكراهات تدبير الموارد المائية بجماعة تيساف في الجفاف المستمر، الإفراط في الاستغلال، ضعف منشآت التخزين والتعبئة وتلويت المياه، مقسما الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها للحفاظ على هذه الموارد المائية بالجماعة إلى إجراءات وتدابير قانونية، وأخرى تقنية، وإجراءات اجتماعية، وتربوية، وتدابير وحلول استراتيجية.
عين تيساف.. التسمية
في مداخلته ضمن هذا اليوم الدراسي العلمي، قال الفقيه الإدريسي، أستاذ باحث بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال عضو “أديتيس”، إن الراجح أن تسمية عين تيساف تعود في الأصل إلى واد تيساف، لأن كلمة “تيساف” في الأمازيغية هي جمع لكلمة “تيسفت” التي تعني الوادي الصغير.
وأضاف أنه في مونوغرافية تيساف التي أعدتها سلطات المراقبة الفرنسية زمن الحماية، ورد تفسير آخر مختلف لهذه التسمية، اعتبر أن الإنتاج الزراعي الضعيف الذي كان يميز القرية آنذاك، مرده إلى الطبيعة الرملية لتربتها، وهذا ما تدل عليه كلمة “تيساف” نفسها التي تتكون من “TIT” التي تعني العين، و”SAF” التي تعني الرمل.
الخصائص الفيزيائية والمعدنية للعين
أبرز الإدريسي الفقيه أن المجال الذي تنتمي إليه تيساف يتشكل من الناحية الجيومورفولوجية من تكوينات مستنقعية مرتبطة بمواد تمثل مخروط انصباب في اتجاه واد ملوية، وتبلغ درجة حرارة العين 27 درجة نظرا لعمق الفرشة المائية التي تغذيها، وتتأرجح درجة حموضتها ما بين 7 و7.3 وحدة “PH”. كما تتميز مياهها بسحنات كيماوية كبريتية وكلسية ومنغنيزية بتعدن إجمالي يتراوح ما بين 1 و1.5 غرام في اللتر.
ونظرا لانتشار غطاء رسابي فوق الدولوميت (Dolomite: صخر رسوبي يتألف من كربونات الكالسيوم وكربونات المغنيسيوم، تركيبه الكيميائي هو: CaMg(CO3)2) الممتد على الجهة اليمنى لواد ملوية والركام، فإن مياه التساقطات التي تتلقاها المنطقة بمعدل لا يتجاوز 160 ملم سنويا في المتوسط لا تساهم فعليا في تغذية مخزون الفرشة الباطنية للعين، مما يؤكد أن مصدر تزويدها يرتبط بمجالات بعيدة عن الوسط المحلي.
صبيب العين
يقدر صبيب عين تيساف بـ250 لترا في الثانية، وهو أكبر صبيب لتدفق المياه بالقياس مع باقي المنابع الأخرى المنتشرة على الواجهة اليمنى لواد ملوية. وتعد عين تيساف، إلى جانب عين تمرساط، من أهم وأكبر المنابع المائية المنتشرة على هذه الواجهة.
إنتاجية العين
تسقي عين تيساف مساحة معتبرة من الأراضي الزراعية، تقارب ألفي هكتار، هي الأعلى على المستوى الإقليمي، وتهم بالأساس الزراعات التالية: المغروسات الشجرية، وغالبيتها الزيتون واللوز، الحبوب، الكلأ، البقول والقطاني، وهذه الزراعات في عمومها تبقى زراعات معاشية لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية للساكنة، خاصة بعد الارتفاع المضطرد في عدد السكان الذي انتقل من 1905 نسمة في أربعينات القرن الماضي إلى 9444 نسمة في 2004 و10191 نسمة في 2014.
وفي تصريح لهسبريس، قال الإدريسي الفقيه إن “جمعية التنمية المستدامة لتيساف نظمت هذا اللقاء العلمي القيم لتناول قضية الماء في هذه الجماعة، باعتبار أن هذه القضية، كما هو معروف، تعد من القضايا التي تحظى بالأولوية الأولى على الصعيد الوطني، إن لم نقل على الصعيد الدولي، وأعتقد أن مبررات اختيار هذا الموضوع تمتنع عن الحصر، ربما أهمها وأشهرها هو ارتفاع درجة الحرارة وقلة التساقطات المطرية التي تشهدها هذه المنطقة، خصوصا وأنها تنتمي إلى مجال جغرافي يتسم بالجفاف وبارتفاع درجة الحرارة تقريبا على طول أشهر السنة”.
خلاصات وتوصيات
في ختام هذا اليوم الدراسي، أوصى المشاركون فيه بإنشاء سدود تلية لتعبئة المياه في فترات الفيض، وتقوية البنية التحتية لعين تيساف من خلال إعادة بناء سورها وفق تخطيط هندسي جديد يليق بقيمتها التاريخية والاقتصادية والتنموية، مع تسقيف السواقي التي تمر بين القصور لحمايتها من النفايات والتبخر.
كما شدد اللقاء على أهمية إنجاز شبكة الصرف الصحي، خاصة في التجمعات السكنية التي تمر منها سواقي العين، وإنجاز لوحات إرشادية وتوعوية، ووضع لوحة كبرى بجانب العين تعرّف بمكوناتها وخصائصها المعدنية والكيماوية، وأيضا بالدور الذي اضطلعت به في هذه الجماعة.
وأوصى المشاركون في اليوم الدراسي كذلك باستعمال تقنيات جديدة في السقي مبنية على الرش والتنقيط، بدل السقي بالغمر المعتمد حاليا، اقتصادا للمياه وترشيدا لهذه الثروة التي عز نظيرها في هذه الربوع، مع تفادي الزراعات الأكثر استهلاكا للماء، خاصة البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر.
ودعا اللقاء إلى تفعيل مقتضيات قانون الماء 15/36، والقيام ببعض الإجراءات التربوية من خلال تحسيس المجتمع المدني المحلي بأهمية المحافظة على الماء وتثمين مصادره الأساسية وعلى رأسها عين تيساف، وتنظيم حملات تحسيسية من حين لآخر لفائدة الساكنة.
“عين تيساف” .. مورد مائي يتطلع للتثمين .
المصدر: هسبريس