عيد عمال صامت بمطالب ليّنة.. وقطاع النقل يعيش الهشاشة
احتفلت النقابات المهنية ومعها الشغيلة العمالية بعيدها الأممي الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، وطبع احتفالات هذه السنة (2023)، “حالة من الصمت، ولم تكن بالحدة المنتظرة”، لأنها لم تعكس صرخة الظروف العصيبة التي تعيشها الفئات متوسطة الدخل والفقيرة، بسبب موجة غلاء أسعار مواد الاستهلاك الأساسية والمحروقات التي انعكست سلبا على معيشتها.
الحكومة في كل مناسبة إعلامية، كانت تقول إنها “استبقت الأمر، وأن الإجراءات التي قامت بها خففت من وطأة الأزمة”، خاصة دعم المحروقات الموجه لوسائل النقل ونقل البضائع، لكون قطاع النقل يشكل قطب رحى الاقتصاد الوطني، إلا أن هذا الدعم “لم يكن كافيا” وفق تصريحات المهنيين.
كما أن أزمة المحروقات كانت “المصيبة الفائدة” التي كشفت هشاشة قطاع النقل بشكل عام، ومعه ظروف اشتغال السائقين المهنيين والأجراء المشتغلين في المقاولات النقلية ونقل البضائع، سواء داخل المغرب أو النقل الدولي، والمشاكل الأمنية والصحية التي تواجههم خلال اشتغالهم في دول جنوب الصحراء.
لمناقشة هذه المواضيع، تستضيف جريدة “العمق” في هذا الموضوع، النقابي والأمين العام الوطني للمنظمة الديمقراطية للنقل واللوجستيك متعددة الوسائط، مصطفى شعون، والذي يشغل أيضا منصب رئيس الإتحاد الإفريقي لمنظمات النقل واللوجستيك، ضمن فقرة “خمسة أسئلة”.
بداية، كيف مر إحياء عيد العمال وما تعليقكم على حالة “الصمت” كما وصفها البعض التي خيمت على الاحتفالات؟
أعتقد أن تخليد هذه الذكرى أو العيد الأممي عبر تنظيم مسيرات ومهرجانات خطابية وتظاهرات بعدد من مدن وأقاليم المملكة، خيم عليها شعار أساسي للمطالبة بتجاوز موجة غلاء الأسعار، لكن لم يكن هذا المطلب بالحدة المنتظرة خصوصا من المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والتي تحاور الحكومة.
مع الأسف منذ ترسيم هذه الحكومة وهذه المركزيات لم تقم بأي ردة فعل أمام الارتفاع اللامسبوق أولا للمحروقات، والتي تبعتها كل المواد الأساسية والاستهلاكية، وأخيرا بعض المنتجات التي لا علاقة لها بالأزمات العالمية ولا علاقة لها تداعيات فيروس كورونا ولا بالتحولات الجيوسياسية.
اليوم ونحن أمام صمت هذه المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، هناك بعض النقابات الأخرى التي منذ مدة وهي تشجب وتحتج، وقامت بردود فعل في الشارع، وهيئات أخرى دعت إلى مقاطعة مجموعة من المواد الاستهلاكية، لأن المواطن المغربي اليوم يعاني من ارتفاعات متتالية وغير مسبوقة في كل المواد الأساسية التي يحتاجها في معيشه اليومي.
ما هي رسالتكم في المنظمة الديمقراطية للنقل واللوجستيك بمناسبة عيد العمال الوطني؟
بالنسبة لنا نحن كهيئة جامعة لكل أصناف مهنيي النقل ومهن اللوجستيك، ولأننا هيئة نقابية تشتغل في قطاع كبير ومهم جدا، وهيئة مستقلة عن المركزيات النقابية وكذلك عن الأحزاب السياسية وعن الباطرونا، خلدنا هذا العيد الأممي، ورفعنا فيه شعار قويا، نظرا للتجربة الطويلة والتعامل مع الحكومات المتعاقبة والحالية على المغرب بشعار “نضال مستمر من أجل قانون إطار حداثي ومنسجم ينظم مهن النقل الطرقي ويقطع مع كل الممارسات والظواهر التي عمقت أزمة القطاع”.
هذا الشعار الكبير نريده أن ينسجم مع مشروعنا النقابي ومع حجم قطاع كالنقل، لأنه يضم أكثر من مليون عمال أجراء وغير أجراء منتسبون لقطاع النقل الطرقي، وأكثر من 250 ألف مقاولة نَقلية، وأكثر من 350 ألف سائق مهني في كل أصناف النقل. إذن النقل الطرقي قطاع مهم ومهم جدا، ناهيك على مناصب الشغل الأخرى الغير المباشرة والتي تعد بالآلاف.
هذا القطاع يعطي الأمل في الشغل؛ لأنه قطاع خدماتي ويمكن لفئات واسعة من المجتمع أن ترتبط بهذا القطاع، إنه عصب الاقتصاد الوطني، سواء في علاقته المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي كذلك، في إطار سلاسل الإنتاج وما يقوم به النقل الدولي للبضائع، بالنسبة لإفريقيا ولأوروبا وجنوب أوروبا.
إن قطاع النقل الطرقي ونقل البضائع قطاع كبير بأرقام كبيرة، لكن لم يلقى اهتمام الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية إلى حد الساعة، ولم تتم أجرأة كل ما تم الاتفاق عليه بخصوص مجموعة المشاكل المرتبطة بقطاع النقل بصفة عامة.
كيف وجدتم دعم المحروقات الذي منح لوسائل النقل العمومي ونقل البضائع، وهل كان دعما كافيا وهل ما تزال الحاجة له؟
أولا يجب أن نسمي الأمور بمسمياتها، ليس دعم المحروقات بدعم، بل هو إعانة ومواكبة كما أعلنت عليه الحكومة في شهر مارس سنة 2022 بعد بداية ارتفاع أثمنة المحروقات، ونحن نعرف أن الحكومة تتكون في أغلبها من رجالات الأعمال، ولديهم رؤية عن ما سيقع في الأيام والشهور القادمة، بحكم أن منهم من في موقع مستورد للمحروقات وفي موقع رجال الأعمال على الصعيد الدولي والإفريقي ولديهم علاقات قوية في هذا الإطار، جعلتهم يعرفون أن ثمن المحروقات سيرتفع ويتصاعد بشكل غير مسبوق.
بدأت الاحتجاجات الهيئات النقابية، وكنا أول هيئة نددت واحتجت من خلال الوقفة الاحتجاجية الوطنية التي نظمناها بكل قطاعات النقل، وشارك فيها أزيد من 51 إقليم على الصعيد الوطني، شجبنا فيها ارتفاع أثمنة المحروقات وصمت الحكومة، وقدمنا مجموعة من المقترحات التي مع الأسف لم تأخذها الحكومة بعين الاعتبار.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحوار الذي فتحته الحكومة كان حوارا مع كل الهيئات الممثلة لقطاع النقل، خاصة الطرقي منه، ولكن مع الأسف كلنا نعرف أن غالبية الهيئات والمنظمات لها تبعيات أو ما يسمى بأذيال الأحزاب، خاصة الأحزاب المكونة للحكومة، لذلك كل المقترحات لم تؤخذ بعين الاعتبار، والحكومة من أجل امتصاص الغضب وأن تظهر للرأي العام على أنها بالفعل كان تواكب مهنيي النقل، قدمت تلك الإعانة بما تعرفها من مشاكل.
نعلم جميعا أن الحكومة وإلى يومنا هذا لم تورد الأرقام الحقيقية لكل الدفعات التي منحتها لقطاع النقل الطرقي، إذ لا يوجد تواصل واضح في هذا الموضوع، ونحن كنقابة نملك لوائح وأرقام تثبت عكس ما تقدمه الحكومة في خرجاتها الإعلامية، وأكثر من ذلك، الحكومة منذ شهر مارس 2022، وبعد أكثر من سنة، قدمت 10 دفوعات، ليبقى السؤال أين هي 3 أو 4 دفعات أخرى لأن هذه الإعانات لم تكن شهرية، بل حسب الأجواء داخل مجلس الحكومة.
وفي ظل استمرار غلاء المحروقات، ومن المرتقب أن يتزايد الثمن، نطالب بإجراء يمكن أن يخفف المعاناة والمشاكل التي ترتب عنها الغلاء التصاعدي للمحروقات، لأن هناك مقاولات نقلية ماضية إلى الافلاس وأخرى أعلنت إفلاسها بداية هذه السنة، وهناك مجموعة من السائقين المهنيين في قطاعات النقل الغير المهيكلة كسيارات نقل الأجرة والنقل المزدوج وفي نقل البضائع لحساب الغير، غادروا المهنة لأنهم يشتغلون بنسبة مئوية ولا يمكن أن يشتغلوا الآن ما دام الغازوال يشكل أزيد من 70 بالمائة من تكلفة النقل.
هناك أيضا إشكال حقيقي آخر مرتبط بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية لعمال النقل غير الأجراء، فالحكومة إلى يومنا هذا هي عاجزة عن إيجاد حلول لهذا المشكل.
طرحت نقابتكم مقترح تعديل مدونة الشغل بشكل يلائم وضعية السائقين المهنيين وأُجراء النقل، لماذا هذه التعديلات وما هي أهمها؟
بطبيعة الحال هذا مطلب المنظمة الديمقراطية للنقل واللوجستيك متعددة الوسائط منذ تأسيسها سنة 2016، فتعديل مدونة الشغل يجب أن يلائم وضعية السائقين المهنيين، لأننا اليوم أمام قانون سير جديد يتوفر على باب السياقة المهنية وهذا الباب فيه مجموعة من الشروط وتنظمه مجموعة من المراسيم التي تضم مجموعة من الإجراءات التي لابد أن تلائم مدونة الشغل، لأن السائق المهني يجب أن يبقى سائقا مهنيا.
بالفعل هو أجير في مقاولة نقلية، لكنه يحتاج لوضعية تحتكم لقانون أساسي، يوضح ما له وما عليه من حقوق وواجبات، هذا القانون يسمح بتعديل المدونة الشغل لتبقى مهنة السياقة المهنية مهنة لها قيمتها، على اعتبار أن داخل أي مقاولة نقلية كل السائقين المهنيين أجراء، وبالتالي إذا احتاج رب المقاولة، إذا السائق المهني في مهمة أخرى غير السياقة، ورفض القيام بهذا العمل، يمكن أن يسرّحه بقوة القانون لأنه رفض الأجر مقابل العمل.
السائق المهني يجب أن يبقى سائقا مهنيا ما دام أن لديه بطاقة مهنية وتحكمه مجموعة من مقتضيات قانون السير، والمدونة أعتقد أنها مقبلة على بعض التعديلات، اليوم في ظل هذه التعديلات المستقبلية لابد أن تعدّل مدونة الشغل بشكل يلائم الوضعية المهنية للسائق، والانسجام بين مدونة السير كقانون للسير وبين مدونة الشغل كإطار للعلاقة التعاقدية بين شغيلة أجراء النقل والمشغل.
يتعرض السائقون المهنيون الدوليون خاصة المشتغلين في إفريقيا وجنوب الصحراء لاعتداءات متكررة، ما هي الإجراءات المقترحة لتجاوز هذه المشاكل؟
بطبيعة الحال المعاناة السائقين المهنيين للنقل الدولي للبضائع لحساب الغير المتوجهين إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء، لا نعتبرها معاناة وفقط، بل جحيم، لأن الجميع يعرف الوضع الأمني واللاستقرار وضعف البنيات التحتية، والأجواء داخل دول أفريقيا التي تعرف خصوصيات ومشاكل مرتبطة بالسير والجولان والعبور وانعدام محطات الراحة وانعدام الأمن والمطالبة بإتاوات، وعدم ضمان البضاعة وعدم التأمين على السائق على البضاعة وعلى المركبة، بالتالي هناك مغامرة حقيقية لمجموعة من مقاولات نقل البضائع مشكورة لأنها تتحلى بالجرأة والشجاعة للقيام بهذه الخدمة.
أنا أعتبر السائقين المهنيين هم السفراء الحقيقين والممثلين الحقيقيين للمملكة المغربية، لأنهم يساهمون بشكل مباشر في تنمية المبادلات التجارية بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء وكذلك بين أوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء، نظرا لتواجد المغرب في موقع جيواستراتيجي وكونه منصة تبادل بين هذه الدول.
هناك أيضا أمور مرتبطة بصحة وسلامة السائقين المهنيين، ونحن في نقابتنا رفعنا مقترح مند مدة مفاده الاهتمام بالمهنيين، أولا بإحداث وحدة صحية متعددة الاختصاصات في المعبر الحدودي الكركرات. هذه الوحدة الصحية ستمكن من مراقبة الحالة الصحية للسائقين وتواكبها عند الخروج والرجوع من وإلى أرض الوطن، لأن هناك أمراض كثيرة وقاتلة في دول أفريقيا جنوب الصحراء.أشير هنا إلى أننا فقدنا في السنوات الأخيرة أكثر من 100 سائق مهني بسبب أمراض أدت بهم إلى الوفاة.
اليوم، إذا كنا نريد فعلا الاهتمام بقطاع النقل العمومي والنقل الدولي للبضائع، سواء في اتجاه أوروبا أو جنوب صحراء أفريقيا، لا بد إعطاء القطاع الاهتمام اللازم والمواكبة الحقيقية للمقاولات النقلية المساهمة في الاقتصاد الوطني الذي يجلب العملة الصعبة للبلاد ويكّرس لسياسة جنوب جنوب التي يقودها الملك محمد السادس.
المصدر: العمق المغربي