شهدت أسعار اللحوم الحمراء في الأيام التي تسبق عيد الأضحى ارتفاعًا غير مسبوق، إذ بلغ ثمن الكيلوغرام الواحد في بعض المناطق ما بين 140 و150 درهمًا، وذلك في وقت علّقت الدولة شعيرة الذبح خلال عيد الأضحى لهذه السنة، وأُطلق خطاب ملكي يدعو إلى والتأقلم مع الظرفية، في مفارقة أثارت الكثير من التساؤلات.
جمعيات حماية المستهلك حملت المسؤولية للمواطن قبل البائع، معتبرة أن المستهلك المغربي “ساهم بسلوكه الاندفاعي في تأجيج الأسعار”، في وقت كان من المنتظر أن تسود روح الانضباط والتعقل.
وفي هذا الإطار قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن سلوك المستهلك المغربي عشية عيد الأضحى يعكس “انفصامًا في الشخصية”، موضحًا ضمن تصريح لهسبريس أن “الفرحة التي استقبل بها المواطنون الخطاب الملكي الصادر في 25 فبراير، الذي دعا إلى العدول عن ذبح الأضحية هذه السنة، تلاشت سريعًا لتحل محلها موجة من التهافت على اقتناء اللحوم و’الدوارة’، ما أدى إلى اشتعال الأسعار بشكل غير مسبوق”.
وأضاف الخراطي أن “هذا السلوك يؤكد أن المستهلك المغربي لا يتحمل مسؤوليته كما يجب، إذ كان الأجدر به أن يتفاعل مع التوجيه الملكي باعتباره رحمة له ولميزانيته، وأيضًا رحمة للثروة الحيوانية الوطنية”، واعتبر أن هذا الوضع “يفضح واقع السوق المغربي، ويجعل من ارتفاع الأسعار مسؤولية جماعية، في مقدمتها المستهلك نفسه، قبل أن تُوجّه أصابع الاتهام إلى مؤسسات الرقابة أو الفاعلين الاقتصاديين”.
وأكد المتحدث ذاته أن “المستهلك لو عدل عن شراء اللحم لتوفرت الكمية الكافية، واستقرت الأسعار، وساد منطق الإنصاف والتوازن، لكن العكس هو ما حصل، إذ أصيب كثيرون بحمى الشراء والاستهلاك المفرط، مدفوعين بنوع من التقليد الاجتماعي أو ضغط المحيط العائلي، ما زاد من تفاقم الأسعار”.
كما عبّر رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك عن أسفه لما وصفه بـ”نوع من العصيان الصامت” تجاه الخطاب الملكي، قائلاً: “حينما يُصرّ المستهلك على اقتناء ما يفوق حاجته، رغم وضوح التوجيهات الرسمية، فإنه لا يسيء فقط إلى قدرته الشرائية، بل يفقد أيضًا احترامه لذاته، ونحن، كهيئة مدنية، لا يمكننا الدفاع عنه إلا عندما يكون في صف حماية مصالحه بشكل عقلاني”.
وفي ختام تصريحه شدد الخراطي على أن “أزمة الأسعار الحالية لا يمكن تحميلها للمراقبة أو للفاعلين في السوق فقط، بل يجب الإقرار بأن المسؤول الأول والأخير عن هذا الوضع هو المستهلك نفسه، لأنه الوحيد الذي تسبب في رفع الأسعار دون وعي، وساهم في تأجيجها بسلوكات غير متوازنة”.
من جانبه عبّر بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، عن استيائه من السلوك الاستهلاكي المفرط الذي ساهم في تأجيج الأسعار، قائلاً: “ما نراه حالياً أمر غير منطقي. نحن كمغاربة دائمًا ما نحب الأشياء التي يُثار حولها الجدل، وكل ما هو نادر يكون محبوبًا لدينا”.
وتابع موجي ضمن تصريح لهسبريس: “فرحنا بخطاب جلالة الملك بشأن إلغاء شعيرة الذبح خلال العيد، والناس جميعا فرحوا واستبشروا خيرًا. وكان من المفترض أن يؤدي هذا الخطاب إلى انخفاض الأسعار، لكن للأسف ما لاحظناه هو العكس تمامًا، إذ وصل ثمن الكيلوغرام من اللحم إلى 140 و150 درهمًا، وهذا لا يُعقل. حتى ‘الدوارة’ بلغ ثمنها ما بين 700 و1000 درهم! هذا أمر غير منطقي”.
وتساءل المتحدث ذاته: “هل من الصعب أن نمتنع عن أكل اللحم أسبوعًا واحدًا؟ هذا الامتناع له غرضان اثنان يصبان في مصلحة البلاد، لكننا، للأسف، نلاحظ العكس تمامًا. المستهلك بحاجة إلى قليل من الوعي، عليه أن يستوعب ويدرك أن هذه التصرفات غير معقولة، ولا يجب أن نراها في بلدنا”.
وأردف الفاعل الجمعوي نفسه: “بلدنا والحمد لله يشهد تقدماً على جميع المستويات، لكن حينما يتعلق الأمر بمثل هذه القضايا نجد أن المستهلك، للأسف، مازال في موقعه، لا يتحرك، بل يتراجع تمامًا”، وأضاف: “حان الوقت لأن ينتبه الجميع. ويجب أن تكون هناك رقابة جادة. نعم ألوم المستهلك، ولكن ألوم أيضًا جميع المتدخلين في القطاع. لماذا يصل ثمن اللحم إلى 150 درهمًا رغم توفر الأضاحي؟ هذا غير منطقي، من غير المعقول أن تكون هناك وفرة ومع ذلك يصل السعر إلى 140 أو 150 درهمًا”.
وحمل موجي المسؤولية للمستهلك نفسه، الذي على حد قوله “يكون أحيانًا ضحية سلوكاته، حين يدفع نفسه للمساهمة في رفع الأسعار من خلال الاستهلاك المفرط”، ودعا إلى التوقف مؤقتًا عن شراء اللحوم، كنوع من الضغط على السوق، ودعمًا لتنمية الثروة الحيوانية المحلية.
المصدر: هسبريس