اخبار المغرب

علي الحسني .. “البهلواني المغربي” مؤسس أول سيرك بريطاني بدون حيوانات

أدار علي الحسني (19272010)، منذ حوالي ثلاثين سنة، أشهر فرقة في العالم من البهلوانيين المغاربة وواحدة من الأفضل بالفعل في مجال الترفيه، قبل أن يصبح مالكا ومنتجا للسيرك في إنجلترا التي تبناها. ومع ذلك، جاء هذا الفنان والمخرج، الذي يحظى باحترام كبير، إلى السيرك عن طريق الصدفة، وفي ظروف غير عادية للغاية.

ولد علي الحسني في قرية أوريكا في ضواحي مراكش بالمغرب يوم 7 مارس 1927. يتوفر المغرب على تقليد قديم من الفرق المتجولة من البهلوانيين المتخصصين في بناء وصعود وهبوط الأهرام البشرية، والتي انتقلت لقرون من الأسواق إلى ساحات القرى. لقد كانوا جزءا عمليًا من السيرك منذ تأسيسه، ولا يزال من الممكن مشاهدتهم اليوم في الحلبة، وهم يؤدون مهاراتهم البهلوانية التقليدية بأسلوب عرض ظل دون تغيير إلى حد كبير.

ينتمي علي الحسني إلى عائلة فقيرة كانت مكونة من ثلاثة عشر طفلا، وغالبا ما كان هو وإخوته يستعملون طرقهم الخاصة للحصول على لقمة العيش من عوالم الخردة أو جمع بضعة دراهم في شوارع مراكش. ذات يوم، بينما كان يشاهد مجموعة من البهلوانيين في ساحة جامع الفنا في مراكش، تم اختطاف علي، الذي كان في السابعة من عمره في ذلك الوقت، من قبل البهلوانيين، الذين رأوه على أنه “متسلق رأس الهرم” المثالي البهلواني الخفيف الذي كان يقف على قمة أهرامهم البشرية.

علي الحسني (و هو الثاني من جهة اليسار) مع البهلوانيين الذين اختطفوه (1940)

أحمد بن علي زناتي رفقة الفرقة الشريفية للبشير بن بكي في سيرك أمريكانو بإيطاليا سنة 1950ومع ذلك، يجب التأكيد على أن عليا لم يكن مشاركاً لا يريد ذلك. فوفقًا لابنته زينة، “كان يركض ويشاهد وهو طفل، فخاطبه البهلوانيون: “هل تريد أن تفعل هذا؟ “وكان صفيقًا للغاية على ما يبدو وقال: “نعم”.. وقد أخذوه معهم بالفعل”. ومع ذلك، تغيرت حياته إلى الأبد، ولم يرَ والديه أو إخوته مرة أخرى، على الرغم من محاولاته البحث عنهم بعد سنوات عندما عاد إلى المغرب.

وجد أعضاء الفرقة البهلوانية، التي كان من ضمنها الفتى علي، عقود عمل في إسبانيا المجاورة، حيث ظلوا خلال الحرب الأهلية الإسبانية (19361939) والحرب العالمية الثانية، نظرا لأن إسبانيا كانت محايدة في الصراع.

كمتدرب في الفرقة، لم يحصل علي على أجر: لقد حصل للتو وفقط على الطعام والمأوى، وضرورات الحياة البسيطة. ومع ذلك، فقد استمتع بحياته الجديدة وعلى مر السنين، أصبح بهلوانيا ممتازا، وانتقل في النهاية من “متسلق رأس الهرم” الخفيف إلى رجل “قاعدة الهرم السفلية” القوي عندما كبر.

واصلت الفرقة العمل في أوروبا، قبل أن تحصل على عقد المشاركة في سيرك بيلي سمارت في بريطانيا العظمى سنة 1950. هناك، ستتخذ حياة علي منعطفا آخر. أثناء أدائه مع عرض بيلي سمارت (حيث غالبا ما يتم تجديد العقود من عام إلى آخر)، التقى بتمارا بولاكوف. كانت تمارا ابنة كوكو الأسطوري (نيكولاي بولاكوف، 19001974)، الذي كان مرتبطًا منذ فترة طويلة بسيرك بيرترام ميلز، إذ أصبح مهرجه الألمعي.

ففي سنة 1951، غادرت تمارا وإخوتها ساشا ومايكل ميلز، حيث كان ظل والدهم يلوح في الأفق بلا شك بشكل كبير جدا، للانضمام إلى عرض بيلي سمارت. قاموا بعمل يجمع بين الكوميديا التهريجية والألعاب البهلوانية والترامبولين.

وقعت تمارا في حب الحسني، الذي أصبح بحلول ذلك الوقت رياضيا قويا قادرًا على حمل سبعة أو أكثر من زملائه البهلوانيين على كتفيه وحول جسده وهو إنجاز كان معروفًا في الأيام الأولى للسيرك باسم “أعمدة هرقل”.

فرقة الحسني سنة 1960

وهكذا تزوج علي، وهو مسلم، وتمارة، وهي يهودية (في عالم السيرك، مثل هذه التفاصيل لا تكتسي أية أهمية: الكل ينتمي إلى نفس الأمة، أو الثقافة، أمة وثقافة السيرك) وبعد ذلك ترك الزوجان سيرك بيلي سمارت وسلكا طريقهما الخاص. لقد قاما بتأسيس عرض سيركي مغربي جديد، فرقة الحسني حيث انخرطت تمارة وبناتهما الثلاث، زينة وسوسي ومينة في الفرقة الجديدة، وقد جاء ذلك في الوقت المناسب. كانت عروضهم مذهلة تبرز مهاراتهم للغاية، وكانت معززة بأزياء ملونة تم تصميمها تحت إشراف تمارة، وسرعان ما أصبحت عروضهم مطلوبة كثيرا في السيرك في جميع أنحاء أوروبا.

ومع مرور السنين، برز أعضاء فرقة الحسني في أماكن؛ مثل يرموث الكبرى لسباق الخيل، وسيرك المنظر الجميل الدولي في مانشستر، وسيرك برج بلاكبول، وسيرك كيلفن هال في غلاسكو ولندن بالاديوم، وقاعة ألبرت الملكية في بريطانيا العظمى. كما برزوا عبر القارة كلها في سيرك كني السويسري، وسيرك عمار، وسيرك بوغليون في فرنسا، وسيرك ديفر في باريس، وسيرك كرون، وسيرك برنوم، وسيرك ويلي هاجينبيك في ألمانيا من بين آخرين.

كما برز أعضاء فرقة الحسني على شاشة التلفزيون، لا سيما في برنامج العرض السحري لبول دانيلز، وفي التمثيل الإيمائي لأعياد الميلاد وهي مؤسسة بريطانية مهمة وقدموا عروضهم للأميرة جريس في بال دولاروز في موناكو. ففي منتصف السبعينيات، عبروا المحيط الأطلسي واستمروا في أداء عروضهم في الولايات المتحدة، في فندق وكازينو ستاردست في لاس فيغاس، ولاحقًا مع الإخوة رينغلين وفي العرض الأكبر فوق الأرض لبرنوم وبايلي.

يرجع جزء كبير من نجاح الفرقة في مجال الترفيه إلى العمل الاحترافي للحسني.

بالنسبة لمنتجي السيرك، كانت كلمة علي تعتبر رابطته المضمونة بوفائه، وكانت فرقة علي تظهر دائما في الوقت المناسب، وكان يحتفظ ببهلواني واحد في وضع احتياطي، أكثر مما هو مطلوب، في حالة إصابة أحد أعضاء الفرقة. كان يختار بعناية مختلف البهلوانيين المغاربة الذين كانوا يشكلون الفرقة وأحيانا كان يعود إلى مراكش للبحث عنهم قصد جلبهم بنفسه. كانت عروضه قوية من الناحية الفنية وحيوية ومسلية إلى حد كبير. كان يهتم بكل شيء؛ بدءا من الموهبة إلى الأزياء، إذ لم يكن يترك أي شيء للصدفة.

تم التعاقد مع فرقة الحسني سنة 1981 لتقديم عروض في الجولة الكندية الافتتاحية لسيرك تيفولي الذي تم إنشاؤه حديثا (وقصير العمر جدا)، من بنات أفكار جيه سيرجي ساوشين، المدير العام السابق لباليه وينيبيغ الملكي.

كان المشروع بأكمله (الذي كان مكلفا للغاية نظرًا لأن جميع المعدات كانت جديدة تماما) غير جاهز، وكان الإنتاج مشكلة منذ البداية. تم تجنيد علي الحسني كمساعد مدير الحلبة لإضفاء بعض خبرته على الإجراءات؛ لكن ذلك لم يكن كافيا لإنقاذ المشروع الذي انهار بعد بداية الموسم بقليل.

ففي إحدى المناسبات، خلال عرض في سيرك تيفولي، هرب دب بني من الحلبة وبدا أنه مستعد لمهاجمة صبي صغير يجلس في الصف الأمامي. قفز الحسني ونجمه القوي للغاية، طاهر دويس (الذي أصبح لاحقا نجم السيرك في حد ذاته)، للإنقاذ.

لقد وصفهما الشهود بأنهما يشبهان حراس ملهى ليلي وهم يطردون زبونا مشاغبا يسوقان المخلوق الذي يسيء التصرف إلى الأجنحة بطريقة غير مزعجة.

ملصق برنامج سيرك الحسني سنة 1980

بحلول ذلك الوقت، كان علي وتمارة قد استثمرا بالفعل كل مدخراتهم في سيركهم الخاص، سيرك الحسني، الذي أطلقاه معا سنة 1979 وكان أول سيرك بريطاني بدون حيوانات.

لسوء الحظ، بقدر ما أشاد به نشطاء حقوق الحيوان، فقد كان ذلك بمثابة فشل مع الجمهور.

لكن لحسن الحظ، وجد سيرك الحسني إقامة دائمة في حديقة حيوان شيسنغتون سنة 1982 (يسمى اليوم منتجع شيسنغتون الدولي للمغامرات، جنوب غرب لندن، حيث خلف سيرك حيلبرتس القديم واستمر في تقديم جميع عروض السيرك البشرية).

لقد قامت فرقة الحسني بالتمثيل في السنة نفسها في فيلم أكتوبوسي لجيمس بوند لجون جلين (صدر سنة 1983)، والذي يمثل بداية صداقة بين علي وتمارا وباربرا بروكلي، ابنة منتج الفيلم ألبرت آر بروكلي.

ففي سنة 1983، تم تغيير اسم سيرك الحسني إلى سيرك تمارا كوكو. كما افتتح علي وتمارا وحدة ثانية تسمى سيرك الحسني الدولي في حديقة ألتون تاورز الترفيهية في ستافوردشاير.

فرقة الحسني سنة 1987

استمر السيرك في حديقة حيوان شيسينغتون حتى سنة 1997؛ لكنه عانى من انتكاسة في تلك السنة عندما دمرت عاصفة عنيفة بشكل غير عادي الخيمة الكبيرة للسيرك غير المؤمن عليها، وقد كانت العاصفة أمرا غير عادي في إنجلترا. هذا لم يثبط عزيمة علي، الذي أعاد بناء سيركه بسرعة على نفقته الخاصة. توفيت تمارة الحسني بعد سنة في نوفمبر 1988.

على الرغم من فقدان زوجته وشريكته، فإن الحسني استمر في العمل كمخرج سيرك، ونقل خبرته الهائلة في فن القفز البهلواني إلى البهلوانيين الشباب. ومع مرور الوقت، اهتمت حديقة حيوان شيسينغتون بإنتاج العروض، وعلى الرغم من ذلك فإن الحسني استمر في توفير المعدات والدعم الفني.

بعد فترة وجيزة من وفاة تمارة، التقى علي بفتاة مغربية شابة، اسمها سعاد، كانت تزور أختها في شيسينغتون. تزوجها سنة 1991، وأنجبت له ابنا سمي بياسين. كان علي الحسني، الذي اعتبره زملاؤه وأصدقاؤه وموظفوه رجلا نبيلا بالفعل، رجلاً كريماً للغاية.

لقد قدم الحسني المال للمنظمات الخيرية في مراكش وأماكن أخرى، ولسنوات عديدة بعد تقاعده، قدم كل من علي وسعاد الرعاية لأطفال صغار في منزلهما الخاص في ويست إيويل، في حي إبسوم بساري. توفي علي الحسني في منزله يوم 16 يناير من سنة 2010، عن عمر يناهز الثالثة والثمانين.

فرقة الحسني سنة 1991

حضر جنازة الحسني، بعد ثلاثة أيام من وفاته، العديد من فناني السيرك والمخرجين، بمن فيهم البهلوانيون السابقون في فرقته الذين قدموا من جميع أنحاء أوروبا. لقد حمل العديد منهم نعش “الرئيس” المحبوب إلى مثواه الأخير في مقبرة سوربيتون في كينغستون المطلة على نهر تيمز، بعد أداء مراسيم الجنازة في مسجد كينغستون.

لقد تذكره أحد البهلوانيين، فقال عنه: “لم يكن يعبث بأي شيء. لقد كان يرتب كل التفاصيل من الطريقة التي تقف بها إلى الطريقة التي تقفز بها. لقد كان يعطيك الشجاعة أيضا عندما تكون خائفا من فعل شيء خاطئ”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *