أثر السلطعون، المعروف أيضا في اللغة الإنجليزية بـ”Crab mentality” أو “Crabbucket effect”، وفي اللغة الفرنسية “L’effet crabe”.

استعارة اجتماعية تُستخدم لوصف سلوك الأفراد، الذين يسعون إلى تقويض نجاح الآخرين، بدلا من دعمهم، أو الابتعاد عن طريقهم فقط، حتى وإن لم يؤثر ذلك عليهم مباشرة، لأن مثل هؤلاء مصادر مشعة للطاقة السلبية، ولو كانوا مصادر للطاقة الشمسية، لحققت بلدانهم الاكتفاء الذاتي، في مجال استهلاك الطاقة دون الحاجة إلى الغاز أو البترول أو الفيول .. والأخير يا سادة يا كرام ليس جمع فيل خرطومه طويل .. كما تعلمون.

في الثقافة الفرنسية، تُستخدم تعبيرات مثل “Un panier de crabes” أو “C’est un panier de crabes” بمعنى : “إنها سلة سلطعونات”، للإشارة إلى بيئة مليئة بالتنافس غير الشريف والغيرة المقيتة، حيث يسعى الأفراد إلى تقويض محاولات بعضهم البعض للنجاح، بدلا من التعاون.

هذا التعبير يُستخدم في مختلف السياقات، بما في ذلك السياسة، والعمل، والمجتمع. وإليكم الصورة وبعدها لكم التعليق :

إذا وُضع سلطعون واحد في إناء دون غطاء محكم، فسيتمكن من الصعود بسهولة. لكن إذا وُضعت في نفس الإناء مجموعة من السلطعونات، فإنها ستسحب بعضها البعض إلى الأسفل، فيصبح الصعود وحتى الهروب في غالب الأحيان مهمة مستحيلة !!!.

فتخليوا أن سلطعونا واحدا في الإناء، قطع نصف المسافة للصعود، وفجأة قفزت سلطعونات أخرى للأناء وسقط معها للأسفل ..

النتيجة واضحة لا يتناطح عليها كبشان، وهي أن الجميع سينتهي به الأمر في قعر الإناء، وجبة سهلة للصياد.

في سياق العمل، يُستخدم مصطلح “أثر السلطعون” أو “Mentalité de crabe” للإشارة إلى بيئات العمل التي يسعى فيها بعض الأفراد إلى تقويض نجاح زملائهم بدلا من التعاون معهم. هذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل سامة وغير منتجة، حيث تمت محاربة الفرد الذي يظهر إمكانيات عالية أو طموحات جادة ومتجددة، وقد يتطور الأمر لنصب المكائن والغدر والخيانة.

على الرغم من أن أصل هذه الاستعارة غير مؤكد، إلا أنها تُعتبر جزء من الثقافة الشعبية في العديد من البلدان، بما في ذلك فرنسا. كما أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على ثقافة معينة، فهي موجودة في مجتمعات مختلفة حول العالم، وتُستخدم كتحذير من سلوكيات تقويض الجهود، بسبب الغيرة والعدمية، وعدم القدرة على الإبداع والجهل أيضا .. فالإنسان كما يُقال “عدوٌّ لما يجهله”.

لتجاوز “أثر السلطعون”، يُنصح بتعزيز ثقافة التعاون والدعم المتبادل في بيئات العمل. من خلال تشجيع الأفراد على مساعدة بعضهم البعض ومشاركة النجاحات، يمكن خلق بيئة عمل إيجابية تعزز من الإنتاجية والابتكار.

هذه الصورة المجازية، ليست “حجاية” بحرية، بل مرآة لسلوك بشري متجذر، ينبع من نزعة بعض الأفراد إلى عرقلة غيرهم بإلحاح غريب. وإذا كان هذا السلوك يظهر في المدارس ومختلف الهيئات، فإنه يتجلى بحدة أكبر في فضاءات العمل، حيث يتحول الأجير إلى ضحية لـ “أثر السلطعون”، حين يُحاصر من زملائه أو مسؤوليه، فيفقد حقه الطبيعي في التقدير، وفي الترقية، وفي الكرامة المهنية، فلا تنتظر حتى تصلك البرقية.

عندما يتحول النجاح إلى جريمة، داخل أماكن العمل، يُفترض أن يشكّل تفوق الفرد دافعا لإلهام زملائه. لكن الواقع كثيرا ما يعكس النقيض، إذ يُتهمُ المجتهد بأنه “يبحث عن التميّز على حساب الآخرين”، وقد يُمنع من الترقية، لأن نجاحه يثير غيرة الرؤساء والمرؤوسين وكل “أبو رأس” فارغة، أو ينذر بخوف لدى الإدارة ويُقصى من المبادرات الجديدة فقط لأنه رفض أن يظل في ذيل “الصف” مثل البقية.

وهنا تتحول بيئة العمل من مجال للإبداع والعطاء إلى سجن غير معلن، حيث يُفرضُ منطقُ عقلية السلطعون فُرمانهُ المُجحف :

لا أحد مسموح له بالصعود، وإن حاول أحدهم .. إذن السحب إلى الأسفل هو مصيره عاجلا أم آجلا.

إن من حقوق الأجير، كما تنص عليها القوانين والدساتير الحديثة، التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل :

الترقية على أساس الكفاءة، لا على أساس الولاء أو الحسابات الشخصية وتكافؤ الفرص داخل المؤسسة، والحق في بيئة عمل آمنة نفسيا، خالية من التحرش المعنوي أو الإقصاء المقنّع.

لكن حين يتفشى “أثر السلطعون”، تنهار هذه الحقوق تدريجيا ويسقط المجتهد ضحية في أفواه الحيثان الشريرة. يصبح التميّز تهمة، والإبداع تهديدا، والطموح جريمة، وبدل أن يجد الأجير في زملاءه السند، يجد نفسه محاصرا بمخالب خفية تسحبه إلى القاع، فتحرم المؤسسة نفسها من الطاقات الخلاقة ونتائجها على أرض الواقع وأثرها في رفع رقم معاملات المؤسسة التجارية أو الحرفية، وغيرها من المؤسسات.

في العمق، “أثر السلطعون” ليس مجرد سلوك سلبي، بل انعكاس لعوامل أعمق، منها الخوف من المقارنة، لأن نجاحك أنتَ أو أنتِ .. قد يفضح تقاعس الآخرين وغيرتهم المقنّعة، إذ بدل اعتراف مثل هؤلاء بضعفهم، يختارون إحباط طموح زميلهم المتفوق عليهم، لأن حضوره يلغيهم، وحين يُنظر إلى نجاح الفرد كخصم، لا كقوة إضافية، تغيب ثقافة العمل الجماعي.

هذه الميكانيزمات النفسية، إذا لم تُعالَج مؤسسيا، تتحول إلى تنمّر مهني، يفتك بروح العطاء في نفسية الأجير ويدمر نسيج الثقة داخل فرق العمل.

ينصح الخبراء الراغبين في الخروج من هذه الدائرة بالتركيز على إصلاح مزدوج، يبدأ برفع مستوى الوعي الجماعي من خلال التعليم والتكوين الفعّال، وتبني فلسفة تزرع في النفوس، مسألة أن نجاح الزميل هو مكسب للفريق لا تهديد له، وتشجيع ثقافة الاعتراف والتقدير بدل التراخي مع ثقافة التحجيم والإقصاء، وتعزيز روح التضامن، ليدعم كل أفراد المجتمع من يصعد، بدل أن يُسحبوه بغلٍ إلى الأسفل.

وعلى مستوى التشريع وإدارة الموارد البشرية، يمكن لمبادرات بنّاءة أن تمكّن من محاربة هذه الظاهرة، من خلال تفعيل آليات واضحة للترقية والاعتراف بالمجهود، ووضع قوانين داخلية تحمي الأجير من “التنمر الإداري” أو العرقلة المتعمدة، مع إدماج برامج للتكوين النفسي والاجتماعي داخل بيئة العمل لتعزيز المناخ المهني الصحي والإيجابي.

“أثر السلطعون” .. يعلّمنا أن الخطر لا يأتي دائما من الخارج، بل من الداخل أيضا، من ذاك الذي يخشى أن يرى غيره يتقدم خطوة، فيجرّه إلى الوراء. لكن في عالم الشغل، حيث ترتبط الحقوق بالكرامة والعيش الكريم، يصبح كسر هذا الأثر ضرورة ملحّة.

لا يملك السلطعون خيارا آخر عندما يكون في القدر فوق الموقد، أما الأجير فله الحق، وله القانون، وله زملاء يمكن أن يمدوا له أيديهم، بدل أن يجرّوه إلى القاع.

المصدر: هسبريس

شاركها.