كشفت ما يُسمى “ممثل البوليساريو لدى سويسرا”، أبي بشرايا البشير، عن بعض تفاصيل المقترح الجديد الذي تقدمت به جبهة البوليساريو الانفصالية، قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي، والتي يُرتقب عن تصوت على مشروع قرار أمريكي وُصف بـ”التاريخي” من أجل حسم النزاع لصالح المقترح المغربي للحكم الذاتي، بعد مرور 50 عاما على النزاع.

وأوضح البشير خلال استضافته على قناة “فرانس 24” الفرنسية، أن عرض “البوليساريو” إلى المغرب يتضمن “إنشاء آلية مشتركة تهدف لتسيير الحوار والمصالحة ومعالجة أثار النزاع”، معبرا عن استعداد الجبهة “حتى إلى اقتسام بعض الموارد الطبيعية الصحراوية بناء على لجنة مشتركة بين الطرفين” وفق تعبيره.

وأشار المتحدث إلى أن العرض يشمل، أيضا، التنصيص على “استمرار استخدام البنى التحتية، وتسوية أوضاع من وصفهم بـ”المستوطنين والمواطنين المغاربة المقيمين في إقليم الصحراء”، مع “ضمانات على مستوى تأمين الحدود” بحسب قوله.

ويرى القيادي في الجبهة الانفالصية، أن “البوليساريو” تقدمت بحزمة إجراءات إلى المغرب في حالة يفضي الاستفتاء إلى خيار الاستقلال، مردفا: العرض كريم جدا ويصل حتى إلى تنازل الجبهة من خلال تقاسم فاتورة السلام” وفق تعبيره.

وأشار إلى مقترح “البوليساريو” يقوم  على ركزيتين، أحدهما إقامة “استفتاء تقرير المصير، وفي حالة أفضي الاستفاء إلى خيار الاستقلال، تعرب الجبهة عن استعدادها للتفاوض مع المغرب لإقامة علاقات استراتيجية ذات منفعة متبادلة بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية” بحسب وصفه.

ويرى المتحدث أن هذا المقترح يعد “مساهمة إيجابية للجبهة من أجل حلحلة الأوضاع الحالية”، موضحا أن العرض هو “تجاوب مع المجتمع الدولي لكنه ليس تجاوبا مع مقترح الحكم الذاتي”. مردفا: “موقفنا واضح ومستعدون للدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب تحت الرعاية الأممية”.

وبخصوص مسودة مشروع القرار الأمريكي الذي ينص صراحة على إجراء مفاوضات بين الطرفين على قاعدة الحكم الذاتي، اعتبر المصدر ذاته أن هذا القرار “بمثابة دعوة إلى البوليساريو لعدم حضور المفاوضات”، مضيفا: “مقترح الحكم الذاتي يحدد الإطار النهائي، أي السيادة على الأقليم، بشكل مسبق لأي عملية تفاوضية، وبالتالي هو مرفوض للجبهة”.

دعم محتمل للحكم الذاتي

في سياق متصل، كشف محمد يسلم بيسط، القيادي في جبهة البوليساريو، أن قبول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كما تقترحه الرباط، سيكون ممكنا إذا جاء ذلك نتيجة استفتاء يختاره الصحراويون بأنفسهم، بدلا من مطلب الاستقلال الذي تتمسك به الجبهة.

وبين بيسط، المسؤول عن الشؤون الخارجية في البوليساريو، أن “المقترح الموسع” الذي قدم إلى مجلس الأمن الإثنين يتضمن ثلاث خيارات أساسية حددها القانون الدولي، مع الضمانات اللازمة: الاستقلال، والاندماج، وميثاق الارتباط الحر، والذي قد يكون مشابها للمبادرة المغربية.

وردا على سؤال حول موقف الجبهة إذا اختار الصحراويون الحكم الذاتي عبر استفتاء، أكد قائلا: “نعم.. لقد تقدمنا خطوة في اتجاه المغاربة، لكن تناول مقترح الحكم الذاتي خارج إطار الاستفتاء أمر غير وارد ولا يمكن قبوله بأي شكل”.

واشترط أن يُعرض على الصحراويين أكثر من خيار بما في ذلك الاستقلال، وأن تكون لهم الحرية الكاملة في اختيار ما يريدون، واعتبر أن فرض خيار واحد على “الشعب الصحراوي” مسألة مرفوضة تماما ولن توافق عليها الجبهة مهما كانت الظروف، حسب قوله.

وطرح المغرب الحكم الذاتي تحت سيادته كحل أوحد للنزاع، تجاوبا مع دعوات مجلس الأمن الدولي لإيجاد حل سياسي نهائي لهذا الخلاف الذي يشرف المجلس على متابعته، في حين تصر البوليساريو المدعومة من الجزائر، على إجراء استفتاء لتقرير المصير.

ومن المنتظر أن يصوت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار جديد بشأن الصحراء الغربية في 31 أكتوبر.

وتحظى المبادرة المغربية بتأييد ثلاث من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى أزيد من 120 دولة عبر العالم، ضمنها 23 دولة في الاتحاد الأوروبي من أصل 27 دولة عضو، أبرزها إسبانيا وألمانيا وبجليكا وهولندا والبرتغال ودول أخرى.

تصعيد في “آخر لحظة”

دخلت جبهة البوليساريو في مواجهة دبلوماسية جديدة مع واشنطن، بعدما بعثت، عشية اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء، رسالة احتجاج رسمية إلى رئيس المجلس الحالي، السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا، هاجمت فيها مشروع القرار الأمريكي الجديد الذي يعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الإطار الوحيد لتسوية النزاع.

وفي مراسلته التي حملت لهجة غاضبة، اعتبر ما يُسمى “ممثل الجبهة بالأمم المتحدة”، محمد عمار، أن المسودة الأمريكية “تمثل انحرافا خطيرا وغير مسبوق عن مبادئ القانون الدولي، وتضرب أسس عملية الأمم المتحدة للسلام في الصحراء الغربية”، على حد قوله.

وأضاف في الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء التابعة للجبهة، أن المشروع الأمريكي “يقيّد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ويفرض عليه حلا مسبقا ضد إرادته”، مشيرا إلى أن الجبهة “لن تشارك في أي مفاوضات سياسية على أساس مشروع القرار الحالي”.

ورغم تأكيدها على “الالتزام بالسلام العادل والدائم”، شددت الجبهة على أن “أي مقاربة تضع إطارا مسبقا للمفاوضات أو تحدد نتائجها مسبقا” تعتبر “غير مقبولة إطلاقا”، داعية أعضاء مجلس الأمن إلى “التمسك بمبادئ الأمم المتحدة وتفادي تبني مشروع القرار كما هو” وفق تعبيرها.

كما دعت البوليساريو من أسمتهم بـ”أصحاب المصلحة الدوليين” إلى الضغط من أجل مفاوضات جديدة “جادة وذات مصداقية وتحت رعاية الأمم المتحدة”، معتبرة أن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق “سلام عادل ودائم في المنطقة”.

مشروع قرار أمريكي “تاريخي”

وتأتي هذه المراسلة الغاضبة من الجبهة الانفصالية بعد تسريب مسودة مشروع قرار أمريكي إلى أعضاء مجلس الأمن، تعد منعطفا حاسما في مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصحراء المغربية.

وتنص المسودة، التي يرتقب التصويت عليها أواخر أكتوبر الجاري، على دعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره “الإطار الوحيد والأساس الواقعي والجاد للحل السياسي”، مع تحديد جدول زمني للتوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية ولاية بعثة “المينورسو” في يناير 2026.

وتربط الوثيقة مصير البعثة الأممية بنجاح المفاوضات، حيث تدعو الأمين العام إلى تقديم توصيات بشأن تحويل أو إنهاء مهمة المينورسو بناء على مآل العملية السياسية.

كما تقترح أن تستضيف الولايات المتحدة جولات المفاوضات المقبلة، تأكيدا لدورها كوسيط رئيسي في الملف منذ اعترافها سنة 2020 بسيادة المغرب على الصحراء.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل تحولا استراتيجيا في الموقف الأمريكي داخل مجلس الأمن، بعدما تبنت واشنطن للمرة الأولى مصطلح “الصحراء المغربية” في نص رسمي، وهو ما اعتبرته الرباط انتصارا دبلوماسيا جديدا، في حين وصفته البوليساريو بـ”محاولة لفرض الأمر الواقع وتقويض حق تقرير المصير”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.