في تطور دبلوماسي لافت يعكس تحولات عميقة في المواقف الغربية إزاء القضية الفلسطينية أعلنت الرئاسة الفرنسية، الجمعة، أن عشر دول قررت الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، على أن يتم الإعلان الجماعي عن ذلك خلال مؤتمر دولي يُعقد يوم الإثنين المقبل في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكد مستشار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الدول المعنية بالاعتراف هي: فرنسا، بريطانيا، أستراليا، كندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، البرتغال، مالطا، أندورا، وسان مارينو، موضحًا أن هذا الموقف المشترك يأتي في سياق دعم حل الدولتين، وفي مواجهة ما وصفه بـ”الانسداد السياسي المتفاقم في أفق السلام”.

بدورها أعلنت وزارة الخارجية البرتغالية مساء الجمعة أن البرتغال ستعترف رسميا  يوم غد الأحد بدولة فلسطين، وذلك قبيل انعقاد جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث من المقرر أن تتخذ نحو 10 دول أخرى نفس الخطوة.

وأكدت الوزارة في بيان نشر على موقعها الالكتروني أن “البرتغال ستعترف بدولة فلسطين (…) وسيتم الإعلان عن الاعتراف الرسمي يوم الأحد 21 شتنبر الجاري”.

من جهته يُلقي الرئيس الفرنسي كلمة رسمية يوم الإثنين عند الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت نيويورك (19:00 ت.غ)، يعلن فيها اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، إلى جانب مواقف أخرى داعمة لاستقرار المنطقة، وذلك في مؤتمر يتشارك رئاسته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يُتوقع أن يشارك عبر تقنية الاتصال المرئي، بحسب ما أكده المصدر ذاته.

ويُنتظر أن يُشكّل هذا الإعلان الجماعي، وفق مراقبين، أوسع تحرك غربي متزامن لدعم الاعتراف بفلسطين منذ سنوات، ويأتي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، واستمرار الحرب في قطاع غزة، وتزايد المخاوف من انهيار حل الدولتين بشكل كامل.

وفي مواجهة هذا التوجه لوّح مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية بإمكانية ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، في خطوة يُنظر إليها على أنها رد سياسي على الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين. غير أن الرئاسة الفرنسية سارعت إلى تحذير تل أبيب من الإقدام على مثل هذه الخطوة، معتبرة إياها “خطًا أحمر واضحًا”.

وقال المستشار في قصر الإليزيه: “أجندتنا إيجابية وليست أجندة ردود وردود مضادة. نحن نبذل جهدًا للسلام، لكن ضمّ الضفة الغربية سيكون بطبيعة الحال أسوأ انتهاك ممكن لقرارات الأمم المتحدة، وأكبر تهديد لحل الدولتين”.

وفي تعليقه على ما قد تؤول إليه الأمور شدد المصدر الفرنسي على أن باريس تدعو جميع الأطراف إلى تجنّب التصعيد، وترى أن الاعتراف بفلسطين لا ينبغي أن يُفسَّر كإجراء ضدّ إسرائيل، بل كخطوة تفتح أفقًا جديدًا للحوار المتوازن والعادل.

من جهته أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في منشور على منصة “إكس” مساء الجمعة، أنه أجرى اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأبلغه بشكل مباشر بعزم فرنسا على الاعتراف بدولة فلسطين. وأكد ماكرون أن هذه الخطوة “تندرج ضمن خطة سلام كاملة للمنطقة، غايتها الاستجابة لتطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، نحو الأمن والسلام”.

وأضاف الرئيس الفرنسي أنه ذكّر الرئيس عباس بما تنتظره باريس من السلطة الفلسطينية على صعيد الإصلاح السياسي والمؤسساتي، مشيرًا إلى أن الرئيس الفلسطيني جدّد التزامه بالسير في هذا المسار، من أجل “تجديد الحكم الفلسطيني، وخوض تحديات بناء الدولة المقبلة”. كما شدد ماكرون على أن فرنسا ستواصل دعمها للمؤسسات الفلسطينية لضمان الحد الأدنى من الاستقرار في ظل الظروف الإقليمية المعقدة.

ويأتي هذا التحرك الدبلوماسي الجماعي في سياق تصاعد الضغوط الشعبية والبرلمانية داخل عدد من الدول الغربية، الداعية إلى موقف أكثر توازنًا من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل الانتقادات الموجهة إلى الحكومات الغربية بسبب “ازدواجية المعايير” في التعاطي مع القانون الدولي، ولاسيما في ما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإنهاء الاحتلال، وبناء دولتهم المستقلة.

وكانت إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج بادرت في وقت سابق من العام الجاري إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، ما فتح الباب أمام مواقف أوروبية إضافية بدأت تتبلور تباعًا، رغم الاعتراضات الإسرائيلية الرسمية.

وتحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967، وتواصل توسيع المستوطنات على أراضيها في تحدٍّ لقرارات الأمم المتحدة، ولاتفاقيات أوسلو التي أرست إطارًا لحل الدولتين.

ويرى مراقبون أن الاعتراف المتزامن من عشر دول غربية يحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا، إذ يعكس تآكلًا في الإجماع الغربي الذي لطالما تبنّى موقفًا أكثر حذرًا إزاء هذه الخطوة، كما يمثل رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن استمرار الاحتلال، دون أفق تفاوضي حقيقي، لم يعد مقبولًا في عدد متزايد من العواصم الغربية.

المصدر: هسبريس

شاركها.