أفاد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الأربعاء، بأن المعطيات الواقعية تؤكد حجم الجهود المبذولة في مجال مكافحة الجرائم المالية، موضحا أنه “خلال السنة القضائية المنصرمة، بلغ عدد القضايا المسجلة أمام أقسام الجرائم المالية ما مجموعه 436 قضية”، في حين “بلغ عدد المقررات القضائية الصادرة إلى غاية منتصف السنة الجارية 249 حكما، بنسبة إنجاز تجاوزت 71% داخل الآجال الاسترشادية”.
وأضاف عبد النباوي في كلمته بمناسبة افتتاح السلسلة الوطنية للتكوين المتخصص في الجرائم المالية، المنظمة بالرباط بشراكة مع رئاسة النيابة العامة، أن هذا الرقم “يعكس بوضوح دينامية هذه الأقسام وجودة أدائها، رغم تعقيد الملفات وتشابكها”، مفيدا بأن المتابعة الصادرة في مجال الفساد المالي أسفرت عن “صدور أحكام سيفضي تنفيذها إلى استرجاع مبالغ هامة لفائدة الخزينة العامة، حتى يستفيد منها المواطنون، وفي مقدمتهم دافعو الضرائب”.
وثمّن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، على لسان المسؤول ذاته، “الجهود الجبارة التي يَبذلها المجلس الأعلى للحسابات في تدقيق الحسابات العمومية وإحالة التقارير ذات الصلة”، ونوّه “بجهود النيابة العامة في تتبع الدعوى العمومية في قضايا الفساد”، مؤكدا أن “القضاء المالي هو صمام الأمان في منظومة تخليق الحياة العامة، وأن ضمان كفاءته وفعاليته يشكلان مظهرا لنجاح الإصلاح القضائي الذي أراده جلالة الملك، نصره الله، إصلاحا متواصلا ومتدرجا، يعيد الاعتبار للعدالة كقيمة وكمؤسسة”.
وأشاد عبد النباوي بقضاة وموظفي أقسام الجرائم المالية في محاكم المملكة، “الذين يجسدون في أدائهم اليومي روح المسؤولية والاستقلال”، موردا أنهم “أثبتوا، من خلال أحكام رصينة واجتهادات متقدمة، أن المغرب يتوفر على قضاء قادر على التصدي لكل أشكال الانحراف المالي، في احترام تام للضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة”.
وذكر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن سلسلة اللقاءات التكوينية، التي تم إطلاقها اليوم، “ستغطي مختلف محاور الاشتغال القضائي في مجال الفساد المالي: من التتبع والتحقيق، إلى الإثبات والتقارير المحاسبية، إلى التعاون القضائي الدولي واسترداد الأموال. وهي لقاءات نريدها فضاء للتفكير الجماعي، ولتبادل الخبرات بين القضاة والخبراء الوطنيين والدوليين، بهدف بلورة نموذج قضائي مغربي متميز في مكافحة الفساد، قائم على الدقة القانونية، والصرامة الأخلاقية، والنجاعة المؤسساتية”.
واعتبر عبد النباوي أن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، “قد جعل من محاربة الفساد ورشا استراتيجيا دائما، لا يرتبط بتقلبات الظرفية بل يتأسس على رؤية ومبادئ راسخة هي قوام دولة الحق والمؤسسات، وذلك لأن الجرائم المالية ليست مجرد خروقات قانونية فحسب، بل هي اعتداء على قيم المجتمع وثقته في مؤسساته”.
لذلك، أشار المسؤول القضائي ذاته إلى أن “مكافحة الفساد أعقد من أن تتمكن أي جهة بالقيام بها لوحدها، ولكنها تستدعي تضافر جهود السلطات والمواطنين”.
وقد عبّر الملك محمد السادس عن هذا المعنى بوضوح، يقول المتحدث نفسه، وذلك في الخطاب الذي وجهه بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2016، مبينا دور الدولة في مكافحة الفساد.
وقال الملك في الخطاب: “يجب التأكيد أن محاربة الفساء لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات. ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون”.
وأضاف الملك أن “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين” (انتهى النطق الملكي السامي).
وأكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن هذا التوجيه الملكي “يضع على عاتقنا، نحن القضاة، مسؤولية تاريخية في جعل العدالة الجنائية رافعة للثقة العامة، وضمانة لسيادة القانون والمساءلة”.
وأضاف أن “المجلس الأعلى للسلطة القضائية يضع من بين أولوياته الاستراتيجية تعزيز الكفاءة المتخصصة لقضاة الجرائم المالية، عبر التكوين المستمر، وتوحيد الرؤى القضائية، وتطوير منهجيات التحليل المالي والقانوني، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في التتبع والتحقيق”.
وفي هذا الصدد، “تم سنة 2023، بمقتضى القرار التنظيمي رقم 16/23، إحداث بنية إدارية متخصصة داخل قطب القضاء الجنائي تُعنى بتتبع أداء أقسام الجرائم المالية وفق مؤشرات دقيقة للنجاعة والفعالية، بما يتيح قياس مردودية العمل القضائي وتحسينه باستمرار”.
كذلك، “حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بشراكة مع رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، على توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بتاريخ 30 يونيو 2022، هدفها تعزيز التعاون المؤسساتي في مجال مكافحة الفساد في التدبير العمومي، وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير آليات تبادل المعلومات والتحليل المالي”، وهو، وفق عبد النباوي، “نموذج رائد في التنسيق بين المؤسسات القضائية والرقابية بالمغرب”.
المصدر: هسبريس