ظواهر مشينة تسيء إلى سمعة البلاد
لا ينفي أحد إلا مكابر أو حاسد أن بلادنا حققت نتائج طيبة على مستوى كرة القدم، وتبوأت مكانة غير مسبوقة لا إفريقيا ولا عربيا، وهو ما جعلها تحظى بالإشادة والتقدير من قبل الخصوم قبل الأصدقاء؛ إن هذا الإنجاز الكبير لم يتحقق بطبيعة الحال مصادفة وبشكل اعتباطي وعشوائي كما قد يتوهم البعض، وإنما هو نتيجة مجهودات جبارة، وميزانيات كبيرة وضعت تحت تصرف القائمين على الشأن الكروي؛ وإن حديث البعض عن المبالغة في المصاريف دون رقابة، حديث مشروع، لأن المسؤولية في أي مجال من المجالات تقتضي المحاسبة، وتقتضي النزاهة والشفافية، فالأموال التي صرفت وتصرف أموال دافعي الضرائب، وإن تحقيق إنجازات مبهرة لا يعني بتاتا توقيع شيك على بياض لمن كانوا سببا في تحقيقه، وهذا ليس موضوع هذا المقال، فهي إشارة ربما قد تتاح الفرصة للتفصيل فيها مستقبلا.
إن النجاح الكروي الذي رفع رأس الوطن عاليا، وأصاب الخصوم بالسعار، وأثلج صدور المغاربة وأشعرهم بالفخر والاعتزاز بالانتماء إلى بلد كبير اسمه المغرب، له تاريخ حافل بالمنجزات لا ينبغي أن ينسينا واقعا مريرا ومؤلما، واقع فساد انتشر بشكل لافت ومخيف في أغلب المؤسسات إن لم نقل كلها، رشوة، زبونية، محسوبية، محاباة، ظلم، جور.. حتى أصبح من يرغب في إسماع أنينه للمسؤولين يضرب عن الطعام فيعرض نفسه للهلاك أو أن يقدم على إحراق نفسه، فتقع المأساة، وما مأساة المسرحي حسن جواد الذي فارق الحياة متأثرا بحروق أضرمها في نفسه احتجاجا على عدم الإنصات لمظلمته عنا ببعيد .. إن آذان مسؤولينا مغلقة إلى إشعار آخر، ومحاسبتهم عن سلوكاتهم غير المنضبطة للقانون موقوفة التنفيذ.
فلم تكد تمضي إلا أيام قليلة على إنجاز قطر التاريخي حتى طفت على السطح قضية امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة التي انتشر صيتها في الآفاق، فهدمت الحفل. كما يقال.
وإن المدهش في الحادث أنه بالرغم من الاحتجاجات التي خاضها المتضررون من شبهة الفساد التي حامت حول الامتحان والمتضامنون معهم، أن السيد الوزير أمضى النتائج وكأن شيئا لم يقع دون أن يرى المواطنون إجراء عمليا حكوميا أو برلمانيا يرفع اللبس ويقدم التوضيحات المناسبة. إن هذا الأسلوب الي لم يعر اهتماما للمحتجين ولا للرأي العام الوطني سيساهم لا محالة في تدني الثقة في المؤسسات.
وإن من ظوهر المسيئة ظاهرة التسول التي انتشرت بشكل فظيع فحيثما وليت وجهك تجد متسولين يمدون أيديهم ويطلبون المساعدة حتى اصبح التسول مهنة من لا مهنة له، يمارسه ذوو الحاجة حقيقة، ويمارسه العجزة والمعاقين، ويمارسه أيضا محترفون وجدوه حرفة سهلة ومربحة؛ إن ظاهرة التسول تعطي صورة سيئة ومخجلة للأجانب الذين يزورون بلادنا من أجل السياحة أو غيرها، يأتون وهم يحملون نظرة طيبة عليها، فيصدمهم الواقع الذي لا يرتفع،.
ولا يجب أن نغفل ونحن نتحدث عن السلبيات، تفشي الفساد الأخلاقي في المجتمع بشكل مريع وخطير حيث انتشرت معه الجريمة بمختلف اصنافها، وأصبح الاعتداء على الأصول خبرا عاديا لا يثير الاشمئزاز والاستنكار، وتكاثر الأطفال المتخلى عنهم بسبب العلاقات الجنسية غير المشروعة التي يسميها المدافعون عنها ب(العلاقات الرضائية) وغير ذلك من المظاهر التي لا تتماشى مع طموحاتنا في إعطاء صورة مشرفة عن بلدنا.
إن هذه النقائص والاختلالات وغيرها لا تتناسب مطلقا مع مكانة المغرب وسمعته العالمتين، وتسيء إليه إساءة بليغة.
إن النجاح الذي تحقق في المجال الكروي سيبقى بدون قيمة تذكر إذا لم يرافقه نجاح مواز للقضاء على مختلف الظواهر المشينة التي تعج بها البلاد.
المصدر: العمق المغربي