“طوفان الأقصى” يبعث إدوارد سعيد ومحمود درويش من جديد
رصد الناقد والمترجم فخري صالح عودة قوية إلى إدوارد سعيد بعد “طوفان الأقصى”، فسرها بكونِه كان ولا يزال “ملهِما، لا منظرا فقط، لتلامذته وقرائه، بجامعة كولومبيا الأمريكية وفي العالم، وبسبب طبيعة إلهامه نستعيده اليوم في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ القضية الفلسطينية والعالم”، ومن أوجه ذلك ما حدث من اعتصامات لصالح فلسطين في الجامعات الأمريكية والأوروبية والأسترالية.
جاء هذا في أحدث حلقات برنامج “في الاستشراق”، الذي يقدّمه الإعلامي المغربي ياسين عدنان على منصة “مجتمع”، حيث ذكر صالح أن الاعتصامات بالجامعات الغربية “دلالة على تجذر حضور إدوارد سعيد في ذاكرة الطلبة والأساتذة”، علما أنه من مؤسسي دراسات ما بعد الاستعمار، ولو أنه لم يستخدم هذا التعبير في كتابه “الاستشراق” إلا أنه من علاماته، ويُستعادُ مؤسسا نظريا وحاضرا إعلاميا بوصفه شخصا راهنا، وكتاباته راهنة، وشخصيته مدافعة عن المعذبين في الأرض، ومن بينهم الفلسطينيون.
وتابع قائلا إن “إدوارد سعيد ومحمود درويش باحثان يُستعادان بقوة في هذه اللحظة”، وأن سعيد تستعاد معه “شخصية المنظر والمفكر الذي يسعى إلى التعرف على أسس الخطاب الغربيِّ القريبِ بصورة من الصور من الخطاب الصهيوني، الذي خرج منه الخطاب الصهيوني الاستعماري، وقد كتب كتاب “الاستشراق” لأنه يريد أن يفهم كيف يفكر الغرب في فلسطين، والهجومُ عليه كان هدفه الهجوم على السردية الفلسطينية، وهو لم يكتف بدوره كأستاذ للأدب الإنجليزي والأدب المقارن، بل حاول بعد سنة 1967 اكتشاف ذاته فلسطينيا وعربيا بسبب ما واجهه من فرح الصهاينة ومؤيدي إسرائيل في الأكاديميا”.
وحضر إدوارد سعيد أيضا لصالح فلسطين في الإعلام كاشفا عن الجريمة الصهيونية بحق هذا الشعب، وكتب عن “القضية الفلسطينية” كتابا غير مترجم إلى اللغة العربية، ثم كتب “تغطية الإسلام” حول التغطية الغربية للثورة الإيرانية، وكانت هناك محاولات كبيرة للمسّ به نظرا لقدرته الكبيرة على هز السردية الصهيونية.
لكن إدوارد سعيد لم يعمل فقط من أجل دراسة الآخر، بل درس الذات أيضا بقراءة طِباقية مزدوجة تنتقد الاستعمار والذات المستعمرَة، ولذا انتقد “بلاغة اللوم”، مفكرا في أنه قد تكون مصالحة مستقبلا، وليس علينا لوم الغرب فقط، بل أن نتحدث مع بعضنا، فالغرب يمكن أن يعترف بجرائمه، والمستعمَرون يمكن أن يبحثوا، يوما ما، عن حلّ ما للتصالح، وهو ما يتأطر بمشروعه لـ”تعايش الشعوب بغض النظر عن الأديان والأصول الإثنية وطريقة التفكير”، وكان يقول إن على الشعوب أن تتعلم كيف تتعايش مع بعضها البعض.
في إطار هذه الرؤية الإنسانية نفسها كتب إدوارد سعيد كتابا صدر بعد وفاته بعنوان “النزعة الإنسانية والنقد الديمقراطي”، الذي يؤسس فيه لنقد مختلف، ولنزعة إنسانية غير مركزية وغير أوروبية، حيث أراد أن يحيي “الإنسيّة” من منظار آخر، تتسع لمن كان مستعمِرا ومستعمَرا.
وقال صالح: “لا يتصورُ عقلٌ هذهِ المذبحة المستمرة في غزة في القرن 21، وأن النفي مستمر والنكبة الفلسطينية مستمرة”، لكن رغم ذلك تبقى رؤية إدوارد سعيد المستقبلية راهنة من أجل “إقامة حضارة مشتركة”.
وحول برنارد لويس أبرز المتحدث أنه “مؤلِّف كبير حول العالم الإسلامي، وليس مجرد مستشرق، لكن جذور كراهيته للإسلام بدأت منذ كتابه “العرب في التاريخ”، الذي نشره وهو في 34 من العمر”، أما صامويل هانتيغتنون فـ”ليس مستشرقا لأنه يعرف العربية”.
واسترسل قائلا: “لقد قدّما نوعا من الخطاطة لصانع السياسة، خصوصا في أمريكا، لخوض الحروب المستقبلية للإمبريالية الأمريكية في نهاية القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وهانتيغتنون في كتاب “صدام الحضارات” قدم نظرية متهافتة، مستعملا مفهوم صدام الحضارات الذي سبقه إليه أستاذه برنارد لويس؛ قائلا بالحدود الدموية بين الحضارات، وبأن الحرب الغربية ستكون مع الحضارة السلافية الروسية، والحضارة الإسلامية”، علما أن واقع الأمر أن الحروب التي كانت داخل هذه الثقافات نفسها أشرس، وبالتالي “هذه نظرية ساقطة”.
وبعد تفصيله عمل الاثنين مع دوائر القرار الاستعمارية والحاكمة، قال صالح إن “المستشرقين عبر التاريخ كانت لهم علاقة بالمؤسسة الاستعمارية، ومشكل برنارد لويس أنه مؤرخ كبير، إعداده الأكاديمي والبحثي والمنهجي متين، عكس المستشرقين الجدد الذين لهم مصادر ثانوية من الصحافيين الذين يكتبون التقارير ولا يعرفون العربية (…) لكنه مؤسَّس على الفكر الصهيوني، ولم يخف تعاطفه كيهودي مع إسرائيل، وخان مهمته كمؤرخ لصالح أهوائه وإيديولوجيته”، مشيرا إلى أن الأجيال التي جاءت بعده ولو كان فكرها ضعيفا، فإن “المكون الصهيوني في فكر الاستشراق الجديد الغربي وخطابه حاكم في صياغة خطابها”.
المصدر: هسبريس