طلب مصطنع” على العقارات المدعومة يهدد بتفشي المضاربة و”النوار
أدى الطلب المتزايد على العقارات المستفيدة من الدعم المباشر للسكن، الذي يتراوح بين 70 ألف درهم و100 ألف، إلى تصاعد المنافسة بين المنعشين العقاريين الساعين إلى رفع أسعار مخزوناتهم المتاحة، حيث دخلوا في سباق حاد من أجل شراء الأراضي الخام والمجهزة؛ ما أسفر عن ارتفاع تكاليف إنتاج الوحدات السكنية التي ستسلم خلال السنتين المقبلتين أو الثلاث المقبلة، في ظل توقعات بارتفاع أسعار هذه الوحدات بشكل قياسي، حتى تلك المخصصة للمشترين لأول مرة.
وبتخصيص دعم مباشر للوحدات السكنية التي تقل قيمتها عن 700 ألف درهم (بدعم 70 ألف درهم)، و300 ألف درهم (بدعم 100 ألف درهم)، شجع هذا الدعم شريحة واسعة من المشترين على اقتناء مساكن جديدة؛ لكن يشترط، من جهة أخرى، أن يكون تصريح السكن حديثا، أي بعد 2023، ما همش العقارات المستعملة والمشاريع القديمة. واعتبر فاعلون وخبراء أن هذا “التضخم المصطنع” في الطلب على السكن الحديث أمام عرض محدود يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في قطاع السكن الاقتصادي.
ووعيا بخطورة هذا الوضع، تحركت وزارة الداخلية، عبر الولاة والعمال، الذين عقد بعضهم اجتماعات مع منعشين عقاريين، على غرار محمد امهيدية، والي جهة الدار البيضاء سطات، من أجل تحفيز إنتاج السكن القابل للدعم من خلال تقديم تسهيلات على تملك الأراضي الخام والمجهزة، موازاة مع سعي إلى تسريع الخطى من أجل القضاء على دور الصفيح، خصوصا في المدن الكبرى، وتحفيز تأهيل تلك التي تم إدراجها ضمن الفضاءات المحتضنة لـ”مونديال 2030″، من خلال بحث إمكانية منح شقق سكنية لقاطني الدور المتبقية المذكورة، قصد إنهاء هذه الأزمة.
عودة “النوار”
قالت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، خلال دراسة الميزانية الفرعية لوزارتها لسنة 2025 بالبرلمان أخيرا: “إلى غاية 5 نونبر الجاري، بلغ عدد طلبات دعم السكن 113.081، استفاد منها 28.458 شخصا، 26 في المائة منهم ينتمون إلى مغاربة الخارج، و37 في المائة في المائة شباب أقل من 35 سنة”.
وأوضحت المسؤولة الحكومية ذاتها أن “قيمة المساكن التي تم اقتناؤها بلغت 11,4 مليارات درهم، كانت مساهمة الدولة فيها هي 2,3 مليارات درهم، أي بنسبة 20 في المائة من القيمة الإجمالية للمساكن”.
محسن بوزيدي الإدريسي، مستشار بنكي في التمويل العقاري، في تصريح لهسبريس، قال إن الإحصائيات الجديدة التي أدلت بها الوزيرة لا تشير إلى سرعة في وتيرة توزيع الدعم المباشر للسكن؛ بالنظر إلى أن أحدث الإحصائيات بخصوص قروض السكن الصادرة عن بنك المغرب حتى نهاية شتنبر الماضي تظهر عدم تجاوز نسبة نمو هذه القروض 1.5 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، و0.1 في المائة فقط مقارنة مع غشت الماضي أيضا، مشددا على أن “النوار” ما زال ممارسة قائمة وتبطء إلى حد كبير عملية التسويق العقاري.
وأضاف بوزيدي الإدريسي، في تصريح لهسبريس، أنه “على مستوى الواقع العملي تنتشر الممارسات المذكورة في مكاتب بيع عقارية، حيث يضغط منعشون عبر مسؤولين تجاريين بشركاتهم وسماسرة على الزبائن من أجل أداء مبالغ نقدية تتراوح قيمتها بين 30 ألف درهم و50 ألفا، مقابل شقق مشمولة ببرنامج الدعم الجديد، على أساس التصريح بمبلغ بيع أقل من 300 ألف درهم، علما أن المقتني سيستفيد من دعم بقيمة 100 ألف درهم”؛ وهي المعطيات التي أكدتها ياسمين صبيحي، وكيلة تجارية لدى شركة عقارية في الدار البيضاء، مشددة في تصريح لهسبريس على أن الدعم المباشر الذي يسعى إلى تحقيق هدف اجتماعي انحرف في مجموعة من المشاريع بسبب دينامية المضاربة في السوق، والمنافسة الشرسة بين المنعشين العقاريين على تحقيق الأرباح.
منافسة على الأراضي
دفع الطلب المتزايد على العقارات المشمولة بالدعم المنعشين العقاريين إلى رفع أسعار مخزونهم المتوفر، بجانب دخولهم في منافسة شرسة على حيازة الأراضي المجهزة للبناء.
وفي هذا الصدد، علق أحمد نايت لحسن، منعش عقاري، على الوضع قائلا إن “الضغط الذي نشهده حاليا على الأراضي المجهزة هو انعكاس مباشر لتأثير الدعم؛ ذلك أن الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع، ما يزيد من تكاليف إنتاج الوحدات السكنية”،
وأكد نايت لحسن، في تصريح لهسبريس، أن الأسعار النهائية للوحدات السكنية الموجهة للمشترين لأول مرة قد تشهد، نتيجة لهذه الوضعية، ارتفاعاً ملحوظا.
وتابع المنعش العقاري سالف الذكر أن هذه الزيادة في الطلب على الأراضي المجهزة رفعت مستوى الضغوط على الأراضي الخام، مشيرا إلى أن تسابق المنعشين من أجل تجميع مخزون من الأراضي المذكورة انعكس على أسعار العقارات.
وأوضح المتحدث ذاته أنه “بالإضافة إلى ذلك، فإن القيود التي فرضتها تعديلات تصاميم التهيئة على الأراضي المفتوحة للبناء الحضري عمقت من ندرة العقار؛ ما عزز ظاهرة المضاربة العقارية”، مشددا على أن الرصيد العقاري أصبح متحكما في قدرات المنعشين على مواصلة الإنتاج والمنافسة، خصوصا في سوق السكن الاقتصادي المشمول بدعم يصل إلى 100 ألف درهم في الوحدة.
واعتبر نايت لحسن أن الدعم المباشر للسكن قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، بعدما تمركز بعض كبار المنعشين العقاريين والمضاربين على رأس المستفيدين الفعليين، وليس المشترين المستهدفين ببرنامج الدعم المذكور. كما أن الزيادة المتفاقمة في تكاليف الإنتاج قد تؤدي أيضا إلى تعزيز ممارسات غير قانونية؛ مثل “النوار”، التي تحرم الدول من مداخيل ضريبية مهمة، فيما ستزيد من وتيرة لجوء المشترين والبائعين إلى التلاعب بالأسعار للاستفادة من الدعم، الذي يجري تدبيره بواسطة منصة رقمية ضخمة، لم تحمل حلولا لتطورات وإكراهات السوق، رغم تسهيلها عمليات نقل الملكية وتحويل مبالغ الدعم المالي.
المصدر: هسبريس