“طعام العزاء” يثير جدلا واسعا .. ومغاربة يدعون إلى القطع مع “العادة السيئة”
أثار قرار لسكان منطقة تابعة لجماعة المرس بإقليم بولمان بإسقاط عادة أكل طعام المآتم وإلزام رجال ونساء المنطقة المعزين بذلك الكثير من الأخذ والرد، وأعاد هذا القرار النقاش حول الصواب من عدمه في تناول زوار ومقدمي العزاء غذاء في بيت الميت.
وانتشرت، منذ أن نشرت هسبريس خبرا في الموضوع، دعوات على منصات التواصل الاجتماعي إلى القطع مع ما يصفونها بـ”العادة السيئة”، متداولين عبارة “كيف تأكل طعاما قد طبخ بالدموع؟”.
وفي خضم هذا النقاش، أثار العديدون تساؤلات حول ما يجيزه وما يحرمه الشرع في هذا الشأن. وقال أسامة بوعصاب، خريج كلية أصول الدين تطوان إمام وخطيب بإسبانيا، إن “الأصل في هذه المسألة المنع، لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي ـرضي الله عنه أنه قال: ‘كنا نعد الاجتماع لأهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة’، رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح”.
وأضاف بوعصاب، في حديثه إلى هسبريس، أنه “بالرغم من أن إطعام الطعام من أجمل الطاعات التي حض عليها الإسلام فإن الطعام بمناسبة الموت واجتماع الناس عليه في بيت العزاء حتى أمسى الناس فيه بين متكلف ومتأفف ومتوقف ومتطرف يعد غير جائز”.
واعتبر الإمام والخطيب سالف الذكر أن الأمر “يزيد قبحا إذا خلف الميت أيتاما وأرملة؛ فتدفعها هذه العادة إلى التكلف وصنع الطعام من أموال هؤلاء اليتامى، إذ إن المال انتقل إلى ملكيتهم بوفاة أبيهم، وقد نهانا الشرع عن الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه في بعض المناطق يذبحون العجول وينصبون الخيام ويضعون الموائد ويستقبلون الزوار لأجل العزاء بالأيام والأسابيع، معتبرا أن ذلك “فيه من الإسراف والرياء والمفاخرة ما لا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”.
ونبه أسامة بوعصاب إلى أن كثيرا ممن ينتمي إلى هذا الجيل “قد ضاقوا ذرعا من هذه العادات التي أصبحت تكلفهم فوق طاقتهم وتجبرهم على الاقتراض والاستدانة، خاصة أن أغلبهم من الطبقة المتوسطة التي تعاني أصلا من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ولا يزيدهم طعام العزاء إلا غما فوق غم، فتجتمع عليهم مصيبة الموت ومصيبة تكاليف الجنازة وإشباع بطون الحاضرين”.
واستدل الخطيب ذاته بـ”إشارة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لهذه المسألة تخفيفا على أمته، حينما ﺑﻠﻐﻪ ﻣﻮﺕ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﻪ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ ﻣﺆﺗﺔ فقال: ‘ﺍﺻْﻨَﻌُﻮﺍ ﻟِﺂﻝِ ﺟَﻌْﻔَﺮٍ ﻃَﻌَﺎﻣﺎ، ﻓَﻘَﺪْ ﺃَﺗَﺎﻫُﻢْ ﻣَﺎ ﻳَﺸْﻐَﻠُﻬُﻢ’ (ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﺣﺴﻨﻪ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩﺍﻭﺩ، ﻭﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ)”.
وأكد أن “السنة في طعام العزاء أن ﻳﺒﺎﺩﺭ ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ ﻭﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﻭﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺑﺼﻨﻊ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﺇﻫﺪﺍﺋﻪ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻤﻴﺖ، لا أن يأتوا طامعين في طعام مزج بدموع الحزن وآهات فراق الأحباب، مستدلا بقول ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: ‘ﻭَﺃُﺣِﺐ ﻟِﺠِﻴﺮَﺍﻥِ ﺍﻟْﻤَﻴﺖِ ﺃَﻭْ ﺫِﻱ ﻗَﺮَﺍﺑَﺘِﻪِ ﺃَﻥْ ﻳَﻌْﻤَﻠُﻮﺍ ﻟِﺄَﻫْﻞِ ﺍﻟْﻤَﻴﺖِ ﻓِﻲ ﻳَﻮْﻡِ ﻳَﻤُﻮﺕُ ﻭَﻟَﻴْﻠَﺘِﻪِ ﻃَﻌَﺎﻣﺎ ﻳُﺸْﺒِﻌُﻬُﻢْ ﻓَﺈِﻥ ﺫَﻟِﻚَ ﺳُﻨﺔٌ، ﻭَﺫِﻛْﺮٌ ﻛَﺮِﻳﻢٌ، ﻭَﻫُﻮَ ﻣِﻦْ ﻓِﻌْﻞِ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮِ ﻗَﺒْﻠَﻨﺎ ﻭﺑﻌﺪﻧﺎ”.
وخلص خريج كلية أصول الدين إلى أن “إصلاح هذه العادات وتغيير طباع الناس يحتاج إلى كثير من الصبر ونشر تعاليم السنة الصحيحة عن طريق التوعية والدعوة بالرفق واللين وخفض الجناح للمخالف، ومراعاة اختلاف المكان والزمان والأعراف، بعيدا عن التبديع والتفسيق والتنفير، لكي لا يترتب عن ذلك قطيعة للأرحام وتفريق الصفوف وحتى لا يكون سببا في زرع الفتنة والكراهية والشحناء بين المسلمين”.
من جانبه، اتفق جمال حدادي، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة الباحث في التمظهرات المجتمعية، في أن تحضير ما يمكن به إطعام المعزين “يجب ألا يكون على عاتق أهل من آلمت بهم المصيبة”، مذكرا في حديثه إلى هسبريس أن ما جرت عليه العادة لدى المغاربة أن “هذه المهمة يتكفل بها تطوعا الجيران”.
وشدد حدادي، في السياق ذاته، على أن الطعام في بيت الميت “يكون للقادمين من بعيد والمسافرين فقط”، معتبرا أن “التعامل السليم في مثل هذه الحالات هو تأدية واجب العزاء والمواساة والانصراف”.
وذكر الباحث ذاته بأن عادة “مناسبات المآتم” في مجموعة من مناطق المغرب تستمر لأيام، إذ يتم إطعام الناس في اليومين الأول والثالث، ثم بعد أربعين يوما، بينما يصنع البعض مناسبات تخلد ذلك الحدث.
المصدر: هسبريس