طاهري يتأمل في “مرايا الوجود”

صدر حديثا عن منشورات النورس كتاب “مرايا الوجود: بين التكوين والتفكك” للكاتب نور الدين طاهري، وهو رحلة فكرية مفعمة بالدهشة، تستكشف مغامرة العقل الأولى في الوجود، منذ لحظة الانفجار الأعظم وتشكل الكون، وصولا إلى بزوغ الوعي البشري في مراحله الجنينية.
بأسلوب سردي ممتع ولغة شاعرية، يتناول نور الدين طاهري تحولات العالم، مسلطا الضوء على الدهشة الأولى التي لازمت الإنسان في مواجهة القضايا المحيّرة التي لا تزال تشكل جوهر تفكيره وإبداعه حتى اليوم.
ويقول المؤلف في استهلاله إن هذا العمل يشكل “دعوة مفتوحة للغوص في أعماق الفكر والتأمل”، مقدّمًا رحلة متكاملة لاكتشاف الذات والبحث عن المعنى.
وعبر فصول الكتاب الثلاثين، يجعل طاهري القارئ في مواجهة مباشرة مع أسئلة الوجود الكبرى، ويأخذه في مسار من التدبر العميق لفهم علاقة الإنسان بذاته، بالآخرين وبالعالم من حوله.
ويتجاوز هذا النص حدود السرد التقليدي، ليصبح تأملا روحيا في أعماق النفس الإنسانية وما تعكسه من تجارب وجدانية تتعلق بالسلام الداخلي والاكتمال الروحي وتحقيق التوازن بين العقل والروح والجسد.
ويطرح الكتاب بعمق تأملي وأسلوب سردي جذاب “قضايا أساسية تتعلق بغاية الوجود وأسرار الحياة، إذ لا تُطرح هذه القضايا كأفكار مجردة فقط، بل تتم معالجتها بشكل يجعل القارئ يشعر بأن الأسئلة المطروحة تخص كل إنسان، مهما كانت خلفيته أو تجربته، مستندا إلى فكرة كون رحلة البحث عن الذات ليست عملية منفصلة عن الحياة اليومية، بل هي مزيج من التجارب الحياتية التي تشكل طريقًا نحو معرفة أعمق بالذات وبالكون”.
كما يتناول المؤلف موضوعات مثل الحرية الشخصية، الغاية من الحياة ومعنى المعاناة، ويضع القارئ في مواجهة مباشرة مع الأسئلة التي قد تكون صعبة أحيانًا. ومع ذلك، لا يكتفي الكتاب بطرح التساؤلات، بل يوفر تأملات عميقة تقود إلى فهم أعمق للذات، حيث يتجاوز الإنسان حدود الشك والقلق، ويشرع في اكتشاف طرق جديدة لتحقيق السلام الداخلي.
يؤكد الكتاب، في هذا السياق، على الدور الجوهري الذي تلعبه العلاقات الإنسانية في تحقيق السلام الداخلي. فمن خلال التفاعل مع الآخرين، يتعلم الإنسان قيم العطاء والتعاطف، وهما ركنان أساسيان في مسار الاكتمال الذاتي، متناولا بتأمل عميق العلاقات الأسرية والاجتماعية، موضحًا كيف يمكن لهذه الروابط أن تكون مصدرًا للنمو الروحي والتوازن النفسي. كما يبرز أهمية الفهم العميق للتواصل مع الآخرين باعتباره وسيلة لتحقيق انسجام داخلي يمنح الإنسان الشعور بالارتياح والقبول.
ومع تقدم الرحلة، يصل النص في الفصول الأخيرة إلى ذروة الحكمة والتأمل، حيث يتحقق اكتمال الروح بعد المرور بمراحل عديدة من التغيير والنمو. ويدرك الفرد، في هذه المرحلة، أن السلام الداخلي ليس حالة ثابتة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التوازن بين جميع جوانب الحياة. فالتركيز ليس هنا على التصالح مع النفس فقط، بل أيضًا على التصالح مع العالم من حولنا. يصل القارئ إلى فهم كون تحقيق السلام لا يعني غياب التحديات، بل يعني القدرة على مواجهتها بثقة ووعي.
المصدر: هسبريس