بعد الجدل الذي رافق اختيار المغرب لتصوير المسلسل التركي التاريخي “الخليفة”، شرعت فرق الإنتاج فعليا في تنفيذ المشاهد الأولى، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة التي راكمتها المملكة في مجال الإنتاج السمعي البصري، فقد شهدت مناطق مثل ورزازات وأيت بن حدو ومراكش طفرة نوعية، بفضل استوديوهات ضخمة كـ”Atlas Studios” و”CLA Studios”، وفرق تقنية محلية راكمت خبرة واسعة في التعامل مع أعمال عالمية.

يُعزى هذا الإقبال المتزايد إلى تنوع المشاهد الطبيعية والهندسية المعمارية، حيث تمكّن المغرب من تقديم بيئات تصوير متعددة، من الصحراء والهضاب إلى الحواضر التاريخية، ما يجعله موقعا مثاليا لإعادة تجسيد عصور كالعصر الفاطمي والعباسي.

ولا يقتصر الحضور المغربي في هذا النوع من الأعمال على البعد التقني فقط، بل يمتد إلى أبعاد دبلوماسية وثقافية، حيث حظيت طواقم الإنتاج التركية بتسهيلات لوجستية وتنظيمية تعكس مستوى الشراكة الثقافية بين الجانبين، وتكرّس صعود المغرب كلاعب إقليمي فاعل في صناعة المحتوى المرئي العالمي.

وكشف مصدر إعلامي سوري مقرّب من طاقم مسلسل “الخليفة”، في تصريح لهسبريس، أن اختيار مواقع التصوير في المغرب تم بعناية فائقة، ولم يقتصر على ورزازات ومراكش فحسب، بل امتد ليشمل معالم معمارية بارزة مثل قصور فاس العتيقة وأسوار مدينة الصويرة، التي خضعت لتحضيرات تقنية دقيقة حتى تنسجم مع روح العمل وتفاصيله التاريخية.

وأوضح المصدر أن التصوير داخل قصر الباهية بمراكش شكّل أحد أبرز المحطات البصرية في المسلسل، حيث تم توظيف الإضاءة الطبيعية بذكاء لإبراز عمق المكان وأصالته، بالتوازي مع اعتماد كاميرات سينمائية بدقة “8K”، مما تطلّب تعاونا فنيا وتقنيا مع شركات مغربية متخصصة. وأضاف أن هذه الاختيارات جاءت ترجمة لرؤية المخرج، الذي حرص على التوفيق بين الصدقية التاريخية والبعد الجمالي، مشيرا إلى أن بعض الفضاءات التقليدية تم تأهيلها بالكامل لفائدة التصوير، في تنسيق مسبق مع السلطات المحلية.

وبحسب المصدر ذاته، فإن مسلسل “الخليفة” لا يُمثّل فقط تجربة فنية عابرة، بل تجسيدا لتحالف جمالي وتقني تتداخل فيه الرؤية الإخراجية التركية مع القدرات الإنتاجية واللوجستية المغربية. فالمخرجوفق المصدر عينهراهن على مزج الأصالة التاريخية بالمعالجة البصرية الحديثة، مع الاستعانة بتقنيات تصوير متقدمة، من بينها الحركة البطيئة واللقطات الجوية بالدرون، لإضفاء بعد سينمائي عميق على المشاهد.

كما أشار إلى أن فريق العمل استعان بكفاءات مغربية في مجال المؤثرات البصرية، بعضها سبق له الاشتغال في إنتاجات كبرى مثل “Gladiator” و”Kingdom of Heaven”، ما أتاح للمسلسل توطين جانب من التقنيات المتقدمة داخل المغرب. ولفت إلى أن الموسيقى التصويرية بدورها ستشكّل نقطة التقاء بين التقاليد الشرقية والصياغات السيمفونية، حيث تعاقد المنتج مع الملحن التركي تويغار إشيكلي إلى جانب فنانين مغاربة لتسجيل مقاطع موسيقية تدمج الآلات التقليدية بالخلفيات الأوركسترالية.

وأشار المصدر إلى أن فريق التصوير يضم أسماء تركية وعالمية مرموقة، في مقدمتها مدير التصوير الألماني يوهان كراوس، الذي سبق له العمل على إنتاجات ضخمة من قبيل “Game of Thrones” و”The Last Kingdom”، وهو ما منح المشروع طابعا احترافيا منذ مراحله الأولى. كما استعان الفريق بمصممة الأزياء المغربية سكينة الإدريسي، المعروفة بدقتها في إعادة تشكيل اللباس التاريخي، وسبق لها الاشتغال على أفلام دولية صورت بالمغرب، ما أضفى على العمل بعدا محليا يعزز مصداقية المشاهد.

ويشارك في بطولة مسلسل “الخليفة” ثلة من ألمع نجوم الدراما التركية، في مقدمتهم النجم كنان إميرزالي أوغلو، الذي يتقمص شخصية الخليفة الحاكم، في دور يجمع بين الحزم والحنكة السياسية، وقد تطلّب منه تدريبات مكثفة على الفروسية وفنون المبارزة بالسيف.

وتجسّد ميرفي بولغور دور السيدة زبيدة، زوجة الخليفة، في أداء وُصف من طرف طاقم العمل بـ”المفاجئ”، باعتبارها تخوض من خلاله أول تجربة لها في الأعمال التاريخية.

كما يطلّ محمد أوزان دولوناي بشخصية قائد الحرس الخاص، بينما يُجسّد بيركان سوكولو دور الوزير الأول، الذي يلعب دورا غامضا ومؤثّرا في سير الأحداث.

وتنضمّ توبا بويوكستون إلى الطاقم في دور الأميرة المنفية، مسجلة عودتها القوية إلى الدراما التاريخية، وقد صُوّرت مشاهدها بالكامل في مراكش وورزازات.

أما الحضور المغربي، فيمثّله الفنان ربيع القاطي بدور القائد العسكري المغربي المساند للخليفة، في تجربة تترجم انفتاح الإنتاج على الكفاءات المحلية.

ويرى متابعون ومهتمون بالشأن الثقافي أن اختيار المغرب فضاء أساسيا لتصوير مسلسل “الخليفة” لا يُختزل في أبعاده الجمالية أو الإنتاجية، بل يُفهم في سياق أوسع يعكس تقاربا متناميا بين الرباط وأنقرة. ويشير هؤلاء إلى أن مثل هذه المبادرات تعزز شراكات نوعية بين شركات الإنتاج التركية ونظيراتها المغربية، عبر تبادل الكفاءات والتقنيات في مجالات التصوير والخدمات الفنية.

وفي هذا الإطار، ذكر موقع “TRT Haber”، نقلا عن مصادر مهنية، أن التصوير أتاح حركية اقتصادية لافتة، خصوصا في مراكش وورزازات، حيث شهدت الاستوديوهات ومرافق الإيواء نشاطا متزايدا خلال الأسابيع الماضية.

غير أن هذا الحضور التركي المكثف لم يمر دون إثارة نقاش فكري؛ إذ عبّر بعض الفاعلين عن تخوفهم من أن تتحوّل هذه الإنتاجات إلى أدوات لتكريس نماذج ثقافية وافدة، دون مراعاة لخصوصية المشهد المحلي أو أولويات الإنتاج الوطني.

في المقابل، يعتبر آخرون أن هذا الانفتاح يندرج ضمن رؤية دبلوماسية ناعمة، تسعى إلى ترسيخ صورة المغرب كأرض للإبداع والتلاقي الحضاري، قادرة على مواكبة التحولات الإقليمية بمنظور فني منفتح ومتجدد.

تجدر الإشارة إلى أن عرض المسلسل يرتقب أن ينطلق في الأسبوع الأول من شهر شتنبر 2025، وفق البرمجة الأولية لقناة “Show TV”، التي خصّصت له حيّزا زمنيا ضمن فترة الذروة. ويأتي ذلك بعد نحو شهرين فقط من بدء التصوير في المغرب، مما يفرض على طاقم الإنتاج استكمال عدد كبير من مشاهد الحلقات، من حيث التصوير والمونتاج، قبل حلول موعد البث الرسمي.

المصدر: هسبريس

شاركها.