ضعف البنية العلمية والتمويل يغيّب المغرب عن عالم الفضاء
قال يوسف مولان، باحث في علوم الفضاء والفلك جامعة أوبرن بأمريكا، إن “المغرب ليست لديه صناعة فضائية أو شركات تعمل في هذا المجال؛ لأنه بالأساس لا توجد رؤية استراتيجية في هذا المجال لدى السلطات المختصة.. وذلك ربما راجع إلى قلة الموارد المالية، وهو عامل يبقى غير مبرر تماما لهذا الغياب”.
أضاف مولان، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب يخسر فرصا مهمة في عدم استغلال موارده البشرية التي تمتلك تفوقا في مجال علوم الفضاء والفلك”.
أورد الباحث بعلوم الفضاء والفلك بجامعة أوبرن بأمريكا أن “العيش على كواكب أخرى لا يزال مجرد مفهوم في مرحلة التخيل والأبحاث الأولية؛ فالبشرية لا تزال تحتاج إلى التركيز على التحديات والفرص المتاحة على كوكب الأرض، من حيث الحفاظ على البيئة وتطوير تكنولوجيا مستدامة”.
في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن خيار العيش خارج كوكب الأرض، وتعددت اكتشافات “ناسا” الأمريكية لكواكب أخرى خارج نظامنا الشمسي.. ما هي الكواكب التي تصلح للعيش في الوقت الحالي؟ وكيف سنصل إليها؟
إلى حدود الأن، لم تؤكد “ناسا” على وجود أي نوع من أنواع الحياة على الكواكب الخارجية المكتشفة، وإنما احتمالية وجود الحياة عليها، حيث تتوفر على الماء على شكل سائل. كما تمتلك “ناسا” تلسكوبات؛ مثل “تلسكوب هابل” و”تلسكوب جيمس ويب”، حيث يمكن رصد هذه الكواكب الخارجية ودراسة تكويناتها الجيولوجية والجوية، وربما يتم في المستقبل اكتشاف كواكب تمتلك شروط أو مكونات تجعلها أكثر قربا من الصالحية للعيش. أما فكرة الرحلات الفضائية إلى الكواكب البعيدة فهي تواجه تحديات كبيرة؛ مثل البعد الكبير وزمن الرحلة الطويل والتأثيرات الصحية على البشر نتيجة للإشعاع والجاذبية المختلفة. وهذا مرتبط بتطوير التكنولوجيا في المستقبل البعيد؛ مما قد يساعد في تحقيق هذا الهدف في المستقبل، لكنه ليس في الوقت الراهن. كما من المهم التذكير بأن العيش على كواكب أخرى لا يزال مجرد مفهوم في مرحلة التخيل والأبحاث؛ فالبشرية لا تزال تحتاج إلى التركيز على التحديات والفرص المتاحة على كوكب الأرض، من حيث الحفاظ على البيئة وتطوير تكنولوجيا مستدامة.
هناك من يرى أن العيش خارج كوكب الأرض “أمر مستحيل” نظرا لغياب مؤشرات حول ذلك، وكذا بعد مسافة الكواكب المكتشفة حاليا بسبب غياب أي وسيلة تفوق سرعة الضوء.. هل في رأيك البشرية ستبقى فقط في وضع المستكشف، ولن تقدر على تحقيق حلم العيش خارج الأرض؟
نعم صحيح، السؤال حول إمكانية العيش خارج كوكب الأرض هو موضوع معقد يشمل جوانب علمية وتكنولوجية وفلسفية، كما ذكرت سابقا. حتى الآن، ليس لدينا دلائل ملموسة على وجود حياة خارج الأرض أو إمكانية العيش هناك. أما فيما يخص التحديات التقنية مثل مسافة الكواكب المكتشفة وحاجة السفر بسرعات قريبة من سرعة الضوء، فإنها تمثل تحديات كبيرة للغاية لا يمكن الوصول إليها حاليا. مع ذلك، لا نستبعد هذا بشكل كامل في المستقبل البعيد. قد تتطور التكنولوجيا والمعرفة لدينا مع الوقت بما يمكنه أن يساعدنا في التغلب على بعض من هذه التحديات التقنية، والدليل هو ما قامت به البشرية من إنجازات في التكنولوجيا خلال العقود الأخيرة، والتي لم يكن تصورها مقبولا في وقت سابق. كما أن العديد من الباحثين والمهندسين في العالم يعملون اليوم على دراسة وتطوير وسائل جديدة للسفر الفضائي بسرعات عالية وتجاوز العوائق التكنولوجية الموجودة حاليا. إذا تم التوصل إلى تكنولوجيا تمكننا من السفر بسرعات كبيرة أو تخطي مسافات طويلة بطرق مبتكرة، قد يصبح العيش خارج الأرض أمرا واقعيا.
سباق العيش خارج كوكب الأرض يلهم الدول الكبرى، ما موقع المغرب من هذا التنافس الدولي المحتدم؟ وهل يمكن في الأساس أن نتحدث عن اهتمام مغربي بالعيش خارج الأرض؟
حاليا، يمكننا القول إن البلدان الكبرى بدأت تستثمر بشكل كبير في أبحاث الفضاء والاستكشاف الفضائي، سواء لأغراض علمية أو تكنولوجية أو حتى استكشاف إمكانية العيش على كواكب أخرى. بالنسبة للمغرب، للأسف لا يوجد برنامج رسمي للاستثمار في المشاريع الفضائية؛ ولكن توجد هناك اجتهادات من طرف المرصد الفلكي “أوكايمدن” التابع لجامعة القاضي عياض، حيث يشارك باحثوه في مجموعة من الاكتشافات وأبحاث علمية بشراكة مع جامعات أجنبية ومراكز بحوث عالمية في هذا المجال؛ غير أنه يمكن أن يكون للمغرب دور في البحوث والتعاون الدولي في مجال الفضاء، سواء من خلال الاشتراك في مشاريع دولية أو بناء شراكات مع دول أخرى لتطوير التكنولوجيا والبحث في مجال الفضاء.
إذا لم نستثن مجال الأقمار الاصطناعية، لماذا يغيب في نظرك الحضور المغربي في الفضاء.. هل يمكن أن نفسر الأمر بغياب الموارد، أم غياب تكوين حقيقي في هذا المجال؟
صراحة، حتى في مجال الأقمار الاصطناعية المغرب ليست لديه صناعة فضائية أو شركات تعمل في هذا المجال؛ لأنه للأسف لا توجد رؤية استراتيجية في هذا المجال لدى السلطات المختصة.. وذلك ربما راجع إلى قلة الموارد المالية، ولكن بالنسبة لي هذا ليس كافي لتبرير الغياب. ويمكن أن يُفسر غياب الحضور المغربي في مجال الفضاء بسبب عوامل أخرى عديدة؛ أولها الموارد المالية والتمويل، حيث يتطلب مجال الفضاء استثمارات ضخمة في البحث والتطوير والبنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك غياب التكوين الكافي والبحث العلمي في الجامعات المغربية وغياب البنية التحتية المتخصصة في مجال الفضاء بالنسبة للشركات. ثانيا، غياب توجه سياسي وحكومي واضح في هذا المجال.
رأينا وجود أسماء مغربية رائدة في مجال علم الفلك، وهناك من يقود مشاريع بشرية عملاقة في الفضاء، وأنتم أيضا من بين الأسماء المغربية التي رحلت عن أرض الوطن واختصت في هذا المجال، هل في رأيك المغرب يخسر حاليا موارد مهمة؟
نعم صحيح، ونحن كمغاربة نفخر بهم؛ من بينهم صديقي كمال الودغيري بوكالة “ناسا”، وأسماء عديدة في دول أخرى.. إن وجود أسماء مغربية مبدعة ومتميزة في مجال علوم الفلك والفضاء دليل على الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب كرأسمال بشري، والتي يمكن أن تساهم في تطوير القطاعات العلمية والتكنولوجية وبرامج الفضاء المستقبلية واستثماراتها. لكن للأسف المغرب يخسر فرصا مهمة في عدم استغلال هذه الموارد بشكل جيد في الاستثمار في البحث والتطوير في مجالات الفضاء والتكنولوجيا. وتلجأ هذه الأدمغة إلى الخارج، حيث توجد فرص كثيرة للاشتغال في هذا المجال؛ لكن ما زالت إمكانية استغلال هذه الموارد التي تشارك في مشاريع بشرية عملاقة في مجال الفضاء؛ مثل استكشاف الكواكب، الكويكبات، القمر والمريخ، والاستفادة منها في تعزيز مكانة المؤسسات والجامعات المغربية على الساحة الدولية وتقديم فرص للتعاون الدولي وتطوير الشراكات البحثية والتقنية.
ما هي السبل في رأيك حتى يتحقق الاهتمام المغربي بعلم الفلك؟
صراحة، تحقيق اهتمام المغرب بعلم الفلك يتطلب جهودا متعددة ومستدامة من مختلف الأطراف، بدءا من الحكومة والمؤسسات العلمية والجامعات، وصولا إلى المجتمع المدني وهواة الفلك. أولا، يجب تعزيز التعليم العلمي من خلال تطوير برامج تعليمية متخصصة في علم الفلك على مختلف المستويات التعليمية، ما يشمل تقديم مسالك جامعية وتوفير موارد تعليمية متميزة. ثانيا، تطوير مراكز بحثية متخصصة في علم الفلك على المستوى الوطني لتمكين العلماء والباحثين من تنفيذ أبحاث متقدمة. بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات مع مؤسسات وباحثين دوليين في مجال الفلك. ثالثا، تنظيم فعاليات وتنظيم مهرجانات توعوية لزيادة الوعي بأهمية الفلك والمجالات المرتبطة به لدى العامة. كذلك، يجب دعم الهواة في هذا المجال، وتوفير فرص للمشاركة في أنشطة وأبحاث علمية. وكل هذه الجهود يمكن أن تسهم في تعزيز الاهتمام بعلم الفلك في المغرب وتطوير قاعدة من المهتمين والباحثين.
يثار أيضا سؤال مستقبل كوكب الأرض، هناك من يرى أن مصيره سيكون مصير كواكب أخرى بنظامنا الشمسي؟
السؤال حول مستقبل كوكب الأرض ومصيره هو موضوع بحث ونقاش في المجتمع العلمي الدولي منذ عقود؛ لكن الخلاصة هي أن مستقبل كوكب الأرض يرتبط بالتغيرات البيئية والمناخية التي تقع اليوم بسبب نشاط الإنسان. النظر إلى كواكب أخرى في نظامنا الشمسي مثل المريخ قد يقدم لنا فهما لمدى تطور الكواكب وتأثيرات البيئة والعوامل الجيولوجية على الحياة فيها. المريخ قد يكون شاهدا في السابق على ظروف مناسبة للحياة؛ ولكن تغير البيئة على مر الزمن قد أدى إلى انعدام هذه الظروف على سطحه حاليا بسبب فقدانه غلافه الجوي والتي حولته الى صحراء قاحلة. إذا لم يتم التصدي لهذه التحديات من خلال التنمية المستدامة وحماية البيئة واستخدام الموارد بشكل مسؤول، فإنها قد تؤثر بشكل كبير على بيئة الأرض والحياة عليها. ومن ثمّ، يبقى المريخ مثالا واقعيا لمستقبل الأرض، إن لم تتخذ الإجراءات المناسبة في الوقت الحالي.
في الختام، هناك أيضا أسئلة وجدل كبيرين حول الثقوب السوداء المستكشفة حديثا.. هل توجد داخلها أكوان أخرى غير الكون الذي نعيش فيه؟
الثقوب السوداء هي أشد الأجرام الفلكية غموضا وتعقيدا، ولا يزال العلماء يبحثون ويدرسونها لفهم طبيعتها بشكل أعمق. حاليا، ليس لدينا دلائل مباشرة تثبت وجود أكوان أخرى داخل الثقوب السوداء. الثقوب السوداء تتكون عندما ينهار نجم (أو نجمين) ضخم تحت تأثير قوى الجاذبية الهائلة، وتكون قوة الجاذبية بها قوية إلى درجة أنها تجذب كل شيء، حتى الضوء، وبالتالي تصبح غير مرئية. وهذا ما يجعلها غامضة وصعبة الرصد. إلى حدود الساعة، تم رصد فقط ثقب أسود واحد بشكل مباشر، من خلال رصد الأشعة المحيطة به ومن المستحيل أن يتم رصد أعماقه. كل ما يروج حول موضوع الأكوان المتعددة تبقى فقط أفكار في مرحلة نظرية واختلاف آراء العلماء حولها. يجب أن أذكر أن مجال الثقوب السوداء لا يزال مجالا نشطا للبحث والاستكشاف، ويحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لفهمه بشكل أعمق.
المصدر: هسبريس