لماذا لم ينجح الإعلام المغاربي في جعل مشهده الفني المحلي منتشرا في المنطقة المتحدثة باللغة العربية؟ يجيب إعلاميون وفنانون عن هذا السؤال في مداخلات ونقاشات متعددة خلال فعاليات “أيام طرابلس الإعلامية”، المنظمة بالعاصمة الليبية.
الإعلامي الليبي عطا الله المزوغي قال إن “عدم الانتشار هذا ليس مقصورا على الفنون التلفزيونية الليبية، بل يمتد إلى غالبية المغرب العربي، فأعماله محدودة الانتشار في المشرق العربي”، وربط هذا الأمر بمجموعة من العوامل التي تتحكم في النقل والانتشار، من قبيل “إمكانيات الإنتاج” و”بيئة التلقي” و”استمرارية الإنتاج”، وهو “ما زاد تعقيدا اليوم، مع تغيّر المتلقي ذاته بالمنطقة”.
كما تحدث المزوغي عن “وجود طفرات محدودة لم يشتغل عليها الوسط الثقافي الليبي”، لأنه “لم تكن توجد خطة طويلة الأمد” حول الصورة والإنتاج الإبداعي، وتطرّق أيضا إلى “دور الإعلامي المهم في انتشار العمل محليا وعربيا ودوليا”.
وواصل المتحدث ذاته: “لا نعدم الكفاءة الفنية، فلنا مبدعونا وكتابنا وروادنا ورموزنا في الثقافة، لكن الإنتاج كان مرهونا دائما بالدولة، وبمؤسسات خدمية تقدم خدمة، لا بمؤسسات ومراكز إنتاج، كان ديدنها إنتاج أعمال قصد الوجود في الساحة العربية. أما الآن نمط تفكير المتلقي العربي اختلف، ووسائل التواصل حدّت تأثير التلفزيون والسلاسَة السابقة في الوصول للجمهور؛ فلا يكفي الإنتاج الوفير اليوم بكفاءة عالية لتضمن المتلقي العربي والدولي، مع جيل متأثر بعصرنةٍ وروافد متعددة، لم يعد بالإمكان إقناعه بأي عمل كان”.
الإعلامي الليبي عطية باني عاد من جهته إلى أحد النماذج المغاربية في العقود الماضية، وهو النموذج الليبي الذي كان اهتمام نقاده أكبر بالإنتاج المصري مثلا، وهو ما يُرى أثره عند “الحديث في التلفزيون عن المغرب العربي الذي تغيب عنه ليبيا”.
بينما قدّر الإعلامي بشير بلاعو أن هذا السؤال “ليس تشكيكا في قدرة الإبداع، بل في الشروط التي تسمح له بالانتشار”، وهو ما اتسع اليوم ليشمل “حتى الإنتاجات العربية الأخرى، التي تأخرت، وتنامى اهتمام تلفزيوناتٍ عربية بالإنتاجات التركية، بل وحتى المكسيكية”.

ومن بين ما لامه الإعلامي ذاته “القدرة التنافسية للإبداع” مقارنة بـ”الإنتاج العربي والدولي”، وقدم مثالا بـ”الدراما المصرية، والسورية، وحتى الأردنية”، مردفا: “توجد معايير للإنتاج السمعي البصري، ومستويات للتصوير والإخراج والتمثيل، والشكل والجذب الفني في الدراما والمنوعات”، ثم تأسف لأنه في ليبيا اليوم “فقدنا المسرح، ودوره في تكوين الممثل الذي لن يكوّنه التلفزيون؛ فبمن بالتالي ستنتَج الدراما والمنوعات؟”، وزاد: “الأفكار والنصوص موجودة في أرشيفات الإذاعة والتلفزة لكن من يشكلها ويجعلها حية أمام المشاهد؟”، مع إشارته إلى قلّة كتاب السيناريو بالبلاد.
وفي مجال الأغنية يقدّر بلاعو أن “الأغنية الليبية كانت مسيسة إلى حد كبير، فكانت القنوات والإذاعات العربية تتحاشى إذاعتها لهذا السبب”.
المتدخل ذاته نبّه أيضا إلى دور الإعلام، وخاصة الصورة التلفزيونية، في “إنتاج وصناعة أساطير حول قضايا وأشخاص”، وهو دور لم يتمّ في سياق الحالات المتحدّث عنها، واستحضر دور “مسؤولي الشراء” في القنوات العربية “الذين يختارون ما يناسب محطاتهم”، مع ضرورة الانتباه أيضا “إلى أن هذه صناعة”، وينبغي التنافس فيها، وتملّك مقوماتها، وختم فكرته بقوله: “ينبغي إنتاج ما ينافِس، هذه هي المعادلة”.

وفي جلسة “حوارية” أخرى شارك فيها الفنان الليبي حسن قرفال وسيرها أحمد المقصبي قال المسرحي الليبي البارز إن “علاقة الدراما بالإعلام دائما علاقة مد وجزر، ولا يمكن الحديث عن دور الممثل فقط، لأنه عنصر من عناصر منظومة فيها السيناريست والمخرج والمصور وصاحب الإضاءة والإنتاج…”، لكنه أكد على تأثر الفنون الليبية بعقود من “إجحاف من الإعلام الليبي حول الدراما والإنتاج المحلي”، مع اهتمام إعلامي محلي بأعمال دول عربية أخرى مثل مصر ولبنان والأردن، “رغم أن الأعمال الليبية كانت ذات بعد جمالي وبعد فني، وتوفر في الفرجة، وتتعامل مع بعض القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع”.
ومع شدّه على يدي “الإعلام الصادق” انتقد قرفال “الإعلام الذي يشترى”، ثم نبه إلى “الفرق بين الإعلام والنقد الفني، فليس كل صحافي فني ناقدا، لأن النقد مادة تدرس في الجامعات”.
حسن قرفال، الذي حصل على الدكتوراه بعد الدراسة في الجامعات الأمريكية سبعينيات القرن الماضي في موضوع “المسرح الليبي وارتباطه بالتغير الاجتماعي”، ذكر أن من العوامل التي تفسر ضعف انتشار الأعمال المغاربية أنه بليبيا “لم ندخل بعد شركات توزيع الأعمال الفنية، كما في العالم”، ورفض حجّة “اختلاف اللهجة وصعوبة فهمها من قبل متحدثين آخرين باللغة العربية”، قائلا: “على العكس لهجتنا جميلة جدا، وفي كامل الوطن العربي يفهموننا”.
المصدر: هسبريس
