دعت الرابطة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء إلى المشاركة في حملة رقمية توعوية تعتزم إطلاقها قريبًا على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التصدي لما وصفته بـ”المدّ الموسمي للعنف السيبراني” الذي يستهدف النساء والفتيات خلال فصل الصيف. وأوضحت أن ارتفاع معدلات التفاعل الافتراضي، وتزايد المحتوى الترفيهي والساخر خلال هذه الفترة، كثيرًا ما يتحول إلى ممارسات رقمية تنطوي على تحقير النساء أو تعنيفهن معنوياً، داعية إلى التعبئة الجماعية لمواجهة هذا السلوك الرقمي المرفوض.

وأبرزت الرابطة، في البيان الذي توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، أن الدعوة إلى هذه الحملة تأتي استباقًا لموجات متكرّرة من المضامين الرقمية التي تشهد عادة خلال الصيف انتشارًا واسعًا، تُتداول فيها صور وتعليقات ومقاطع تُسيء إلى النساء وتمسّ بكرامتهن. ولفتت إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تتحول خلال هذه الفترة إلى فضاء مفتوح للانتهاكات، في ظل غياب آليات فعّالة للمراقبة، وتراجع الوعي الجماعي بخطورة الانخراط في نشر أو تبرير خطابات التمييز والكراهية.

الحملة، التي اختارت لها الرابطة شعار “صيف بلا عنف”، تروم تعبئة الفاعلين المدنيين والمؤثرين الرقميين للانخراط في مجهود جماعي يُناهض موجات الإساءة التي تطال النساء في الفضاء الافتراضي، خصوصًا في موسم الصيف. ودعت الهيئة الحقوقية ذاتها إلى تبنّي سلوك رقمي رصين يُراعي الكرامة الإنسانية في كل أشكال التفاعل، سواء عبر المنشورات أو التعليقات أو إعادة النشر، معتبرة أن الوعي الرقمي بات شرطًا أساسيًا لضمان سيادة رقمية عادلة وآمنة للنساء.

وأكدت الرابطة في بيانها أنها ستعتمد خلال هذه الحملة على إنتاج محتويات توعوية تُبث عبر المنصات الرقمية، وتنظيم لقاءات مع مختصين في القانون والإعلام وحقوق الإنسان. وتهدف هذه الخطوات إلى تنبيه الرأي العام إلى مخاطر العنف السيبراني، والتعريف بالآليات القانونية التي تتيحها المنظومة القضائية، مع تحميل المجتمع مسؤوليته في مناهضة الانتهاكات التي تستهدف النساء في الفضاء الرقمي.

التطبيع الرقمي

وقالت نادية السالمي، الكاتبة العامة للرابطة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء، إن الحملة الرقمية التي تُطلقها الرابطة تأتي في سياق تصاعد مظاهر “التطبيع المجتمعي مع التمييز ضد النساء على المنصات الاجتماعية”، مشيرة إلى أن العنف الرقمي لم يعد حالة عرضية، بل ظاهرة ممنهجة يعاد فيها إنتاج الصور النمطية بشكل يومي ومُمنهج. وأوضحت أن الرابطة تروم من خلال هذه المبادرة كسر دائرة الصمت، وبثّ وعي جمعي يُعيد الاعتبار لكرامة النساء في الفضاءات الافتراضية، لا باعتبارهن موضوعات للسخرية، بل فاعلات متساويات في التعبير والتأثير.

وأضافت السالمي، في تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تتبّع الرابطة لمؤشرات العنف الرقمي خلال السنوات الأخيرة أظهر ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرته خلال فصل الصيف، مبرزة أن الميل الجماعي نحو المحتوى الترفيهي لا يبرّر الانزلاق إلى خطاب السخرية والتهكّم على النساء، ولا إلى انتهاك خصوصيتهن أو الإساءة إلى خياراتهن الشخصية. ولفتت إلى أن هذه الظاهرة تكشف هشاشة الوعي الرقمي، وتُبرز الحاجة الماسّة إلى ترسيخ ثقافة تواصلية قائمة على الاحترام والمساءلة، بما يضمن عدالة رقمية حقيقية ويعيد الاعتبار لقيم المواطنة الرقمية المسؤولة.

وأشارت إلى أن الحملة تسعى إلى تفعيل مبدأ “المسؤولية الجماعية في الفضاء الرقمي”، من خلال تشجيع المستخدمين على التبليغ عن المحتويات المسيئة، وتبنّي خطاب إيجابي داعم لكرامة النساء، مبرزة أن الرابطة تعوّل على انخراط مؤسسات الإعلام وشركات التكنولوجيا في هذه الدينامية. وأكدت أن التصدي للعنف السيبراني لا يتحقق إلا بتكامل الأدوار بين الدولة والمجتمع المدني والمنصات الرقمية.

فضاء منتهك

فايزة الدرّاق، الناشطة الحقوقية والباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، اعتبرت أن حملة الصيف تندرج ضمن فعل جماعي متواصل من أجل فضاء رقمي أكثر عدالة وشمولاً، مبرزة أن العنف الإلكتروني ضد النساء لا يقتصر على تعليقات معزولة، بل يمتد إلى أنماط ممنهجة تنتهك الحق في التعبير الآمن، وتقوّض الخصوصية، وتحدّ من الحضور المتكافئ للنساء في المجال الرقمي.

وأوضحت الدرّاق، في تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن خطورة العنف الرقمي تكمن في كونه يمتدّ بسهولة إلى الواقع، مُخلّفًا آثارًا نفسية واجتماعية جسيمة قد تصل إلى العزلة أو الانقطاع عن الدراسة أو العمل، خصوصًا في صفوف الفتيات القاصرات. ولفتت إلى أن ضعف التكوين الرقمي لدى فئات من المستعملين واستمرار الهيمنة الذكورية في الثقافة التفاعلية يعززان منسوب هذه الانتهاكات، ويجعلان النساء أهدافًا سهلة للتهجم والسخرية.

وأبرزت أن الرهان الجوهري في هذه الحملة يكمن في كسر حاجز الصمت وتوسيع فضاءات التبليغ والمناصرة، عبر أدوات تواصل رقمية مبسطة ومواد تحسيسية تراعي تنوّع الفئات العمرية. وأكدت، بصفتها فاعلة حقوقية مستقلة، أنها وإن لم تكن عضوا في الرابطة، فإنها تساند هذه المبادرة وتقف إلى جانبها، باعتبارها خطوة ضرورية في معركة مواجهة العنف الرقمي. ودعت السلطات المختصة إلى تفعيل المساطر القانونية بصرامة في وجه المتورطين في هذه الانتهاكات، مشددة على أن صيانة الكرامة الرقمية للنساء تُعد امتدادًا طبيعياً لحمايتهن في الفضاء العام.

يُشار إلى أن الرابطة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء، التي لا تزال غير مألوفة لدى شريحة واسعة من القراء، تُعد إطارًا مدنيًا تأسس بشراكة بين جمعيات نسائية وأخرى تُعنى بشؤون الأسرة. وتطمح من خلال هذه المبادرة إلى ترسيخ موقعها ضمن الفاعلين في مجال مناهضة العنف، خاصة بعدما لم تُسجَّل مشاركتها في الحملة الوطنية التي أُطلقت في نونبر الماضي بسبب مشاكل تنظيمية داخلية.

المصدر: هسبريس

شاركها.