عاد ملف الأدوية ليشعل الجدل من جديد داخل البرلمان في سياق مناقشة مشروع مالية 2026، خاصة ما يتعلق بمسألة ارتفاع أسعار الأدوية في السوق المحلية، بعد خفض الرسوم الجمركية عند الاستيراد.

وتفجّر ملف صفقات الأدوية في البرلمان المغربي يوم الخميس 13 نونبر 2025، بعد أن وجه عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، اتهاما مباشرا لوزارة الصحة بعقد صفقة مع شركة مملوكة لوزير في الحكومة، في إشارة إلى وزير التربية الوطنية برادة الذي يملك شركة متخصصة في الأدوية.

غلاء الأسعار رغم خفض الرسوم الجمركية

ورأى نواب في صفوف المعارضة، أن التدابير التي يقرها مشروع الميزانية السنوي، لخفض الرسوم الجمركية أو إلغائها بالنسبة للأدوية، لا تنعكس على الأسعار التي يدفعها المستهلك في المغرب، مؤكدين أن ذلك تثبته الدراسات التي خضع لها العديد من الأدوية، التي يشدد على أن بعضها يُستورد من الصين والهند بأسعار منخفضة كي يباع في السوق المحلية بأسعار تُحقق للمستثمرين فيها أرباحا مرتفعة جدا.

ويثير ملف صفقات الأدوية، الذي أشعل جدلا واسعا بين الأغلبية والمعارضة، عدم انتظام التزود بالمواد الحيوية الضرورية وتأخر وصول بعض الأدوية الحيوية مثل كلوريد البوتاسيوم، ما دفع الوزارة إلى منح تراخيص استثنائية لبعض الشركات لضمان استمرار العلاج في أقسام الإنعاش والجراحة والتخدير.

ويأتي هذا الجدل في وقت تسعى فيه الوزارة إلى إعادة هيكلة القطاع الصحي وزيادة عدد المديريات المركزية، دون وضوح في توزيع المسؤوليات، خاصة في مجالات التدبير المالي والصفقات العمومية، ما يرفع سقف المخاطر المتعلقة بانقطاع الإمدادات وتأثيرها على المرضى. وأكد عبد الله بووانو أن الشركة المعنية حصلت على صفقة لتزويد أحد المستشفيات الجامعية، ما أثار جدلا واسعا حول شفافية الصفقات العمومية ومصداقية التراخيص المؤقتة للاستعمال، خصوصا في ظل اعتماد بعض المستشفيات الجامعية على المواد الحيوية الضرورية للأقسام الحرجة مثل الانعاش والجراحة والتخدير.

تضارب المصالح وتناسل الفضائح

المعطيات التي قدمها البرلماني ذاته، أمام جلسة نيابية، تفيد أن إحدى المصحات تقتني دواء خاصا بمرض السرطان بثمن يتراوح بين 600 و800 درهم، وتبيعه لمصحات أخرى بفوترة تصل إلى 4000 درهم، مؤكدا أن الحكومة الحالية “منهكة بسبب تضارب المصالح وتناسل الفضائح وسوء التدبير والفراقشية والريع والاحتجاجات”.

النائبة فاطمة التامني عن فيدرالية اليسار الديمقراطية، أكدت بدورها أن أسعار الأدوية في المغرب هي من بين الأعلى مقارنة بالعديد من الدول، مشددة على ضرورة وضع قانون حول تضارب المصالح.

يأتي الحديث عن غلاء الأدوية في سياق تضمن مشروع الموازنة تدابير لتحفيز الصناعة المحلية للأدوية وخفض كلفة الاستيراد، إذ ينتظر أن تتراوح الرسوم عند الاستيراد بين 2,5 و30% تبعا لدرجة التصنيع المحلي للأدوية.

نفي صريح وشرح للتراخيص المؤقتة

على الفور، نفت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أي صلة لها بالصفقة المذكورة، مؤكدة أن الصفقة الوحيدة التي أبرمتها كانت مع شركة “سوطيما” في إطار طلب عروض مفتوح وشفاف واحترام تام لجميع المقتضيات القانونية والتنظيمية. وأوضحت الوزارة أن المراكز الاستشفائية الجامعية تتمتع باستقلالية مالية وإدارية كاملة، وتدير ميزانيتها وصفقاتها ومورديها بشكل مباشر، ما يعني أن أي صفقة بين هذه المراكز والشركات تدخل ضمن اختصاصها الذاتي ولا علاقة لها بالإدارة المركزية للوزارة.

وأكدت الوزارة أن التراخيص المؤقتة الممنوحة لبعض الشركات كانت استثنائية وفق شروط صارمة وهدفت لضمان استمرارية تزويد المستشفيات بالمادة الحيوية كلوريد البوتاسيوم، خاصة في ظل توقف إنتاج إحدى الشركات الوطنية بسبب توسعة وحدتها الصناعية. وأشارت الوزارة إلى دعم شركة أخرى لإطلاق الإنتاج محلياً لضمان السيادة الدوائية وتفادي أي خصاص في السوق.

تحقيق رسمي وفتح المجال للتدقيق

على وقع الاتهامات، أعلن الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن فتح تحقيق رسمي في شبهات الاختلالات التي أثارها بوانو، مؤكداً أن الحكومة تتعامل مع الموضوع بالوضوح التام. وأوضح لقجع أن التعليمات شملت مصالح الجمارك والمديرية العامة للدواء من أجل إجراء جرد شامل للتصنيفات والتعريفات المرتبطة بالأدوية، مشدداً على أن أي تشريع يمنح إعفاءات ضريبية للشركات دون مبرر قانوني سيتم إلغاؤه فورا.

إقرأ أيضا: ردا على اتهامات “التشريع على المقاس”.. الحكومة تفتح تحقيقا في صفقات الأدوية

ودعا الوزير النواب إلى تقديم أي تشريع يُزعم أنه على المقاس لإثباته رسميا، مؤكدا أن بناء الثقة المؤسساتية يتطلب الوضوح والتجرد من الاتهامات غير المدعمة بأدلة. تمسك المعارضة بموقفها ومطالبة بلجنة تقصي الحقائق رغم توضيحات الوزارة، شدد بوانو على موقفه واصفا بلاغ الوزارة بالعمومي والانشائي، مضيفا أنه يهدف إلى تهريب النقاش والتهرب من كشف الحقيقة، وأنه استبطن تهديدا وتغليطا للرأي العام بشأن فضائح صفقات وزارة الصحة.

وانتقد تجاهل موضوع التراخيص المؤقتة للاستعمال، داعيا الوزارة إلى نشر لائحة الشركات المستفيدة وأسماء أصحابها، ومطالبا بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، مؤكدا أن المعارضة لن تنصاع لأي محاولات تهدف إلى التغطية على الملفات الحساسة. ودعا مصطفى إبراهيمي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق فيما يتعلق بالمختبرات والدواء وموضوع الأدوية عموما، مشددا على ضرورة حماية الصناعة الوطنية ومنع استيراد أي دواء تنتجه أربع شركات محلية على الأقل، وجعل الضريبة متناسبة مع حجم الصناعة وعدد الشركات العاملة.

فند مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ما اعتبره مغالطات صدرت عن بوانو، مؤكدا أن الحكومة اختارت نهج الشفافية في إدارة الصفقات العمومية من خلال إعداد مرسوم جديد وعرضه على البرلمان للنقاش العمومي، في إطار منهجية تشاركية لمحاربة الفساد وتعزيز الحكامة. وفي تطور جديد، وجه بايتاس طلبا إلى رئيس مجلس النواب لعقد اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بحضور وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي حول ما أثير بشأن اقتناء الأدوية، وذلك تطبيقا لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.

فراقشية الأدوية وتأثيرها على الأمن الدوائي 

وتظل قضية صفقات الأدوية وما سمي بـ”فراقشية الأدوية” من أكثر الملفات حساسية في الساحة المغربية، إذ تجمع بين اتهامات مباشرة من المعارضة وتوضيحات رسمية تؤكد الالتزام بالقانون والشفافية، في حين تتقاطع جميع الجهات حول الحاجة الملحة لضمان استمرارية التزود بالمواد الحيوية وحماية الصحة العامة. ويبرز الملف الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة والشفافية لضمان عدم تكرار أي اضطرابات في الأمن الدوائي بالمستشفيات العمومية.

وفي هذا الصدد،جددت المعارضة البرلمانية بمجلس النواب تمسكها بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول صفقات الادوية، معتبرة ان هذه الآلية هي الطريق الوحيد لكشف جميع المعطيات المرتبطة بالملف وضمان شفافية أكبر في تدبير السياسة الدوائية.

إقرأ أيضا: الحكومة تطلب انعقاد اجتماع برلماني طارئ بحضور وزير الصحة لمناقشة صفقات الأدوية

وأوضح السنتيسي عشية اليوم الاثنين ضمن نقطة نظام تقدم بها في مستهل جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب، أن فريقه تقدم منذ 6 دجنبر 2021 بطلب عقد اجتماع حول السياسة الدوائية، ثم بطلب ثان يناقش السياسة الدوائية وتأمين المخزون الاستراتيجي من الأدوية الذي أكد عليه الملك محمد السادس.

وأضاف أن الفريق تفاجأ ببرمجة اجتماع جديد بسرعة بعد الجدل الذي رافق مناقشة مشروع قانون المالية بشأن صفقات الأدوية. وشدد على ضرورة مناقشة الطلبات الموضوعة سابقا واحترام مقتضيات النظام الداخلي، مشيرا في الوقت نفسه الى وجود طلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الموضوع.

ورحب عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بدعوة الحكومة الى عقد اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية استنادا الى المادة 134 من النظام الداخلي، مؤكدا ان المجموعة ستحضر الاجتماع وستقدم ملاحظات “اكثر وضوحا وقوة”.

وفي الاتجاه نفسه، شدد عبد الله بووانو على أن حضور الاجتماع المرتقب يوم الأربعاء المقبل لا يلغي الحاجة الملحة الى لجنة تقصي الحقائق حول صفقات الأدوية.

ولفت بووانو في نقطة نظام مماثلة، إلى  الحكومة قدمت روايتها بخصوص الملف، بينما توجد معطيات أخرى لا يمكن الكشف عنها إلا عبر هذه الآلية الدستورية. وأكد أن اللجنة ستتيح الاستماع إلى جميع الاطراف المعنية دون استثناء، وهو ما يعتبره خطوة ضرورية لتحديد حقيقة ما يجري في صفقات الأدوية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.