صعوبات التمويل وممارسات الأداء تضع المقاولات المغربية أمام شبح الإفلاس
قفزة مقلقة لأعداد المقاولات المغربية التي توقف نشاطها الاقتصادي كشف مكتب “أنفوريسك” مزود البيانات المالية حول شركات المملكة، إذ أفاد بأن شبح الإفلاس خيّم على 7 آلاف و659 مقاولة خلال النصف الأول من السنة الجارية، أي بارتفاع 14 في المائة مقارنة من السنة الماضية؛ فيما تصدرت المقاولات الصغرى قائمة الشركات المفلسة بنسبة 99,3 في المائة.
وكانت الأرقام الصادرة عن المكتب سالف الذكر قد رصدت إفلاس أزيد من 14 ألف شركة مغربية خلال السنة الماضية، في حين يتوقع “أنفوريسك” أن يصل عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها بمتم السنة الجارية إلى 16 ألف شركة.
وبينما يؤكد المحللون الاقتصاديون أن هذه الوضعية هي نتيجة أسباب وعوامل متعددة تتجاوز “ضعف ولوج المقاولات المفلسة إلى التمويلات البنكية إلى وقوعها ضحية الضغط المالي الذي تفاقمه مشاكل التأخر في الأداء”، يلفتون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة تدحر خطر الإفلاس الذي يتربص بالمقاولات الصغرى على وجه الخصوص.
صعوبات التمويل
محمد جدري، محلل وخبير اقتصادي، أكد بداية أنه “من المرتقب أن تتضاعف أرقام المقاولات المغربية المفلسة التي أعلن عنها “أنفوريسك” بنهاية السنة؛ فمعدل إفلاس المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة التي تشكل عصب النسيج المقاولاتي المغربي، لوحدها، بات يصل إلى 17 ألف مقاولة سنويا”.
وأضاف جدري، في تصريح لهسبريس، أن “نسبة مهمة من المقاولات المغربية تفلس بعد ثلاث سنوات فقط من بدء نشاطها، بالنظر إلى أسباب متعددة؛ منها تدهور القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات في السنوات الأخيرة ما يسبب تراكما دائما للسلع والخدمات التي تنتجها هذه الشركات، وضعف استفادة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا بالأساس من طلبيات القطاعات العمومية والجماعات الترابية التي تستأثر المقاولات الكبرى بنصيب الأسد منها”.
وأشار المحلل والخبير الاقتصادي إلى أن “العديد من المقاولات الصغرى والصغيرة جدا تجد صعوبة في الولوج إلى التمويلات البنكية؛ بالنظر إلى نسب الفوائد المرتفعة التي تظل فوق طاقة هذه المقاولات التي تكون في حاجة ماسة إلى القروض والمواكبة المالية من قبل الدولة، خاصة في السنوات الأولى من بدء نشاطها”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “تحسين الوضعية المالية للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا يتطلب الابتعاد عن إدماجها في السياسات الموجهة إلى المقاولات المتوسطة؛ لأنهما لا يتشاركان نفس الإشكاليات والتحديات”.
وفي هذا الصدد، دعا إلى “اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتكاملة الموجهة حصرا لفائدة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، خاصة على مستوى تسوية وضعياتها الجبائية وتسهيل ولوجها إلى التمويلات البنكية”.
تماطل الأداء
يوسف الكراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، قال إن “النسب المرتفعة لإفلاس المقاولات في المغرب، التي كشف عنها “أنفوريسك”، راجعة إلى عوامل عديدة نبّه المتتبعون للشأن الاقتصادي إلى خطورتها منذ سنوات؛ وأولها استمرار تأخر المقاولات الكبرى في أداء المبالغ المستحقة عليها لفائدة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا التي تقدم لها خدماتها في إطار المناولة، وهو ما يفاقم الضغط المالي على هذه المقاولات محدودة الخزينة أصلا”.
ولفت رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، في تصريح لهسبريس، إلى أن “المقاولات الكبرى لا تزال تلجأ إلى أساليب تسمح لها بالتماطل في الأداء وتجاوز أجل 60 يوما الذي حددها القانون؛ عبر الضغط على المقاولات الصغرى والصغيرة جدا مناولة الخدمات، للقبول بآجال أداء تفوق 90 يوما أحيانا”.
وأيّد كراوي الفيلالي ما ذهب إليه جدري بخصوص “استفادة عدد محدود من المقاولات الصغرى والصغيرة من صفقات القطاع العمومي؛ بالنظر إلى أن هذه المقاولات لا تستوفي الشروط اللازمة والتنافسية المطلوبة في سوق هذه الصفقات، ما يجعلها عاجزة دائما عن تحقيق رقم معاملات مهم يضمن لها تمويل عجلتها الاستغلالية”.
وأشار المتحدث ذاتها إلى أن “هذه المقاولات تفلس أيضا لأنها غير قادرة ماليا على القيام بعمليات الاستثمار في توسيع أنشطة الإنتاج والرفع من جودة وتنافسية خدماتها داخل السوق الوطنية؛ بل أكثر من ذلك تلجأ إلى توجيه مختلف القروض عالية الفائدة التي حصلت عليها نحو تغطية مصاريف العجلة الاستغلالية، من أداء السومة الكرائية وأجور الموظفين والعاملين”.
المصدر: هسبريس