“صرخات من الهامش”.. تاشفين يحذر من تدمير “القبيلة” وينتقد شقق الـ50 متر (فيديو)

قال الناشط الحقوقي سعيد ألعنزي تاشفين إن القبيلة شكلت على مر التاريخ عنصرًا محوريًا في البناء الاجتماعي والسياسي للمغرب، مشيرًا إلى أنها لعبت أدوارًا حاسمة، بدءًا من المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، وصولًا إلى المساهمة في تأسيس الحضارة الواحية وإدارة الموارد الطبيعية، مؤكدا أن التحولات التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة أضعفت مكانة القبيلة لصالح الدولة الحديثة، مما أفرز تحديات اجتماعية وثقافية عميقة.
وأوضح ألعنزي في الحلقة العاشرة من برنامج “صرخات من الهامش” الذي يبث على منصات “العمق”، أن الحديث عن القبيلة في السياق المغربي يحيل إلى ما وثقته السوسيولوجيا الكولونيالية حول التنظيم القبلي، خاصة عبر دراسات أنثروبولوجية أجراها باحثون مثل ميشو بلير، وجاك بيرك، وروبر مونتان. وأكد أن الجنوب الشرقي، أو ما يعرف بأسامر، كان موضع اهتمام خاص من قبل الرحالة والمستكشفين الكولونياليين الذين سعوا لفهم بنية القبيلة وتحليل أنظمتها الاجتماعية.
وأشار إلى أن الدور الأبرز للقبيلة في التاريخ الحديث تجلى في مقاومة الاستعمار الفرنسي، مبرزًا أن القبائل لم تكتفِ بالحراك السياسي، بل حملت السلاح دفاعًا عن سيادة الوطن. وأضاف أن معارك بارزة مثل بوكافر سنة 1933 بقيادة عسو باسلام، ومعركة بادو التي خاضتها قبائل أيت مرغاد وأيت حديدو، فضلًا عن معارك تازكازاوت وأمكلاكال وبوذنيب، أثبتت قدرة القبائل على التصدي للمحتل في لحظات فارقة من تاريخ المغرب.
كما أكد ألعنزي أن دور القبيلة لم يقتصر على الجانب العسكري، بل ساهمت أيضًا في بناء الحضارة الواحية، حيث قامت بتشييد القصور والقصبات، وإدارة المياه وفق نظام عرفي صارم يراعي مبدأ العدالة في التوزيع. وأضاف أن القبيلة تولت تنظيم العمل الزراعي، وحفظ التقاليد الثقافية، وحل النزاعات المجالية، مما أتاح توازنًا اجتماعيًا استمر لعقود طويلة.
وقال إن استقلال المغرب وبدء تأسيس الدولة العصرية أسهما في تراجع مكانة القبيلة بشكل تدريجي، موضحًا أن صلاحياتها انتقلت إلى مؤسسات حديثة مثل الجماعات المحلية، مما أدى إلى تهميش دورها التقليدي. وأشار إلى أن هذا التحول خلق معضلة الانتقال غير المتوازن بين بنية اجتماعية قديمة كانت تقوم على التضامن الجماعي، ونظام جديد تحكمه الدولة المركزية والبيروقراطية.
وأضاف أن هذا التغيير أدى إلى تفكك العلاقات الأسرية التقليدية، حيث أصبحت الأسرة النووية (المكونة من الوالدين والأبناء فقط) هي النموذج السائد، مقابل تراجع الأسرة الممتدة التي لطالما كانت سمة المجتمع المغربي. كما أوضح أن التوسع العمراني وتسليع السكن ساهما في تقلص المساحات السكنية، ما أثر سلبًا على التماسك الاجتماعي، وحرم الأفراد من التواصل الطبيعي الذي كانت توفره البيئة القبلية.
وأكد الباحث في سوسيولوجيا الهوية أن المغاربة اليوم يجدون أنفسهم أمام تحديات جديدة، حيث بات عليهم الموازنة بين الانخراط في الدولة الحديثة والحفاظ على قيمهم وتقاليدهم العريقة. وأوضح أن الرأسمالية المتوحشة، والتغيرات العمرانية، والاختلافات الثقافية بين الأجيال، كلها عوامل ساهمت في إعادة تشكيل ملامح المجتمع.
وتساءل ألعنزي: هل يمكن إعادة إحياء بعض قيم القبيلة في إطار الدولة الحديثة؟ وكيف يمكن الحفاظ على الروابط الاجتماعية في ظل التحولات المتسارعة؟ مؤكدا أن مستقبل المغرب لا يكمن في إقصاء القبيلة أو التغني بالماضي، بل في بناء نموذج يدمج بين التقاليد والتحديث، بشكل يحفظ الهوية الوطنية دون عرقلة مسار التطور. وختم بالقول إن الرهان الحقيقي اليوم هو إيجاد صيغة تضمن استمرار روح التضامن الجماعي، مع ضمان الانسجام مع متطلبات العصر الحديث.
المصدر: العمق المغربي