“صرخات من الهامش”.. تاشفين: أراضي الجموع فرصة تمنح للأثرياء ويحرم منها ذوي الحقوق

أكد الناشط الحقوقي والباحث في سوسيولوجيا الهوية، سعيد ألعنزي تاشفين، أن أراضي الجموع تمثل فرصة تاريخية للمغاربة لتحقيق التنمية، لكنها تُمنح للأسف للأثرياء المحظوظين، في حين يُهمَل ذوو الحقوق، أبناء المقاومين والمناضلين، ويُتركون خارج هذه الفرصة.
وخلال حلقة جديدة من برنامج “صرخات من الهامش”، الذي يُبث على منصات جريدة “العمق” خلال شهر رمضان، أوضح تاشفين أن المغرب يتوفر على نحو 20 مليون هكتار من أراضي الجموع، وتستحوذ جهة درعة تافيلالت على الحصة الأكبر منها، نظرا لخصوصية بنيتها العقارية.
وأشار إلى أن “الأراضي السقوية وشبه السقوية في المناطق البورية والسهلية، إضافة إلى أراضي الصوديا والصوجيطا، وُزّعت على المستثمرين الكبار وكبار الفلاحين، بينما ظلت جهة درعة تافيلالت، التي تمتلك مساحات شاسعة تفوق مساحات دول بأكملها، دون استثمار حقيقي يعود بالنفع على الساكنة المحلية”.
وأضاف أن الاحتجاجات المطالبة بأراضي الجموع أصبحت منتشرة في مختلف مناطق المغرب، حيث شهدت مؤخرا مسيرات نسائية ورجالية في إحدى مناطق إقليم الرشيدية تندد باستيلاء أحد الأشخاص على أراضي الجموع، إلى جانب احتجاجات مماثلة في محاميد الغزلان، إميضر، تنغير، كلميمة، وتنجداد، وجميعها تطالب بحماية هذه الأراضي من الترامي والاحتكار.
وتساءل ألعنزي: “هل هذه الديناميات مؤشر إيجابي أم سلبي؟”، ليجيب بأنها مؤشر إيجابي يعكس تمسك المغاربة بأراضي أجدادهم، إذ لا يتعلق الأمر بصراع عقاري فحسب، بل بقضية انتماء وهوية، حيث يرفض أبناء درعة تافيلالت، كما أبناء المغرب عموما، التساهل مع استحواذ المحظوظين على أراضيهم.
وأكد أن المفارقة الصادمة تكمن في أن أبناء هذه المناطق لا يستطيعون الحصول على 200 متر مربع لبناء منزل، بينما يستحوذ آخرون على آلاف الهكتارات، وينشئون صهاريج لتخزين المياه، ويحصلون على دعم من برامج “المخطط الأخضر” سابقا و”الجيل الأخضر” حاليا، فضلا عن إعانات ضخمة، ورغم ذلك يُعفون من الضرائب! مشددا على أن هذا الوضع غير عادل، ويتطلب تدخلا عاجلا من صناع القرار.
ولفت إلى أن الاقتصاد في درعة تافيلالت يعتمد على نمط معيشي بسيط قائم على “الاقتصاد الاجتماعي التضامني”، حيث تعيش الأسر على الإنتاج المحلي، فتبيع القليل، وتستهلك القليل، وتدخر القليل. فالمرأة القروية، على سبيل المثال، قد تبيع بقرة لتغطية تكاليف تعليم أبنائها أو علاجهم، أو لتسديد فواتير الماء والكهرباء، ومع ذلك ترفض التسول أو انتظار المساعدات. غير أن مأسسة التسول من خلال بعض الجمعيات أدت إلى تكريس ثقافة الاعتماد على الإعانات بدل خلق فرص الإنتاج، وهو أمر غير مقبول.
وأشار إلى أن وزارة الفلاحة لم تستغل التساقطات المطرية المهمة التي شهدتها درعة تافيلالت مؤخرا، والتي حسّنت الفرشة المائية ورفعت منسوب السدود. فقد كان من المفترض أن توزع مليون رأس من الأغنام على الفلاحين الصغار، سواء كهبة أو بأسعار رمزية، لتعويض خسائر القطيع المحلي، لكن ذلك لم يحدث، مستغربا: “كيف لدولة ترفع شعار “الهوية الفلاحية” أن تستورد العلف، الأغنام، الأبقار، الحليب، والزيوت، بينما تهمل دعم الفلاحين الحقيقيين؟”
وأضاف أن الملك محمد السادس، في خطابه حول أراضي الجموع، حدد أربع ركائز أساسية لاستخدام هذه الأراضي، وهي أن تكون في خدمة التنمية، وأن تساهم في خلق طبقة وسطى في العالم القروي، وأن تعود بالنفع على الساكنة المحلية وذوي الحقوق، وأن تُوظف في مشاريع تعود بالخير على الجميع.
غير أن الواقع مختلف تماما، حيث قال الناشط الحقوقي: “إذ يُمنح الأثرياء الحق في الاستثمار في العقارات، المقاهي، الفنادق، وحتى أراضي الجموع، بينما يُحرم ذوو الحقوق من بناء منازلهم. فكيف يُجبر مواطن من ذوي الحقوق على دفع 40 مليون سنتيم لشراء شقة لا تتجاوز 100 متر مربع، بينما كانت عائلته تملك منازل تقليدية بمساحات تفوق 300 متر مربع؟”
وشدد تاشفين على أن غياب قوانين تحمي خصوصيات المناطق الجبلية والواحية يزيد من معاناة السكان، إذ لا يزال المغرب يفتقر إلى قانون خاص بالواحات، وقانون خاص بالمناطق الجبلية، وتفعيل دورية وزير الداخلية لتسهيل مساطر البناء في العالم القروي.
وأشار إلى أن العديد من المواطنين في مناطق مثل أملاكو، كلميمة، وتنجداد يواجهون قرارات الهدم عند محاولتهم بناء منازل فوق أراضيهم، رغم أن تمويل البناء يأتي من مدخراتهم الخاصة أو تحويلات أبنائهم المغتربين. وبدل تشجيعهم على الاستقرار، يتم دفعهم نحو الهجرة إلى المدن والعيش على المساعدات، مما يهدد بنية المجتمع القروي وثقافته.
المصدر: العمق المغربي