صحافي فرنسي: الرئيس الجزائري الأضعف والأقل نشاطا وأدخل البلاد في عزلة
تحت عنوان: الانتخابات الرئاسية في الجزائر إلى الأمام سر… نحو الركود! كتب جان بيار سيريني، صحافي، ومدير سابق لمجلة “لو نوفيل إيكونوميست” Le nouvel Economiste ورئيس تحرير سابق لمجلة “الإكسبريس”. L’Express مقالا نقديا لولاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، معتبرا أنه الأضعف والأقل نشاطا من بين الرؤساء السبعة الذين حكموا الجزائر منذ استقلالها قبل 62 عامًا، وهو سبب إضافي للسعي إلى عهدة ثانية في 7 سبتمبر 2024! وقال « يعود الفضل في تعيين تبون، وهو أول رئيس للبلاد لم يشارك في حرب الاستقلال (19541962) بسبب صغر سنه، إلى تآلف مجموعة من الظروف الاستثنائية »… فيما يلي أهم ما جاء في المقال الذي نشرته أوريان 21.
تخرج تبون من المدرسة الوطنية للإدارة المحلية في سن الخامسة والعشرين، وأصبح واليًا في سن الأربعين، ووزيرًا بعدها بخمس سنوات، وفي ربيع عام 2017 وجد نفسه على رأس الحكومة، وكانت ترقية قصيرة الأمد بقدر ما كانت غير متوقعة. ويعود الفضل في ذلك إلى دعم قائد الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، الذي كانت شوكته في تصاعد أمام عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس المريض والغائب عن المشهد بشكل متزايد. وبعد أقل من ثلاثة أشهر، طُرد عبد المجيد تبون بشكل مهين من الوزارة الأولى، فصار نسياً منسيًّا لدى الرأي العام. غير أن فترة الأفول هذه كانت قصيرة، بالكاد سنتين. وعلى إثر فشل مشروع العهدة الخامسة لبوتفليقة، الذي عارضه الشارع بين فبراير، ومارس 2019، فُتحت طريق السلطة أمام اللواء قايد صالح الذي عينه كمرشحه للرئاسة.
بعد أقل من شهر من انتخابه الشاق، توفي حامي تبون (قايد صالح) إثر جلطة مفاجئة، ووجد الرئيس الجديد نفسه معزولاً، محاطاً بقائد الأركان الجديد، الجنرال السعيد شنقريحة. وتم القضاء على أتباع قايد صالح الذين ذهبوا ضحية عملية تطهير قاسية لم تستثن لا المدنيين ولا العسكريين. ويُعد تبون أحد الناجين القلائل.
منزويا في العاصمة
هل فُرض هذا الوضع عليه أم كان تكتيكاً متعمّداً من طرفه؟ في جميع الأحوال، صار حضور الرجل شبه سريّ في الرئاسة، منزوياً في العاصمة، محاطاً بأوفياء نادرين. ولم يقم بزيارة الولايات الداخلية إلا مرتين خلال ما يقارب خمس سنوات. كما تجنّب الرئيس الجزائري حضور كل القمم العالمية مع الصين ومع الولايات المتحدة أو مع مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وإفريقيا الجنوبية)، التي أجلت، بشكل مهين، النظر في ترشح الجزائر. لا يتكلّم تبون كثيراً، لغته العربية بليدة، وكذلك هي فرنسيته، يهجئ قراءة خطاباته ويتعثر أمام كلمات معقدة بعض الشيء. لم يلق سوى خطبة واحدة إلى الأمة خلال عهدته وهو يفضل رفقة أصحاب الجرائد بدلاً من الصحفيين. يستقبلهم بانتظام، ويتم بث تصريحاته بعد يومين أو ثلاثة، وهي الفترة التي تقوم فيها التلفزة الحكومية بتنقيتها في شكل مقتطفات قصيرة وفي أحسن الأحوال كشعارات. استهدفت أهم قراراته التي اتخذها أو التي تُنسب إليه، مسؤولين يقوم بتنحيتهم بانتظام، فيتغير وزيره الأول كل سنة أو تقريبا، ويتعرض الدبلوماسيون والقضاة والولاة ومحافظو الشرطة لعمليات تطهير تعلن عنها الصحافة المأمورة بصخب كبير.
الحقيقة أن الحصيلة كارثية، سواء بالنسبة له أو بالنسبة للعسكر، إذ شهد النظام الفترة الأكثر قمعاً في تاريخه القصير. فالحريات العامة القليلة أصلاً، أصبحت شبه معدومة. يتم سجن الآباء لإجبار الأبناء الفارين على تسليم أنفسهم للسلطات. كما يتم قمع الصحفيين وتُغلق الصحف إثر مناورات لا تنطلي على أحد، ويُسجن أصحابها. أما الممولون، فيتعرضون للتهديد لثنيهم عن ذلك. وينتظر الأجانب، سواء كانوا من الإعلام أو من عالم المنظمات غير الحكومية، أشهراً طويلة تأشيرة الدخول التي نادراً ما تُمنح لهم. كما تواجه الأقليات البربرية، في منطقة القبائل أو وادي ميزاب، ريبة ممنهجة تضاهي محاكم التفتيش، من قبل مصالح الأمن الحاضرة بقوة. أما عدد السجناء السياسيين، فهو أكبر من أي وقت مضى. وتتميّز كذلك هذه الفترة بحياة فكرية متوقفة، إذ أن 90 % من الكتب المنشورة دينية، أما البقية، فتتعلق بحرب الاستقلال، وهو الموضوع الثاني الذي يُلهم النظام. فراغ رهيب يجعل الشباب، بما في ذلك المتخرجون، يهجرون البلاد بحراً، حيث إن خط مستغانمالجزيرة الخضراء (إسبانيا) يعمل بكل طاقته، بشكل غير قانوني تماماً، بمجرد أن يهدأ المتوسط.
عزلة دولية
يبدو أن تبون كان يأمل في مسافة أكبر من الجنرالات، معتمداً في ذلك على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد تم التحضير في عدة مناسبات لزيارة باريس، قبل أن تُلغى دون أي تفسير. وتعيش الجزائر عزلة دبلوماسية غير مسبوقة. ويُقال إن الرئيس تراجع عن الذهاب إلى القمة العربية الأخيرة في البحرين في مايو 2024 لأن واحداً فقط من مجموع نظرائه العرب كان مستعدًّا لمقابلته على انفراد.
أما المملكات الخليجية الثرية، والتي تفرض نفسها الآن في الجامعة العربية وخارجها، فهي تتجاهله تماماً، … ومن المفارقات أن الانسحاب المخزي للجيش الفرنسي من منطقة الساحل أضر بعلاقة الجزائر بجيرانها في الجنوب. وتلوم مالي تبون جهاراً، وتتهمه بدعم قضية الطوارق المتمردين على باماكو. أما النيجر، التي يُفترض أن يمر عبرها أنبوب الغاز المستقبلي بين نيجيريا وأوربا، فهي تدين الطرد اللاإنساني لآلاف المهاجرين الذين يتم ترحيلهم ورميهم وسط الصحراء.
الأسعار تلتهب بشكل غير مسبوق
وعد تبون بالتغيير خلال حملته الانتخابية القصيرة منذ خمس سنوات تقريبا. فشل ذريع كذلك في هذا المجال، بدءا من الحياة اليومية للجزائريين! تلتهب الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث تباع دجاجة بائسة بألفي دينار في الجزائر العاصمة، أي ما يساوي 10 في المائة من الحد الأدنى للأجور الذي بالكاد يصل إلى 80 دولارا بسعر الصرف الموازي. لا تواكب الأجور التضخم المتفشي. ووفقاً للديوان الوطني للإحصاء، يزداد الدخل بمعدل 1,5 في المائة سنويا على حساب القدرة الشرائية الشعبية. وحتى الطبقات العليا لم تعد قادرة على تدبر أمرها.
يقول محامٍ ميسور يعمل في العاصمة ويعيش على بعد 25 كلم عنها: “يتطلب مني الأمر ساعة للوصول إلى العاصمة، لتوصيل زوجتي التي تعمل هنا، ثم توصيل طفليّ المسجلين في مدرسة خاصة مما يضيف 30 دقيقة”. فهو يقضي أكثر من 3 ساعات يوميا في اختناقات المرور وعلى الرغم من أن له دخل مريح، ليس له حل آخر. لا وجود لقطارات الضواحي مثلما هو الحال في المدن العالمية الكبرى، أما الحافلات، فلا وجود لأي توقيت وصول يُذكر.
أما الخدمات الصحية فمتدهورة، سكان الريف مبعدون فعليًّا من مستشفيات الجزائر العاصمة، أما العيادات الخاصة فأسعارها باهظة. ولا تساعد سياسة الأجور التي ينتهجها النظام في شيء، حيث هناك 3 ملايين عاطل عن العمل يتقاضون 70% من الحد الأدنى للأجور مقابل لا شيء، مما يشجع الخمول الجماعي دون أن يقلص من الهجرة غير الشرعية. وكما جرت العادة، تم الإعلان عن زيادات الرواتب ومعاشات التقاعد في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 7 سبتمبر. وهي زيادات يبتلعها التضخم كالمعتاد.
ركود اقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي، تبخرت الاستراتيجية الجديدة المتمثلة في الابتعاد عن المحروقات، التي تمثل 60% من الإيرادات الضريبية وأكثر من 90% من عائدات النقد الأجنبي، وكذلك عن الإنفاق العام، كقوتين دافعتين للاقتصاد، والتوجه نحو نموذج أكثر تنوعًا وديناميكية. لقد تقاعد آخر التكنوقراط الذين كانوا لا يزالون يؤمنون بذلك، ويبقى النفط والغاز ثديي جزائر تبون! عندما تتجاوز الأسعار 100 دولار للبرميل الواحد، تتحسن الأوضاع المالية، فيلتهم المقرّبون حصتهم بشراهة أكبر من المعتاد، ولا يبقى للغالبية العظمى من الشعب سوى الفتات. لكن ارتفاعاً كهذا في الأسعار حدث مرة واحدة فقط خلال عشر سنوات، في عام 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا. أما بقية الوقت، فهو يتميز بحالة ركود. لم تغر التسهيلات الجبائية التي تضمنها القانون المنظم لنشاطات المحروقات لعام 2019 المستثمرين الدوليين كما كان متوقعًا. وتطالب إكسون موبايل الأمريكية، الشركة الأولى عالميا في مجال المحروقات التي تسعى الجزائر لجلبها للتنقيب عن الغاز الصخري في الصحراء، بمزيد من التخفيض في الضرائب.
هل تبون هو الرجل المناسب؟
في ظل هذا النظام العسكري الذي صار معلَناً، حيث يسيطر الجنرالات على كل من رئاسة الجمهورية ومصالح المخابرات والأمن، لم يعد التوازن غير المستقر بين المؤسسات الثلاث موجوداً كما كان في الماضي. ويشرح دبلوماسي: “يعمل المدنيون تحت الرقابة الصارمة للعسكر”. ويفتقر المسؤولون الوزاريون، المنحدرون جميعاً من الإدارة، إلى الإلهام والرؤية لتصور مستقبل مختلف. فهم يعيشون الحاضر في خوف مستمر من إثارة غضب العقداء الذين يراقبونهم.
يقول أحد المطلعين: “لا يكترث الرأي العام بمن يمثله في مسرح الظل هذا، يمكنهم ترشيح أي شخص للانتخابات”. في ربيع 2023، تساءل الجنرالات إن كان تبون الرجل المناسب. وقد خصّص صحافي شجاع، وهو إحسان القاضي، مقالاً مستنيراً للموضوع في موقعه الإلكتروني راديو أم1. وقد جنى بسبب ذلك حكماً بالسجن لخمس سنوات! ما أبعد زمن الحراك، حين كان ملايين الجزائريين يطالبون كل يوم جمعة بالعودة إلى حكم مدني، معلنين عن رفضهم لهذه “الأمة الثكنة” التي يذكرها الكاتب الجزائري سمير قسيمي بصخب في روايته الساخرة الأخيرة المترجمة عن العربية “الحماقة كما لم يروها أحد”. لقد ساهم وباء الكوفيد 19 في ربيع 2020 في خنق الحراك، ولكن إلى متى؟
المصدر: اليوم 24