اخبار المغرب

“شُوهِد من قبل” .. مشاعر مثيرة للدهشة تربك الذاكرة وتوهم بتجربة سابقة

يفاجأ كثير من الناس بشعور غريب بأنهم رأوا مشهدًا أو عاشوا موقفًا معينًا من قبل، رغم أنهم يمرّون به للمرة الأولى، وهي الظاهرة التي تُعرف بـ”شُوهد من قبل” أو “vu Déjà” أو “وهم سبق الرؤية”، التي تُعد من الظواهر المثيرة للدهشة، إذ تخلق إحساسًا قويًا بعبور سابق في لحظة تُعاش حاليًا لأول مرة.

وتثير هذه الظاهرة نقاشًا واسعًا حول أسبابها المحتملة، ومدى ارتباطها بمجالات مختلفة كطب العيون والطب النفسي، فيما تُطرح تساؤلات كثيرة حول ما إن كان تكرارها بشكل ملحوظ يستدعي القلق، أم أنها مجرّد لقطات عابرة لا تشكّل أي خطر على الصحة.

اختلاط الواقع بالذاكرة

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “الموقف الذي يثير الـ”Déjà vu” قد يكون مشابهًا لتجربة سابقة مرّ بها الفرد، لكنها لم تُسجَّل بوضوح في الذاكرة الواعية، بل احتُفظ بها في اللاوعي، وعندما يتكرر مشهد أو شعور يشبه تلك التجربة يطفو الإحساس من اللاوعي، ويشعر الشخص كما لو كان قد عاشه من قبل، دون أن يعرف متى أو كيف”.

وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس، أن “الدماغ يعمل على ترتيب الأحداث زمنياً بسرعة فائقة، وأحيانًا يحدث تأخير بسيط في تحليل المعلومة، فبدلاً من أن تُسجّل على أنها “تحدث الآن” تُسجّل كأنها “حدثت قبل لحظة”، مما يخلق شعورًا غريبًا بأن الحدث تكرر”.

وأشارت إلى أنه “في علم النفس التحليلي قد يُفسَّر “وَهم سبق الرؤية” بأنه انعكاس لرغبة الإنسان في إيجاد معنى أو ترتيب في الحياة، فعندما يشعر بالارتباك أو عدم السيطرة على محيطه قد يُنتج دماغه وهمًا بأن هذا المشهد مألوف وكأنه يريد طمأنته أن الأمور تحت السيطرة”.

ولفتت الفضل إلى أنه “عندما يكون الذهن شاردًا أو في حالة تشتت قد يسجل الدماغ تفاصيل الموقف دون وعي كافٍ، ثم عندما يعود التركيز يبدو كما لو أن التجربة تكررت، فيشعر الشخص بأنها مألوفة مسبقًا”، مضيفة أنه “في علم النفس التحليلي يُنظر إلى هذا المسألة أحيانًا كدليل على رغبات مكبوتة أو ذكريات الطفولة المبكرة التي لم تُفهم أو تُعبّر عنها، فتعود عبر رموز أو مشاعر في مواقف مشابهة”.

الخطورة وسبل الحماية

وأشارت المعالجة النفسية الإكلينيكية إلى أنه “يُعتقد أن سبب هذا الأمر يعود إلى تداخل مؤقت بين عمليات الذاكرة القصيرة والطويلة الأمد في الدماغ، فيحدث نوع من الارتباك العصبي، الذي يجعل العقل يسجل لحظة جديدة كما لو كانت ذكرى قديمة”، مضيفة أنه “من حيث التفسير النفسي العصبي، يربط بعض العلماء المسألة بآلية التأكد من الواقع التي يستخدمها الدماغ للتحقق من صحة المعلومات الحسية، وقد يحدث بها خلل لحظي”.

وبخصوص خطورة ظاهرة “Déjà vu”، قالت الفضل: “في الحالات العادية تعتبر هده الظاهرة غير ضارة، وتحدث بشكل نادر، لكن إذا تكررت بكثرة أو كانت مصحوبة بأعراض أخرى مثل فقدان الوعي أو نوبات تشنج أو تغيرات في الذاكرة، فقد تكون مؤشراً على مشكلات عصبية مثل الصرع في الفص الصدغي، واضطرابات في الإدراك أو حتى بعض الاضطرابات النفسية كاضطراب القلق أو التوتر المزمن”.

وفي سؤال حول كيفية الحماية أو التقليل من الظاهرة، أشارت المعالجة النفسية إلى ضرورة “الراحة والنوم الجيد، وتقليل الإجهاد الذهني والتعب الجسدي، وتنظيم نمط الحياة، والتغذية السليمة، والابتعاد عن المنبهات، وممارسة الرياضة، والانتباه إلى الصحة النفسية عبر إدارة التوتر والقلق بشكل سليم”، مشددة على أهمية “استشارة طبيب مختص إذا تكررت الظاهرة بشكل مبالغ فيه أو كانت مصحوبة بأعراض عصبية”.

رسائل بصرية ودماغية

وبخصوص من يربط هذه الظاهرة بالحالة الصحية للعيون، قال الدكتور حاتم السكتاني، اختصاصي في طب العيون، إن “ظاهرة “Déjà vu”، التي يشعر خلالها الشخص وكأنه عاش الموقف سابقًا، ليست من الأعراض التي ترتبط باختصاص طب العيون”.

وأبرز أن “الأمر يرتبط بالعرض الصدغي، أي الطرف الجانبي من المخ، الذي قد يرسل رسائل توحي برؤية مسبقة لحادثة معينة”، مشيرا إلى أن “المسألة تتعلق بخلل وظيفي يعكس عطلا في بعث الرسائل إلى الدماغ، أي أن الرسائل تصل في أوقات مختلفة ومتباعدة، فيتخيل الشخص رؤية مسبقة الأشياء، في حين أن المسألة مجرد خلل في التوقيت بين مسالك الرسالة الواحدة في الدماغ”.

وأضاف الطبيب ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “من المفترض أن تصل الرسائل في وقت واحد، لكن لأسباب متعددة، كالقلق وقلة التركيز، تكون بمثابة إشعار بوجود مرض عضوي كالصرع والنزيف والأورام، لذلك إذا تكررت الظاهرة وجب الفحص المبكر عند طبيب الأعصاب والدماغ”.

وختم السكتاني توضيحاته بالتذكير بأن “ظاهرة الإبصار لها ثلاثة مكونات: حسية ومعرفية ونفسية، وكلّ خلل في التنسيق بين هذه المكونات يمكن أن يتمثّل على شكل أعراض مختلفة، من بينها الرؤية المسبقة للأشياء”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *