وصف عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان (منظمة أفريكا ووتش)، مخيمات تندوف بـ “السجن الكبير المفتوح” يضم آلاف الصحراويين المهجرين قسرا أو المولودين فيها، بالإضافة إلى أشخاص جرى جلبهم، بهدف استغلالهم كورقة تفاوض.
وأوضح الكاين في حوار مطول مع جريدة “العمق” أن إنشاء هذه المخيمات لم يراعِ المعايير الدولية لإيواء اللاجئين أو النازحين، حيث تم حشر القاطنين في منطقة قاسية وعزلهم عن المجتمع الجزائري، مما أثر سلباً على ظروفهم الإنسانية والمعيشية، على عكس ما تقتضيه المعايير الأممية لضمان الأمان والكرامة والاعتماد على الذات.
وحمّل الخبير في الشأن الصحراوي السلطات الجزائرية مسؤولية عدم احترام التزاماتها الدولية بتوفير الأراضي المناسبة والأمن، وربطت مصير السكان بالمساعدات متجاهلة حقوق الإنسان.
وأشار نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية إلى أن حالة الحقوق بالمخيمات “سجل أسود” يتفاقم يشمل انتهاكات جسيمة كالقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري، مع صعوبة تحقيق العدالة بسبب التعتيم الجزائري وغياب الإشراف الدولي الفعال، إضافة إلى وضعية انعدام الجنسية وضعف الوضع الأمني. ودعا إلى مواصلة فضح هذه الممارسات ورصدها لضمان حماية القاطنين.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
أهلا بك السيد عبد الوهاب الكاين، تقدمون في مختلف وثائقكم صورة قاتمة لواقع وظروف قاطني مخيمات تندوف. دعنا نبدأ بالصورة العامة لهذه المخيمات. كيف تصف واقع مخيمات تندوف اليوم؟ وما هي المجموعات البشرية المختلفة التي تقطنها، وما هو الهدف الاستراتيجي وراء هذا التجمع السكاني بهذه المنطقة حسب تحليلكم؟
توصف مخيمات تندوف بكونها سجنا كبيرا مفتوحا يحوي الالاف من الصحراويين الذي هجروا من أماكن سكناهم الاعتيادية بالأقاليم الجنوبية منذ منتصف السبعينيات أو ممن ولدوا بالمخيمات، أو في إطار عمليات إغراق تندوف بأشخاص من الجنوب الجزائري وشمال موريتانيا ومالي، لضمان ولاء كتلة بشرية يتم التفاوض بها كلما اشتد الخناق على تنظيم البوليساريو للتوصل لحل سياسي متفاوض بشأنه لإنهاء معاناة محتجزي المخيمات.
فيما يتعلق بكيفية إنشاء هذه المخيمات، هل هناك احترام للمعايير الدولية وما هي أبرز هذه المعايير، وكيف تصف الظروف الإنسانية والمعيشية في المخيمات ؟ وهل ترى أن اختيار موقع المخيمات كان قرارا يصب في مصلحة قاطنيها؟
إن الحديث عن واقع والظروف الإنسانية لقاطني مخيمات تندوف، يستلزم التطرق لكيفية إنشاء المخيمات، لأن المطلوب في هذه الحالة، ليس تكديس مجموعة بشرية في منطقة لا تتوفر على على شروط الإنسانية والعيش الكريم، وإنما بناء مخيمات تؤوي نازحين او مهجرين قسريا أو أشخاصا عديمي الجنسية، وذلك في إطار سعي وكالات الأمم المتحدة المتخصصة للاستجابة السريعة لحاجياتهم الإنسانية من مأكل ومشرب ومسكن. وعلى عكس ما وقع بمنطقة تندوف جنوب غربي الجزائر، فإن المعايير الدنيا الواجب الاسترشاد بها لبناء المخيمات المخصصة لإيواء اللاجئين والنازحين، تتوخى في مجملها إتاحة الفرصة للعيش في أمان وكرامة وبصحة جيدة، وفي سياق يضمن شروط تحسين جودة الحياة وتلبية الحاجيات الضرورية للمعيش اليومي، وكذا تخطيط برامج لدعم الصمود وابتكار طرائق للاعتماد على الذات وابداع حلول مستدامة تقلل من الاعتماد على المساعدات.
ونعتقد أن اختيار موقع إنشاء المخيمات، يعد قرارا حاسما لما له من أثر على حماية الأشخاص النازحين وصحتهم وأمنهم، ويدخل حشر الالاف من الصحراويين في صحراء لحمادة المتاخمة لتندوف، في إطار عزل السلطات الجزائرية منذ الوهلة للصحراويين عن الفضاء الاجتماعي والمدني الجزائري، لمنع الاختلاط والتكيف مع الواقع المعيش في الحواضر الجزائرية، لكي لا يساهم الصحراويون في التنمية المحلية، بالإضافة الى ما نتج عن إبعاد صحراويي تندوف عن الداخل الجزائري من مخاطر مرتبطة بحمايتهم واختلالات في تقديم المساعدات لهم، ناهيك عن عزلهم عن السياق الجزائري بالكامل، باستثناء السكان القاطنين بتندوف، وهم ذوو أصول صحراوية.
هذا يطرح سؤالا حول مسؤولية الجهات المشرفة. باعتبار الجزائر الدولة المضيفة، ما هو الدور الذي لعبته السلطات الجزائرية في إنشاء وإدارة هذه المخيمات؟ وهل ترى أنها التزمت بمسؤولياتها الدولية فيما يتعلق بتوفير الأراضي المناسبة وضمان أمن وحماية القاطنين؟ وكيف يصف تحليلكم دور تنظيم البوليساريو في الإشراف على المخيمات؟
السلطات الجزائرية لم تحترم قط الالتزام الدولي في وجوب تخصيص أراضي مناسبة لإنشاء المخيمات، ولم تتحمل مسؤولياتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لتوفير أمن الأشخاص فيها، بالرغم من قناعتها أن تلك المنطقة غير مواتية لحماية الصحراويين، ينضاف إلى ذلك الانتقاص من رعاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لهم. وقد ربطت السلطات الجزائرية مصير قاطني المخيمات الصحراويين بالمساعدات منذ الوهلة الأولى، ولم تول اهتماما يذكر لمسألة حقوق الإنسان ووسائل الصمود وتشجيع الحلول المبتكرة للاعتماد على الذات وكذا الوصول الى المياه الكافية والأنشطة الرعوية والزراعية، إضافة الى انعدام التمتع بالحقوق والحماية بشكل متساو بين الأشخاص القاطنين بالمخيمات، وفرض نمط من العلاقات التبعية بينهم وبين الإدارات المشرفة على تدبير المخيمات، دون السماح لهم بالمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر عليهم. غير أن السمة الغالبة هي غياب إشراك الشركاء على الصعيدين المحلي والدولي في تدبير مخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر، إن على مستوى الإشراف العام او تغطية الجوانب الأمنية والقضائية والغذائية وكافة أشكال الدعم الأخرى، حيث يقتصر تدخل المؤسسات الدولية على تلقي المعلومات من تنظيم البوليساريو والجهات التنسيقية الجزائرية، دون اضطلاع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمسؤوليات تنفيذية تذكر تصب في مصلحة الأشخاص المحتجزين بتلك المخيمات.
هذا يقودنا مباشرة إلى الوضع الحقوقي. تصفون في تقاريركم حالة حقوق الإنسان في مخيمات تندوف بأنها “سجل أسود يتفاقم”. ما هي أبرز أنواع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترصدونها في المخيمات ومحيطها؟
لا تخلو سياقات الجزائر ومخيمات تندوف من مستجدات بشأن الوضع الحقوقي بتلك المنطقة على ضوء تواتر أنباء بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بالمخيمات منذ إنشائها، وسط حالة من انعدام الأمن السائدة واختلاط المفاهيم على الكثير من النشطاء والفاعلين المدنيين بالمخيمات وبمناطق أخرى حول مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان وضرورة الانخراط في الدفاع وتعزيز الحماية والوقاية مهما اختلفت أماكنهم أو خلفياتهم ومواقفهم السياسية من الصراع. إن ما ارتكبته قوات الجيش الجزائري وعناصر أمن تنظيم البوليساريو داخل المخيمات وفي محطيها وداخل المدن الجزائرية، من قتل خارج نطاق القضاء واختفاءات قسرية في حق الصحراويين المدنيين القاطنين بمخيمات تندوف، جنوب غربي الجزائر، لا يمكن تصور فظاعته، باعتبار تعدد الانتهاكات البغيضة التي لا يمكن أن تمر دون عقاب.
ذكرتم أيضا أن من النادر ذكر هذه الانتهاكات في تقارير الخبراء الأمميين وأن هناك صعوبة كبيرة في محاسبة المسؤولين. ما هي الأسباب الرئيسية التي تعيق تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات في المخيمات؟ وما هو تأثير غياب الإشراف الدولي المستقل على هذا الوضع؟ ولماذا يظل ملف الاختفاء القسري محاطا بهذا التعتيم؟
نعم من النادر ذكر ما يتعرض له الصحراويون من عمليات قتل خارج نطاق القضاء واختفاءات قسرية وتعذيب وغيره من المعاملات اللاإنسانية او المسيئة والحاطة من الكرامة في تقارير خبراء الأمم المتحدة، لعدم خبرة مجتمع المدافعين عن حقوق الانسان وصمت بعضهم على ما يقع بالمخيمات باستثناء قضية الخليل أحمد أبريه، والذي تم اختطافه من الشارع العام بعاصمة الجزائر في وضح النهار، من طرف عناصر تنتمي لجهاز الأمن السري الجزائري، منذ العام 2009، ولم تعثر العائلة ومنظمات المجتمع المدني على أية معلومة تؤكد بقائه حيا أو تدل على مكان اختفائه او تحدد مصيره، ومرد هذا التعتيم لما يرتكب من اختفاءات قسرية بمخيمات الصحراويين بتندوف، الى محاولة فرض السلطات الجزائر الحصار على ما يقع بالمخيمات من انتهاكات وفي مقدمتها جرائم الاختفاء القسري والقتل العمد، حيث لم يتوصل الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بكل الحالات المسجلة لدى منظمات المجتمع المدني بسبب إغلاق المخيمات امام إجراءات مجلس حقوق الإنسان الخاصة منذ عقدين من الزمن.
وما زالت دولة الجزائر تتستر على القادة المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالاختفاءات القسرية، وتلجأ الى تكثيف التواصل عبر القنوات الدبلوماسية لمنع استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية، وهو ما يلحق ضررا بالغا بحق الضحايا وذويهم في الانتصاف العادل مما تعرض له المختفون قسريا وباقي الضحايا من انتهاكات وحشية. وقد كنا شهودا على لجوء قوات الجيش الجزائري الى المس بالحق في الحياة وارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء، ضد المدنيين الصحراويين بمخيمات تندوف، حيث أقدمت دورية عسكرية جزائرية على رمي شابين صحراويين مدنيين أعزلين بالرصاص من رشاشات كلاشينكوف بدائرة العركوب بمخيم الداخلة يوم 9 أبريل 2025، وسط النساء داخل المخيم، وأردتهما قتلى، ويتعلق الأمر بالشابين سيدي أحمد ولد غلام ولد بلالي والناجم ولد محمود ولد فنيدو. وقد سجل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية عبر مكوناته، ما لا يقل عن 21 حالة إعدام خارج نطاق القضاء أو محاولة إعدام منذ عام 2014. حيث شكل الشباب الصحراوي العامل في أنشطة معيشية، مثل التنقيب عن الذهب أو التجارة على نطاق صغير، أغلبية الضحايا، مما يبرز أن تلك الممارسات المرتكبة خارج أي إطار قانوني في كثير من الأحيان، وهو عنف ممنهج ضد مكونات صحراوية من الفئات الهشة ، دون أي إجراءات قضائية منصفة أو تحقيق مستقل.
هذا يثير نقطة أخرى تناولتها تقاريركم في أكثر من ماسبة، وهي أن غالبية قاطني المخيمات في وضعية انعدام للجنسية. ما هو السبب وراء هذه الوضعية، وكيف يؤثر ذلك على تمتعهم بحقوقهم الأساسية كالحق في التعليم والصحة؟ وهل ترى أن عدم إجراء إحصاء أممي يعمق هذه الإشكالية؟
تعد غالبية قاطني مخيمات تندوف في وضعية انعدام للجنسية، وهو ما يؤثر بشكل قوي على إمكانية تمتعهم بجميع الحقوق الأخرى، بما في ذلك الحق في التعليم والحق في الصحة وغيرها من الحقوق ذات الصلة، حيث رتم صد الالاف من الأشخاص الملتحقين أو المولودين بمخيمات اللاجئين الصحراويين بمنطقة تندوف جنوب غربي الجزائر، منذ إنشاء تلك المخيمات في العام 1975، ولم يخضعوا بمعية أسرهم وذويهم لإحصاء أممي، على قاعدة الحوار الفردي، لمعرفة مناطق سكناهم الاصلية وأسباب هجرتهم أو تهجيرهم أو نزوحهم واستقرارهم بتلك المخيمات على أرض الجزائر، وتحديد الاحتياجات الإنسانية لقاطني مخيمات تندوف. وينتج عن تلك الوضعية الشاذة بفعل عدم إحصاء صحراويي مخيمات تندوف تأثير كبير على المركز القانوني لصحراويي المخيمات، والدفع بهم الى حالات انعدام الجنسية، لعدم توفرهم على وضع قانوني ناتج عن إدراجهم في إحصاء شامل لساكنة المخيمات، يخول لهم بمقتضاه التمتع بالحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين للعام 1951 وبروتوكولها الملحق للعام 1967.
ما الذي تكشفه حادثة اختطاف الشيخ افضيلي سيد أحمد أبو وغيرها عن الوضع الأمني داخل المخيمات؟ وهل هناك مؤشرات أخرى على وجود روابط بين التنظيم المشرف على المخيمات ونشاطات إجرامية؟
جريمة الاختطاف، فعل تتقاطع في ارتكابه البوليساريو بمنظمات الاتجار الدولي للمخدرات. حيث أقدمت عصابة إجرامية تمتهن الاجار الدولي في المخدرات على اختطاف شيخ طاعن في السن يدعى “افظيلي سيد أحمد أبو”، من منطقة المالحات التي تقع حوالي 155 كلم شمال شرق مدينة ازويرات، خلفت ردود أفعال متباينة، ركزت معظمها على شجب وإدانة تلك الجريمة النكراء، وهذا التصرف الدخيل على ثقافة أهل الصحراء والمنافي لمقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وكافة التشريعات الوطنية. فاختطاف شيخ تجاوز الثمانين من عمره جريمة تحرمها كل الشرائع السماوية وعلى رأسها الدين الإسلامي الحنيف، وتجرمها كل الصكوك الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الثانية على أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصهن وكذا المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وهو واقع يضع مالات ضمان الأمن والأمان للأشخاص الصحراويين بمخيمات تندوف موضع تساؤل وقلق، في سياق لا يخضع لرقابة أممية او وطنية بإشراف دولة الجزائر باعتبارها الطرف المضيف للمخيمات.
أخيرا، في ظل كل هذه التحديات والانتهاكات، كيف يواجه المدافعون عن حقوق الإنسان هذا الواقع؟ وما هو الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع الدولي لضمان حماية قاطنيها وكسر حاجز الصمت والتعتيم على ما يحدث؟
لا يسعنا إلا الاستمرار في تسليط الضوء على حملات الوصم والتشويه التي ما فتئت تطلقها تنظيمات موازية لجبهة البوليساريو لإسكات المدافعين والنشطاء الذين يدخلون على خط تماس مع قضايا قتل خارج نطاق القضاء او اختطافات كحالة الشيخ افضيلي سيد احمد أبو، أو تعذيب واحتجاز وغيرها من الممارسات الضارة بحقوق الانسان. لإن من شأن دراسة وتحليل حالة حقوق الصحراويين بالمخيمات بشكل عام وتسليط الضوء على حالة انعدام الأمن السائدة بالمخيمات واختلاط المفاهيم على الكثير من النشطاء والفاعلين المدنيين بالمخيمات وبمناطق أخرى حول الدفاع عن حقوق الإنسان وضرورة الانخراط في الدفاع وتعزيز الحماية والوقاية مهما اختلفت أماكنهم أو خلفياتهم ومواقفهم السياسية من الصراع، من شأنه أن يعزز الوعي بالاشتغال الجاد والقوي على الرصد والتوثيق لما يقع في تلك المنطقة ويقوي من فرص الحماية والوقاية من التعرض للانتهاكات مستقبلا.
المصدر: العمق المغربي