أثارت “فضيحة” نقل قطعة أرضية تحمل الرسم العقاري عدد 8447/C، الكائنة بمنطقة عين السبع بالدار البيضاء، والتي تفوق مساحتها هكتارا ونصف تقريبا، من ملك جماعة الدار البيضاء إلى حوزة شركة عقارية خاصة، جدلا واسعا في الأوساط السياسية بالعاصمة الاقتصادية.
وأظهرت المعطيات أن شهادة الملكية الصادرة عن المحافظة العقارية لعين السبع الحي المحمدي كانت تنص في البداية على أن البقعة الأرضية موضوع النزاع أرض عارية مخصصة لإحداث فضاء أخضر وفقا لتصميم التجزئة المرخص، غير أن شهادة ملكية لاحقة حذفت الإشارة إلى هذا التخصيص، واكتفت بوصفها أرضا عارية فقط، وهو ما أثار استغراب أعضاء الجماعة وتساؤلاتهم حول أسباب هذا التغيير.
وتعود تفاصيل الملف إلى أن القطعة الأرضية موضوع الجدل كانت مخصصة حسب تصميم التجزئة المرخص تحت عدد 556863 بتاريخ 27 يونيو 2000، في إطار مسطرة الاستثناء، لإنجاز حديقة عمومية بعد أن قامت الشركة العقارية بتسليمها إلى الجماعة عقب الانتهاء من أشغال مشروع سكني، وفقا لما ينص عليه القانون.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى جريدة “”، فإن هذه البقعة الأرضية، التي تم تسليمها لجماعة الدار البيضاء قانونيا منذ سنين، لم يتم تحفيظها من طرف رؤساء الجماعات السابقين بعين السبع، مما أدى إلى بقائها في وضعية قانونية معلقة.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تقدمت الشركة العقارية نفسها بطلب إلى جماعة الدار البيضاء للحصول على رخصة لبناء مشروع ضخم يضم فندقا مصنفا وحيا جامعيا، الأمر الذي دفع رئيس مقاطعة عين السبع إلى توجيه طلب رسمي للتحفيظ إلى عمدة الدار البيضاء نبيلة الرميلي، مع المطالبة بمنع إقامة أي مشروع فوق العقار المذكور.
وسبق لرئيس مجلس مقاطعة عين السبع أن وجه مراسلة رسمية إلى رئيسة جماعة الدار البيضاء طالبها فيها بعدم منح أي ترخيص لمشروع بناء على هذا الوعاء العقاري المخصص أصلاً كمساحة خضراء لفائدة ساكنة المنطقة.
وبحسب مضمون المراسلة، التي تتوفر جريدة “” على نسخة منها، فإن الملف يتعلق بالمشروع عدد 7883/2019.GRPPSHMASM المزمع إنشاؤه فوق البقعة الأرضية المسجلة تحت الرسم العقاري 8447/س لفائدة شركة عقارية، مؤكدا أن هذه الأرض كانت مبرمجة لإنجاز حديقة عمومية وفق تصميم التجزئة المؤرخ في 27 يونيو 2000.
وأشار المسؤول الترابي إلى أن المقاطعة سبق أن نبهت جماعة الدار البيضاء إلى ضرورة تحفيظ العقار، داعيا إلى فتح مسطرة التحفيظ والتسجيل لفائدتها ضمن الأملاك الجماعية.
وتفاعلت جماعة الدار البيضاء مع هذا الطلب، حيث قامت رئيستها بمراسلة المحافظ على الأملاك العقارية بعين السبع تحت عدد 10181 بتاريخ 9 أكتوبر 2024، وهو ما اعتبرته المقاطعة خطوة مهمة لحماية الملك الجماعي من أي استغلال غير قانوني.
كما أرفق رئيس المقاطعة مراسلته بنسخة من رسالة العمدة، مؤكدا أن أي ترخيص للبناء فوق هذه البقعة سيشكل خرقا لتصميم التجزئة وسيحرم السكان من فضاء أخضر مبرمج منذ أكثر من عقدين.
وفي سياق متصل، راسل رئيس المقاطعة المحافظ على الأملاك العقارية بتاريخ 28 أكتوبر 2024، مستفسرا عن مآل رسالة العمدة المتعلقة بإلحاق طرق التجزئة والمساحات غير المبنية بالأملاك الجماعية، باعتبارها مرافق عمومية مشتركة ينبغي أن تدخل ضمن الملك العام الجماعي.
وأكد في مراسلته أن الوقوف على الوضعية القانونية للعقار يعد خطوة جوهرية في تدبير الشأن المحلي، لما لذلك من تأثير مباشر على التجهيزات العمومية والتخطيط العمراني داخل نفوذ المقاطعة.
وأفادت المصادر ذاتها بأن رئيسة جماعة الدار البيضاء نبيلة الرميلي لم تمنح أي ترخيص للشركة العقارية لإنجاز المشروع المقترح، بعدما تقدمت مقاطعة عين السبع بتعرض رسمي، ليتم لاحقا تحفيظ البقعة الأرضية بطلب من مجلس المدينة.
وأضافت المصادر أن البقعة، التي تقدر قيمتها بملايير السنتيمات، كانت موضوع مشاورات بين مسؤولين جماعيين حول إمكانية إنشاء مرآب تحت أرضي ومساحة خضراء لفائدة زوار حديقة الحيوانات، وهو مشروع حظي بقبول أولي.
وأشارت مصادر أخرى إلى أن عددا من المستثمرين العقاريين بمقاطعة عين السبع ـ الحي المحمدي باتوا يطالبون باسترجاع بقعهم الأرضية بعد تحويل ملكية هذه الأرض من الجماعة إلى شركة خاصة، الأمر الذي أثار استياء واسعا في صفوف المسؤولين.
وأكدت المصادر أن نصر الله وجه مراسلة إلى المحافظ يستفسره فيها عن الأساس القانوني الذي تم على أساسه نقل الملكية، مضيفا أنه ينتظر جواب المحافظ، الذي استبعد نصر الله أن يكون قد أقدم على هذا الإجراء في غياب سند قانوني، ما يستدعي انتظار رد المحافظ قبل اتخاذ أي إجراء.
واستغربت المصادر نفسها غياب الوثائق القانونية الخاصة بهذه البقعة الأرضية داخل مصالح الجماعة، وهو ما قد يحمل شبهة تواطؤ بين موظفين ومنتخبين، إضافة إلى عدم قيام رؤساء المقاطعات السابقين بتحفيظ هذه البقعة الأرضية المثيرة للجدل.
وسجلت المصادر أن “المنطقة الخضراء موضوع هذا الملف وضعت طبقا لتصميم التجزئة، وبالتالي ستبقى دائما منطقة خضراء حسب قانون التعمير، وكذلك احتراما لالتزام المنعش العقاري تجاه الساكنة التي اقتنت الشقق على أساس وجود منطقة خضراء”.
وأضافت المصادر أن “هناك حالة ثانية، وهي أن تقوم الجماعة بتخصيص أرض كمساحة خضراء، وفي هذه الحالة وطبقا للمادة 28 من قانون التعمير، تكون الجماعة ملزمة بإجراءات نزع الملكية خلال عشرة سنوات، وإلا تعود الأرض إلى مالكها بدون تخصيص المساحة الخضراء”.
وزادت: “بما أن تصميم التجزئة يسمو على تصميم التهيئة، فإن الوكالة الحضرية تنقل وتجدد كل عشر سنوات المرافق، بما فيها المساحات الخضراء، في التصميم الجديد للتهيئة، احتراما لمبدأ أن مرافق التجزئات تبقى أبدية”.
وأبرزت المصادر أن “الشركة العقارية نفسها رفعت دعوى قضائية ضد الوكالة الحضرية سنة 2014، وكانت جماعة الدار البيضاء طرفا فيها، وحكمت المحكمة لصالح الشركة بإلغاء التصميم المتنازع عليه”.
ولفتت المصادر إلى أن “من حق ساكنة المشروع العقاري رفع دعوى قضائية ضد صاحب الشركة إذا تم تغيير تخصيص المساحة الخضراء، خاصة إذا كان الأمر مضمنا في دفتر التحملات المرتبط بالمشروع العقاري”.
المصدر: العمق المغربي
