شائعات إلغاء “الفيزا” لدخول سبتة ومليلية.. خبراء يحذرون من عودة التوتر للحدود بسبب “التضليل”

تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الجاريين، تدوينات لشخصيات وصفحات، تروج لإلغاء العمل بالتأشيرة لدخول مدينتي سبتة ومليلية من طرف سكان الأقاليم المغربية المحيطة بالمدينتين، وذلك تزامنا مع اللقاء الذي جمع وزيرا خارجية البلدين، ناصر بوريطة وخوسيه مانويل ألباريس، أمس الخميس.
في هذا الصدد، كشف مصدر مطلع لجريدة “العمق”، أن سلطات عمالتي تطوان والمضيقالفنيدق لم تتلقى أي إشعار أو مستجد بخصوص نظام العبور مع سبتة المحتلة، مشيرا إلى أن ما يتم ترويجه مجرد إشاعات لا تُعرف بعد الجهات التي تقف وراءها والأهداف المبتغاة منها.
وأوضح المصدر أن دخول المواطنين المغاربة إلى مدينة سبتة لازال يخضع حاليا لنظام تأشيرة “شنغن”، لافتا إلى عدم وجود أي مؤشرات على إمكانية العودة إلى الوضع السابق حيث كان سكان إقليمي تطوان والمضيق الفنيدق والناظور يحظون بإجراء استثنائي يتمثل في الدخول إلى المدينتين بدون تأشيرة.
وتثير هذه الإشاعات المخاوف من احتمال عودة التوتر إلى الحدود مع سبتة ومليلية، في ظل تحذيرات خبراء ومراقبين من احتمال انتشار دعوات جديدة للهجرة إلى المدينتين تزامنا مع نشر هذه الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالعودة إلى اللقاء المذكور بين بوريطة وألباريس، والذي جددت خلاله إسبانيا دعمها الثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، فإن الاجتماع بين الوزيرين لم يتطرق إطلاقا إلى أي تغييرات في نظام العبور أو إجراءات السفر مع سبتة ومليلية.
وركز اللقاء على استمرار المغرب وإسبانيا في تنزيل خارطة الطريق التي أعادت علاقات البلدين إلى مسارها الصحيح، وتطوير التبادل التجاري، كما ناقشا الوزيران ملف فتح الجمارك التجارية مع سبتة ومليلية.
إقرأ أيضا: بعد نجاح أول عبور تجاري بمعبر سبتة.. وزير خارجية إسبانيا: نعمل مع المغرب على عدم العودة للماضي
في هذا الإطار، أشار الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية، مصطفى العباسي، إلى انتشارٍ غير مفهوم لمجموعة من مقاطع فيديو عبر منصات “تيك توك” و”يوتيوب” لأشخاص يتحدثون عن فتح معبري سبتة ومليلية في وجه سكان الأقاليم المغربية المجاورة، دون الحاجة لتأشيرة “شنغن”.
وقال العباسي في تصريح لجريدة “العمق”، إن مروجي هذه الشائعات يعمدون إلى تضمينها بتصريح وزير خارجية إسبانيا في لقائه مع نظيره المغربي، أمس الخميس، يتحدث فيه عن المكاتب الجمركية بالمعبرين، وهو نظام جمركي لتوريد وتصدير السلع بشكل منظم ووفق اتفاق مسبق، ولا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بنظام عبور المسافرين.
العباسي الحاصل على دكتوراه في العلاقات المغربية الإسبانية، يرى أن الجهل باللغة أولا، ومضمون تصريح وزير خارجية إسبانيا، جعل البعض يعمدون إلى نشر أخبار زائفة وعن عمد، موضحا أن الوزير الإسباني لم يتطرق إطلاقا لأي موضوع يخص إلغاء تأشيرة “شنغن” لفئة من المغاربة.
واعتبر أنه بالرغم ذلك، عمد مروجو الأكاذيب إلى نشر تلك الشائعات، كذبا وبهتانا، في محاولة لدغدغة مشاعر البعض وبحثا عن متابعين ومشاهدين لقنواتهم، مشدد على أن هذا الادعاء الكاذب والمتعمد، قد يتجاوز حدود دغدغة العواطف وجمع اللايكات، إلى احتمال نشوء تداعيات من الممكن أن تكون خطيرة.
وحذر في هذا السياق من مخاطر احتمال تحرك مافيات الهجرة السرية لاستغلال هذه الشائعات والدفع بالراغبين في الهجرة لاقتحام المعابر، بدعوى “إلغاء التأشيرة”، كاشفا أن عددا من المجموعات الافتراضية على مواقع التواصل، شرعت بالفعل في دعوة الشباب المغاربة إلى التوجه جماعة لفرض هذا “القرار” الوهمي.
وخلص العباسي إلى أن ما يتم الترويج له، مجرد كذب وافتراء لا أساس له من الصحة نهائيا، وليس هناك أي دراسة أو اجتماع لمراجعته، مشددا على أن مثل هذه الإجراءات تبقى حصريا من صلاحيات التنسيق بين المغرب وإسبانيا والاتحاد الأوربي، وهي مرتبطة أساسا بالأمن القومي للبلدين.
إقرأ أيضا: إسبانيا تقلل من مخاوف دعم ترامب لـ”مسيرة خضراء” مغربية نحو سبتة ومليلية
من جانبه، استغرب الناشط الإعلامي والحقوقي بمدينة الفنيدق، أحمد بيوزان، من ترويج أخبار زائفة عن فتح معبري سبتة ومليلية لسكان المنطقة دون التوفر على تأشيرة “شنغن”، متسائلا عن توقيت نشر هذه الشائعات، لافتا إلى أن الغريب في الموضوع هو تداول هذه الأنباء من طرف فاعلين سياسيين بالمنطقة.
وقال بيوزان في تصريح لجريدة “العمق”، إنه تفاجأ بتداول حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تصريح وزير الخارجية الإسباني بشكل مُحرَّف، والادعاء بأنه أعلن عن السماح لقاطني منطقتي الناظور وتطوان بدخول المدينتي المحتلتين فقط بجواز السفر دون الحاجة إلى تأشيرة “شنغن” كما كان سابقا قبل إغلاق المعبرين سنة 2020.
واعتبر المتحدث أن بعض السياسيين بمنطقة الشمال شاركوا فيديو ألباريس وهو يتحدث عن تثمينه لفتح الحدود الجمركية، وذلك على أساس أنه إعلان عن فتح المعبرين في وجه ساكنة الشمال دون الحاجة إلى التأشيرة، مضيفا أن الأغرب هو خروج بعض المؤثرين، بالصوت والصورة، يبشرون الساكنة بخبر فتح معبري سبتة ومليلية بدون “فيزا”.
وأمام انتشار هذه الأكاذيب كالنار في الهشيم، يضيف بيوزان، يُخشى من أن يُصدَّق هذه الشائعات شباب ومراهقين بمناطق أخرى بالمغرب، وهو الأمر الذي يُنذر باحتمال انتشار دعوات للهجرة إلى المناطق الشمالية المحيطة بسبتة ومليلية، ظنا منهم أن أنشطة التهريب ستعود.
وتفرض السلطات الإسبانية تأشيرة “شنغن” من أجل الدخول إلى مدينتي سبتة ومليلية عبر معبري “تاراخال” و”بني إنصار”، بعدما كان دخول سكان الأقاليم المغربية المجاورة للمدينتين يحضى باستثناء “اتفاقية شنغن”.
ويصر رئيس الحكومة المحلية في سبتة، خوان فيفاس، على استمرار فرض تأشيرة “شنغن”، معتبرا أنها تدخل ضمن إجراءات الأمن القومي لإسبانيا، رافضا بشكل مطلق العودة إلى نظام العبور بجواز السفر فقط.
إقرأ أيضا: سبتة ومليلية تستنجدان بملك إسبانيا.. هل يغامر فيليبي السادس بزيارة تغضب المغرب؟
وطيلة عقود، كان يُسمح لسكان إقليمي تطوان والمضيق الفنيدق بالدخول إلى مدينة سبتة، وسكان إقليم الناظور بالدخول إلى مدينة مليلية، باستخدام جواز السفر المغربي فقط، قبل أن يتوقف الإجراء عقب إغلاق الحدود في مارس 2020 بسبب جائحة “كورونا”، وما تلاه من توتر العلاقات بين البلدين.
وشهر شتنبر الماضي، أحبطت السلطات المغربية محاولات هجرة جماعية كبيرة نفذها آلاف الأشخاص للوصول إلى مدينة سبتة المحتلة، عقب دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لاقتحام المدينة المحتلة يوم 15 شتنبر 2024، وهو ما أسفر عن اعتقال أكثر من 4455 شخصًا، بينهم 3795 مغربيًا بالغًا، و141 قاصرًا، و519 أجنبيًا.
واتهمت الحكومة المغربية، حينها، “جهات غير معروفة” بالوقوف وراء الأحداث التي شهدتها مدينة الفنيدق مؤخرًا، حيث أعرب الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عن أسفه لتحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة عبر استغلال منصات التواصل الاجتماعي لدفعهم إلى الهجرة، مشيرا إلى إحالة 152 شخصًا إلى العدالة بتهم التحريض على الهجرة السرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يُشار إلى أن المغرب وإسبانيا، إستأنفا الجمارك التجارية بمعبري سبتة ومليلية، حيث شهد معبر سبتة، خلال الأسابيع الأخيرة، عبور شاحنات سلع إسبانية إلى الأراضي المغربية لأول مرة في التاريخ، وهو نفس الوضع الذي يعرفه معبر مليلية عقب توقف العملية منذ 2020.
وكان المغرب قد أغلق الجمارك التجارية مع مدينة مليلية شهر غشت 2018، عقب أزمة سياسية حادة عصفت بعلاقات البلدين إثر استقبال إسبانيا لزعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية بهوية مزورة، قبل أن تغلق الرباط المعابر الحدودية مع سبتة ومليلية بالكامل في مارس 2020 بسبب جائحة “كوفيد 19″، فيما لم تكن هناك أي جمارك تجارية مع سبتة من قبل.
وعقب زيارة رئيس الحكومة الإسباني، بديرو سانشيز، إلى المغرب، واستقباله من طرف الملك محمد السادس، اتفق البلدان على إعادة فتح المعابر الحدودية في ماي 2022، بعد تخلّي مدريد عن موقفها المحايد من ملف الصحراء وإعلان دعمها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، فيما ظلت الجمارك التجارية مغلقة لأسباب “تقنية” بحسب مدريد.
المصدر: العمق المغربي