سيناريوهات إصلاح التقاعد.. نقابات ترفض المس بحقوق الموظفين والأجراء
بعد سنوات من التأجيل والتردد، تعهدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح بتقديم عرض أولي لإصلاح أنظمة التقاعد خلال يناير الحالي، معتبرة أن الوقت قد حان لإصلاح هذا الملف الذي طال أمده.
وفيما تطالب النقابات بضرورة اعتماد منهجية تشاركية تحمي حقوق الأجراء والمتقاعدين، وتحقيق توافق يضمن استدامة الصناديق ويجنب البلاد أي احتقان اجتماعي جديد خلال السنة الأخيرة من عمر الحكومة الحالية، أشارت فتاح إلى أن الحكومة ملتزمة بالتعاون مع النقابات والفرقاء الاجتماعيين لتحقيق الإصلاحات الضرورية.
في هذا السياق، أكد الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، محمد الزويتن، ضرورة اعتماد الحكومة مقاربة تشاركية في مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، مشددًا على أهمية إشراك كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك الشغيلة والأجراء والفرقاء الاجتماعيون والنقابات، قبل عرض المشروع على البرلمان.
وأوضح الزويتن، في تصريح لجريدة “”، أن الأغلبية الحكومية قادرة على تمرير أي مشروع قانون باستخدام الأرقام داخل البرلمان، إلا أن قضية إصلاح أنظمة التقاعد تتطلب توافقًا وشراكة شفافة بين الحكومة والنقابات لضمان معالجة النقاط الإشكالية، بما يخدم المتقاعدين، الموظفين النشطين، والمقبلين على التقاعد، مضيفا “لا نريد لهذا الإصلاح أن يكون سببًا في الاحتقان الاجتماعي”.
وطالب المتحدث ذاته، بالكشف عن الدراسات التشخيصية والاستشرافية المرتبطة بمشروع الإصلاح الجديد، مع التأكيد على ضرورة إيجاد حلول شاملة ومتوازنة لا يتحمل الموظفون وحدهم أعباءها، مشددا على أهمية ضمان استدامة صناديق التقاعد من خلال تعزيز السياسة التدبيرية والاستثمارية للاقتطاعات والمساهمات، بما يحقق أرباحًا تضمن استمرار الصناديق بعيدًا عن تكرار الحديث عن إفلاسها.
كما دعا إلى جعل سن التقاعد، في حال تم الرفع منه، اختيارياً للموظفين وفقًا لظروفهم الشخصية، مع رفع الحد الأدنى للمعاشات في القطاعين العام والخاص ليعادل الحد الأدنى للأجور، مشيرًا إلى أن استمرار المعاشات عند 1000 أو 1400 درهم في القطاع الخاص “غير مقبول”.
من جانبه، اعتبر عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يونس فراشين، أن هناك تأخيرًا في الملف، لأنه كان من المفترض بعد توقيع الاتفاق الاجتماعي للسنة المنصرمة بين الحكومة والمنظمات النقابية، أن يتم مباشرة إعداد لجنة لأجل تقديم مقترحات الحكومة على أن تبدي النقابات رأيها في هذه المقترحات، مشيرًا إلى أن الاجتماعات لم تُعقد لحدود الساعة بين الحكومة والنقابات.
وأضاف فراشين في تصريح للجريدة، “مبدئيًا نحن ضد أي إصلاح سيكون على حساب الأجراء، سواء على حساب أعمارهم أو جيوبهم، وبالتالي نرفض الزيادة في الاقتطاعات ونرفض الزيادة الإجبارية في سن الإحالة على المعاش، وكذا أي مس بالمعاشات الحالية.”
ولفت المتحدث ذاته، إلى أنه ينبغي أيضًا الزيادة في معاشات المتقاعدين الحاليين، مشددًا على ضرورة إصلاح حكامة الصناديق على اعتبار أن مدخرات مجموعة من الصناديق التي تعد بالملايير، يتم تدبيرها بشكل سيئ لما له من انعكاسات سلبية.
واتفقت الحكومة والمركزيات النقابية و”الباطرونا”، ضمن جولة أبريل 2024 من الحوار الاجتماعي على مباشرة إصلاح منظومة التقاعد من خلال إصلاح شمولي يرمي إلى إرساء منظومة للتقاعد في شكل قطبين “عمومي وخاص”، يتم التوافق على تفاصيل مضمونها وفق منهجية تشاركية، وتحديد آليات الانتقال إلى المنظومة الجديدة مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة في إطار الأنظمة الحالية إلى حدود بداية دخول الإصلاح حيز التنفيذ، وتعزيز حكامة أنظمة التقاعد في ضوء الممارسات الجيدة في هذا المجال.
في غضون ذلك، حذر المجلس الأعلى للحسابات من المخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية على المديين المتوسط والبعيد، مجددًا التذكير بالحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، وذلك للحفاظ على ديمومتها.
ونبه المجلس، الذي ترأسه زينب العدوي، في تقريره السنوي 20232024، إلى الوضعية المقلقة التي يشهدها الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يسجل تراجعًا في أرصدته، مع عجز تقني بلغ 9.8 مليار درهم سنة 2023، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تُستنفد أرصدته في حدود سنة 2028، حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية.
وتعتزم الحكومة تقديم مخطط شامل لإصلاح صناديق التقاعد، وعلى رأسها الصندوق المغربي للتقاعد. كما تعكف على وضع مجموعة من التدابير الإصلاحية التي تركز بالأساس على رفع سن التقاعد وزيادة نسبة المساهمات، وهي إجراءات تثير جدلًا واسعًا.
ويرى المجلس الأعلى للحسابات أن ضمان ديمومة منظومة التقاعد على المدى الطويل يقتضي الإسراع في تنزيل ورش الإصلاح الهيكلي لنظام التقاعد، لا سيما فيما يخص توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد ابتداءً من سنة 2025، ليشمل الأشخاص الذين يمارسون عملًا ولا يستفيدون من أي معاش.
وأشار المجلس إلى أن أنظمة التقاعد الأساسية، ورغم الإصلاحات المعيارية التي شملت نظام المعاشات المدنية بالصندوق المغربي للتقاعد منذ سنة 2016، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في سنة 2021، لم تمكن من تحقيق التوازنات المالية لهذه الأنظمة، ما أدى إلى اقتراب نفاد احتياطاتها في آجال متفاوتة.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بالحفاظ مؤقتًا على الطابع الاختياري في نظام التقاعد بالنسبة للأشخاص العاملين غير الأجراء، قبل تعميم إجباريته تدريجيًا. كما دعا إلى تحفيز انخراط النشيطين غير الأجراء من خلال ضمان معدل تعويض معقول للدخل يمكّن من الحصول على معاش مناسب عند بلوغ سن التقاعد، وفحص آليات تمويل أخرى غير المساهمات، مثل التحفيزات الضريبية وغيرها.
المصدر: العمق المغربي