كشفت المندوبية السامية للتخطيط في أحدث تقاريرها حول مؤشرات التشغيل عن صورة متناقضة لسوق الشغل المغربي، تجمع بين ارتفاع المشاركة النسائية تدريجيا من جهة، وتفاقم نسب البطالة في صفوف النساء وخاصة الحاصلات على الشهادات العليا من جهة أخرى.
فرغم التطورات التشريعية والمبادرات العمومية لتشجيع إدماج المرأة في الحياة الاقتصادية، تشير الأرقام إلى أن النساء ما زلن الأكثر هشاشة في سوق العمل والأقل استفادة من النمو الاقتصادي.
وتظهر بيانات التقرير أن معدل البطالة الوطني سنة 2024 بلغ نحو 13.3%، مقابل 13% سنة 2023، بعدما كان 9.9% سنة 2014.
وتُظهر الأرقام الخاصة بالنساء مفارقة صارخة، إذ ارتفعت بطالتهن من 10.4% سنة 2014 إلى 19.4% سنة 2024، أي ما يقارب الضعف خلال عشر سنوات، بينما ارتفعت بطالة الرجال بوتيرة أبطأ، من 9.7% إلى 11.6% خلال الفترة نفسها، مايعني أن المرأة المغربية ما تزال تدفع ثمن هشاشة بنية سوق العمل، إذ تُسجل البطالة النسائية معدلات مضاعفة مقارنة بالذكور، خصوصا بين الفئات المتعلمة.
وأبرز التقرير أن معدل البطالة في صفوف الحاصلين على دبلوم التعليم العالي في الوسط الحضري الوطني بلغ سنة 2024 نحو 23.2% مقابل 20% سنة 2014، لكن الوضع أكثر حدة في صفوف النساء الجامعيات، حيث وصلت النسبة إلى 30.2% سنة 2024، مقابل 17.9% لدى الرجال.
ورغم أن نسبة بطالة النساء الجامعيات كانت سنة 2023 في حدود 31.9%، فإن تراجعها إلى 30.2% سنة 2024 يظل محدودا مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه سنة 2014 (28.6%)، وهو ما يشير إلى أن الجامعة لم تعد ضمانة للتشغيل بالنسبة للنساء، بل أصبحت في حالات كثيرة بوابة إلى البطالة الطويلة الأمد.
وسجلت المندوبية رغم ضعف إدماج النساء في المناصب العليا، تطورا طفيفا في نمط التشغيل لدى النساء سنة 2024، حيث بلغت نسبة النساء العاملات كأجيرات 58.8% مقابل 60.2% للرجال.
وكانت هذه النسبة في صفوف النساء 57.4% سنة 2023، مقابل 34.4% سنة 2014، ما يعكس تحسنا كبيرا في مشاركة النساء في العمل المأجور خلال العقد الأخير.
وفي المقابل، تراجعت نسبة النساء المشتغلات بدون أجر من 49.2% سنة 2014 إلى 28.5% سنة 2023 ثم إلى 26.4% سنة 2024، وهو تراجع يعكس تقلص العمل العائلي غير المهيكل الذي كان يطبع النشاط الاقتصادي للنساء خاصة في القرى.
أما نسبة النساء المشتغلات لحسابهن الخاص، فبلغت 14.8% سنة 2024 مقابل 16.4% سنة 2014، وهو انخفاض طفيف يدل على ضعف ثقافة المقاولة الفردية النسائية رغم كل برامج الدعم والتحفيز.
وتُظهر الأرقام أن نسبة الإناث ضمن النشيطين المشتغلين سنة 2024 بلغت في القطاع العمومي وشبه العمومي 26%، بعدما كانت 25.8% في سنة 2014، فيما بلغت في القطاع الخاص 20.1%، بعدما كانت 26.5% خلال الفترة نفسها، ما يعني أن حضور النساء في القطاع العام عرف استقرارا طفيفا، بينما تراجع حضورهن في القطاع الخاص بشكل ملحوظ.
وأشار التقرير إلى معطى لافت يتعلق بالشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، واللواتي لا يشتغلن ولا يتابعن تعليما أو تكوينا، إذ بلغت نسبتهن سنة 2024 نحو 35.1% مقابل 37% سنة 2023، و45.1% سنة 2015.
ورغم التراجع التدريجي، تظل هذه النسبة مرتفعة جدا، ما يعني أن أكثر من ثلث الشابات المغربيات خارج دوائر التعليم والعمل والتدريب، وهي فئة تعتبر مؤشرا حساسا على فشل سياسات الإدماج الاجتماعي والاقتصادي.
وأظهر التقرير أن معدل الشغل لدى النساء الحاصلات على شهادات عليا بلغ 30.1% سنة 2024 مقابل 53.8% للرجال في الفئة نفسها، أما في صفوف غير المتعلمات، فتشتغل 14% من النساء فقط مقابل 70.5% من الرجال.
وفي سنة 2023 كانت النسب 29.5% للنساء و52.7% للرجال في الفئة المتعلمة، و14.8% للنساء و71.7% للرجال في ذات الفئة.
وأوضح التقرير، أن قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري أكبر مشغل للنساء بنسبة 26.5% سنة 2024، بعدما كانت النسبة 27.5% سنة 2023 و41.7% سنة 2014، ما يعكس تراجعا مستمرا في ارتباط النساء بالفلاحة.
ويأتي قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية ثانيا بنسبة 25.5% سنة 2024 مقابل 25.4% سنة 2023 و26.3% سنة 2014، يليه قطاع الخدمات بنسبة 20.8% سنة 2024 مقابل 20.3% سنة 2023 و18.9% سنة 2014.
وتستقطب الصناعة في المدن 27.3% من النساء العاملات، بينما تهيمن الفلاحة على القرى بنسبة 27.8%، ما يعكس استمرار الفجوة المجالية بين التشغيل الحضري والقروي.
وتشير الأرقام الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط إلى أن الفجوة بين الجنسين في سوق العمل ما تزال واسعة رغم عقد من الإصلاحات، فرغم ارتفاع عدد النساء الأجيرات وتراجع العمل العائلي غير المأجور، إلا أن البطالة النسائية تضاعفت خلال عشر سنوات، خاصة بين خريجات الجامعات.
كما أن التراجع المستمر في تشغيل النساء في الفلاحة يقابله ضعف نمو فرص العمل في القطاعات الحديثة، ما يجعل أغلب الوظائف النسائية محصورة في مجالات منخفضة الأجر والإنتاجية.
المصدر: العمق المغربي