اخبار المغرب

سوسيولوجي يفكك أسباب تعلق قاصرين مغاربة بحلم الهجرة ويكشف قصور منظومة حمايتهم

في مشهد “مأساوي” أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، أقدم المئات من المراهقين والشباب على مغامرة محفوفة بالمخاطر، بمحاولة العبور يوم الأحد الماضي سباحة إلى مدينة سبتة المحتلة، وهو مشهد يؤكد مرة أخرى عمق الأزمة التي يعيشها الشباب المغربي.

ويرى مراقبون أن قرار هؤلاء الشباب المخاطرة بحياتهم للعبور إلى سبتة المحتلة سباحةً، يطرح تساؤلات حول السياسات الحكومية لحماية الأطفال القاصرين، ما يستدعي فتح نقاش واسع حول الصورة التي يرسمها الشباب المغربي لمستقبله، وهو يلقي بنفسه في البحار بحثًا عن بلوغ ما يسمى بـ”الفردوس الأوروبي”.

ظاهرة معقدة

في هذا السياق، أكد عزيز أحلوى، أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ظاهرة هجرة القاصرين غير المرافقين تُعتبر إحدى القضايا الاجتماعية الأكثر تعقيدًا التي تواجه العديد من الدول، موضحًا أن “هذه الظاهرة، التي تجتاح مختلف القارات، تعكس مشاكل عميقة تمتد من الفقر والتهميش إلى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تمر بها المجتمعات”.

وأوضح أحلوى في تصريح لجريدة “العمق”، أن المغرب، كنقطة عبور رئيسية، يستقبل بدوره آلاف القاصرين من دول جنوب الصحراء الكبرى، الذين يعتبر بعضهم المغرب مجرد محطة في طريقهم نحو الحلم الأوروبي، بينما يختار آخرون الاستقرار في المغرب لفترات زمنية متفاوتة.

واعتبر الباحث ذاته أن القاصرين المغاربة بدورهم يقررون الهجرة إلى أوروبا، وعلى رأس هذه البلدان فرنسا وإسبانيا، رغبة منهم في تحقيق حياة أفضل. مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المغرب فقط، بل تمتد إلى مناطق أخرى مثل أمريكا الشمالية والجنوبية، حيث تبرز قضية هجرة القاصرين في سياق النقاشات السياسية حول مراقبة الحدود.

وقال أحلوى إن ما حدث يوم الأحد الماضي من محاولة عبور العديد من الشباب أو القاصرين غير المرافقين إلى سبتة يعود لأسباب متعددة، إلا أن أول سؤال يُطرح على المستوى السوسيولوجي هو: كيف اتخذ هؤلاء القاصرون قرار الهجرة عبر السباحة رغم المخاطر الكبيرة على حياتهم؟

غياب القدوة

ويشير الباحث السوسيولوجي إلى أن غياب “القدوات الإيجابية” داخل الوطن هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب للهجرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل الدراسي وصعوبة ولوج سوق العمل يجعلهم يشعرون بأن مستقبلهم محصور في زوايا واختيارات ضيقة، مما يدفعهم للبحث عن بدائل خارج الوطن.

وأضاف المتحدث نفسه أن هذا الأمر يرتبط بتحولات اجتماعية كبرى تعيشها الأسر المغربية، والتي أدت إلى نوع من الانفصال العاطفي والأخلاقي والتربوي بين الأجيال، مما يؤدي إلى انعدام التوافق في الأفكار والرغبات والآمال المتعلقة برؤية المستقبل.

وأكد عزيز أحلوى أن تطلعات الشباب الحالي تختلف بشكل كبير عن الأجيال السابقة، حيث أصبحوا أكثر ارتباطًا بعالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ويبحثون عن نماذج جديدة للنجاح الاجتماعي، موضحًا أن “هذه التطلعات تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار الهجرة، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.”

ويرى السوسيولوجي المغربي أن عودة مغاربة المهجر الناجحين يمثل نموذجًا ملهمًا للشباب المغربي، حيث يعودون بوضع مادي مريح، مما يقنع الكثيرين بأن النجاح المادي السريع ممكن التحقيق في الخارج، وبالتالي يشكل ذلك حافزًا قويًا للهجرة.

التفاوت الاجتماعي

وحسب الباحث أحلوى، فإن البطالة المرتفعة والتفاوت الاجتماعي بين الأسر تشكل أرضية خصبة لانتشار اليأس بين الشباب المغربي، خاصة مع غياب فرص عمل كافية لاستيعاب الأعداد الهائلة من الخريجين والعاطلين عن العمل. حيث تشير آخر الدراسات إلى وجود حوالي 4 ملايين شاب مغربي غير متعلم، لا يشتغل، وليس له تكوين يؤهله لولوج سوق العمل، مضيفًا أن “هذا رقم مخيف يعبر عن وجود احتقان اجتماعي فيما يخص عملية تشغيل الشباب وإدماجهم في مجالات تكوينية تستجيب لمتطلبات سوق العمل.”

وسجل المتحدث ذاته أن فئة عريضة من الشباب المغربي ترفض العمل في وظائف روتينية منخفضة الأجر أو ما يسمى بـ “السميك”، مفضلة البحث عن فرص لتحقيق مكاسب مالية سريعة وكبيرة. لافتًا إلى أنه بالنظر لتطور سوق العمل، يرفض الشباب اليوم الوظائف التي لا توفر لهم قيمة مضافة أو فرصًا للنمو المهني، ناهيك عن كون الشركات اليوم أضحت تبحث عن كوادر شبابية مؤهلة علميًا وعمليًا.

وخلص أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى أن القانون 02.03 الخاص بإقامة الأجانب والقوانين المرتبطة بالهجرة غير النظامية بالمغرب، الذي صادقت عليه المملكة، يساهم في حماية فئة القصر غير المرافقين، باعتبارهم من الفئات الهشة ضمن مجتمع المهاجرين. مشددًا في المقابل على أن إجراءات إرجاع هؤلاء القصر تتعارض مع القوانين الدولية التي تكفل حمايتهم عند وصولهم إلى بلد الاستقبال، متسائلًا كيف تمكنت السلطات الإسبانية من ترحيلهم بشكل فوري، رغم وجود التزامات دولية لضمان حمايتهم وتوفير فرص التعليم والإدماج لهم؟

جدير بالذكر أن مرصد الشمال لحقوق الإنسان لفت إلى أن محاولات الهجرة غير النظامية بالسواحل الغربية للمغرب ارتفعت بنسبة 300% خلال شهري مايو ويونيو 2024، مشيراً إلى نجاح ما بين 1200 و1300 مهاجر غير نظامي، جلهم من الشباب في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، في الوصول إلى سبتة المحتلة، وأغلبهم مغاربة.

وأشار المرصد إلى أن 90% من هؤلاء عبروا الحدود البحرية مع الفنيدق، و5% منهم عبروا حدود المدينة البحرية مع بليونش، و5% عبروا السياج الحدودي، في حين تمكن حوالي 15 مهاجراً مغربياً من دخول مدينة مليلية المحتلة. كما سجل المرصد هجرة غير نظامية لمنتخبين تابعين لجماعات ترابية بإقليم الناظور.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *