سند لبعضهم البعض.. معارك التعليم تكشف قصصا إنسانية للأساتذة وتعري واقهم الهش
فند أساتذة المغرب المثل الروسي القائل: “في أوقات الأزمات تطفو كل القاذورات على السطح”، بحجة التضامن والتآزر الذي يبين عنه مربو الأجيال عند كل أزمة مالية أو مشكل يواجهه أحدهم، سواء كان مرضا أو حادثا عرضيا، أو جراء الاقتطاع من الأجرة بسبب الإضرابات، حتى لا يكون النضال عبء عليه.
ففي الاضرابات الأخيرة التي عرفه قطاع التعليم بالمغرب، والاحتقان التي خيم طيلة 4 أشهر، صدرت قرارات توقيف 545 أستاذا وأستاذة عن العمل، ومعه توقيف أجرتهم، مع ما يسببه ذلك من خلل معيشي وضغوطات نفسية بعد توقف مورد رزقهم.
التنسيق الوطني لقطاع التعليم (21 هيئة)، ما فتئ في كل بياناته ونداءاته، يحيي عاليا المتضامنين والمتضامنات مع الموقوفين والموقوفات بكل مديريات التعليم، كما يأخذ بيدهم ويدعوهم إلى المزيد من الدعم المادي والمعنوي إلى حين رجوع المعنيين إلى أماكن عملهم.
مبادرات تطوعية تعري واقع الهشاشة
تعليقا على هذه المبادرات، قال مصطفى الكهمة، عضو لجنة الإعلام الوطنية للتنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد، إن المبادرات التطوعية التي يقوم بها الأساتذة والأستاذات بـ”القدر التي تكشف معدنهم وقيمهم النبيلة وتنم عن جودهم وتكافلهم، فهي تعري واقع الهشاشة التي يعيشها رجال ونساء التعليم بشكل عام”.
وتابع الكهمة القول في تصريح خص به جريدة “العمق”، أن خطوات الأساتذة وأطر الدعم تكون بشكل تطوعي وتلقائي عند حدوث أي واقعة تستوجب تدخلا مستعجلا، إذ يبادرون للمساهمة بشكل يبين الحس التضامني العالي الذي يتحلون به.
وأضاف المتحدث أن هذه المبادرات تأتي في سياق يتسم بـ”محدودية وعدم كفاية الخدمات الاجتماعية المقدمة لهم من طرف المؤسسات المعنية، وهي “MGEN” التعاضدية العامة للتربية الوطنية، ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين “FM6”.
الإشاعة والدعاية تقتل المبادرات
عاب مصطفى الكهمة، ما يذهب إليه بعض المسؤولين الرسميين الذين يطلقون “دعايات وإشاعات” يهدفون من خلالها “التسويق والترويج لمنجزات”، وصفها بـ”الأخبار الزائفة”.
وقال المتحدث إن مثل هذه التصريحات “تؤثر سلبا على مبادرات الأساتذة وأطر الدعم تعثر العملية، مما يجعل مصير عدد من الأساتذة وأطر الدعم وعائلاتها في خطر، سواء مع الأبناك أو الحاجيات اليومية، مردفا أن “مصير الأساتذة لا يقبل اللعب بالدعاية”.
مبادرات أنقذت أرواح
إن ما يدل على “واقع الهشاشة” الذي يعيشه قطاع التعليم، وفق تعبير المتحدث، هو كون عدد من المبادرات استهدفت أساتذة أصيبوا بحوادث شغل؛ سواء أثناء مزاولتهم عملهم، أو في رحلة الذهاب إلى المؤسسات التي يعملون فيها، أو نتيجة الوضع المادي الذي يعيشونه.
يعطي الكهمة، في تصريحه “للعمق”، مثال عن هذا، بواقعة “مؤلمة”، جرت بإقليم آسفي، عندما وجدت إحدى الحالات نفسها عاجزة حتى عن أداء مصاريف التنقل إلى المدرسة قصد تأدية الواجب المهني، جراء التأخر في صرف أجور الأساتذة بعد تعيينهم، والذي يحصل دائما، دون أن تفكر الوزارة الوصية في إيجاد حل له طيلة كل هذه السنوات.
يتساءل المتحدث هنا بمضض ويقول: “هل هناك وضع مزري أكثر من أن لا يجد شخص مبلغا للتنقل به إلى أداء واجبه المهني؟”.
واقعة أخرى يحكيها الكهمة، تلك التي فضحها “جشع المصحات الخاصة”، بعد رفض إحداهن استقبال أستاذ وإخضاعه لعملية جراحية كانت مستعجلة، بعد تعرضه لحادث سير على متن دراجة نارية، في رحلة الذهاب إلى عمله.
وقد فرضت المصحة الخاصة حينها، على العائلة وضع شيك ضمان، بعد أن أخبرهم مدير المصحة أن “التغطية الصحية الخاصة بالأساتذة لا تؤدي واجباتها بالشكل وفي الوقت المطلوب”.
في كلتا الحالتين وحالات أخرى عرضها الكهمة بالعشرات، كشف الكهمة أن مبادرات الأساتذة كانت كفيلة بإنقاذهم من الوضع الذي عانوا منه، ومعه تم إنقاذ عائلاتهم.
أين الأعمال الاجتماعية؟
يطرح موضوع الحالات الإنسانية التي تظهر أحيانا في صفوف الأساتذة والأستاذات، أدوار مؤسسات الأعمال الاجتماعية والتغطية الصحية، خاصة بعد وصول الاشتراك الشهري في مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لـ40 درهما، أي “تضاعف بـ8 مرات، في حين بقيت نفس الخدمات كما هي” وفق تعبير الكهمة، والذي انتقد “اجبارية الأداء”.
وفي حالة زلزال الحوز، الذي توفي فيه 10 أساتذة مزاولين، ضمنهم متقاعد واحد، أبانت الواقعة على أن الوزارة المعنية ومعها الأكاديميات (مراكش وأكادير)، رميتا الكرة بملعب مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعي، هذه الأخيرة قامت، وفق الكخمة بـ”مجهودات مقدرة لكنها لم تكن كافية في ما يتعلق نقل الأساتذة العالقين في مناطق الزلزال”.
وأضاف المتحدث أن الأساتذة من قاموا بـ”مواجهة الإشاعات حينها، والتواصل مع عائلات الضحايا من الأساتذة المشتغلين بمناطق الزلزال، وطمأنتهم وإخبارهم بأي جديد عند حدوثه، عن طريق لجنة التتبع واليقظة التابعة للمجلس الجهوي للتنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد، في وقت غابت فيه الإدارة بشكل كبير على المستوى التواصلي”.
وفيات الزلزال والمسؤولية؟
كما كشف الكهمة أن التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد، طالبت وما تزال تطالب الوزارة المعنية بترقية استثنائية للأستاذة شهداء الواجب الوطني والمهني، الذين توفوا إثر الزلزال، ومنحها لذوي الحقوق، جزاء تضحياتهم واستشهادهم أثناء تأدية الواجب المهني، كما يتم مع باقي القطاعات.
وقال الكهمة أن المطالب كانت تبتغي كذلك على الأقل الحفاظ على أجرتهم، وتسخيرها لفائدة ذوي الحقوق، إلا أن رد الوزارة كان هو “التنصل والتنكر لهؤلاء الأساتذة والأستاذات، ورمي الكرة لمؤسسة الأعمال الاجتماعية، وتهرب الوزارة والأكاديمية من مسؤولياتهم تجاه شهداء الواجب الوطني والمهني”.
هنا أشار الكهمة إلى أن مؤسسة الأعمال الاجتماعية تقوم في جميع الحالات بمنح منحة وفاة، قدرها 10 ألاف درهم عند وفاة أي أستاذ أو أستاذة، وأن الأمر هنا يتعلق بوفاة في سبيل تأدية الواجب الوطني والمهني، مردفا أنه على الوزارة المعنية تحمل مسؤوليتها تجاه ذوي الحقوق ممن فقدوا معيلهم.
المصدر: العمق المغربي