سلوكات مغاربة إبان الفيضانات تطرح إشكالية التعامل مع الكوارث الطبيعية
كشفت الفيضانات والسيول الجارفة التي ضربت عددا من أقاليم الجنوب الشرقي للبلاد جملة من الاختلالات والأعطاب التي تعاني منها البلاد والعباد على حد سواء؛ غير أن ما لم يستوعبه الكثير من المغاربة في متابعتهم للكارثة الطبيعية الجديدة هو الاستهتار والتعامل “اللامسؤول” الذي أبان عنه عدد من المواطنين خلال كارثة السيول المدمرة.
وتناقل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع توثق لأشخاص أثناء وصول السيول والفيضانات إلى القرى والمناطق التي يسكنونها، وهم قريبين من مجاري الوديان والسواقي يوثقون المشهد غير آبهين بالخطر الذي تمثله مياه الأمطار القوية التي حلت بتلك المناطق.
كما أظهرت فيديوهات سائقي شاحنات أو سيارات يخاطرون بقطع الممرات والقناطر التي غمرتها السيول الجارفة، في خطوات غير محسوبة من شأنها أن ترفع من حجم الأضرار المادية أو الخسائر البشرية في هكذا ظواهر وأحداث طبيعية مفاجئة.
يوسف أنزيض، رئيس مؤسسة رفقاء الخير الموجودة بمراكش، اعتبر أن تعامل المواطنين المغاربة مع الفواجع والكوارث الطبيعية تشوبه الكثير من الأخطاء والعيوب، لافتا إلى أن هذه الأحداث “جديدة على بلادنا، ولم تعرف بلادنا منذ سنوات فيضانات بهذا الشكل وانجرافات للتربة”.
وأضاف أنزيض، في تصريح لهسبريس، أن المملكة “لم تعرف أيضا، زلازل بهذه القوة”، معبرا عن أسفه الشديد من أن المجتمع “بصفة عامة وسكان هذه المناطق والدواوير بصفة خاصة لا يتصرفون بالشكل الصحيح مع هذه الكوارث والابتلاءات”.
وأشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى واقعة الشباب “الذين كانوا يلعبون كرة القدم في أحد الملاعب بإقليم تارودانت، فباغتتهم السيول، إذ رغم أنه كانت هناك إشعارات وتحذيرات تتوقع وجود فيضانات مقبلة، فإن شباب تلك المنطقة لم يتعاملوا بمسؤولية ولم يحاولوا الهرب، وظل البعض يصور المشهد؛ ما أدى إلى وفاة العديد منهم”.
وأوضح أنزيض: “الناس لم يتعظوا من الواقعة، ولاحظنا كيف أن العديد من السيارات والشاحنات والحافلات تحاول المرور وقطع المضايق والقناطر، رغم أنها مغمورة بالمياه”، مبرزا أن هذا الأمر يبين أن المواطنين “غير واعين بضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة”.
وفي هذا الصدد، سجل رئيس مؤسسة رفقاء الخير أنه على الرغم من إنذارات ونداءات التحذير التي أطلقتها “الدولة والسلطات المحلية والأرصاد الجوية، فإن السؤال الذي يطرح هو: ماذا فعلنا كمواطنين إزاء هذا الوضع؟ وهل تفاعلنا معه بالشكل والاحتياط المطلوبين؟”.
وزاد المتحدث ذاته مبينا أن العديد من المواطنين يدفعهم “الفضول إلى المخاطرة والإصرار على التقاط صور وفيديوهات للسيول وهي سلوكات لا تزيد الطين إلا بلة”، مشددا على أن المسؤولية يتحملها الجميع ويتطلب تكاملا في الأدوار.
وتابع أنزيض “دور السلطات هو الإبلاغ؛ إلا أن الدور الذي لعبته غير كامل، وكان عليها التبليغ عن طريق مكبرات الصوت والتحذير من السيول والفيضانات مثل ما كان الحال إبان جائحة كورونا”.
واعترف بأن المجمع المدني الذي تمثل مؤسسته جزءا منه “لا نقوم بدورها الكامل ولا نحسس الساكنة بخطورة الفيضانات وتداعياتها المحتملة”، ومضى منتقدا: “نحن لا نفكر إلا في تقديم المساعدات الغذائية والأغطية والملابس، ولا نفكر في التوعية والتحسيس الذي يبقى مهم جدا”، وفق تعبيره.
من جهته، أكد الحسين مسحات، عضو السكرتارية الوطنية للائتلاف المدني من أجل الجبل، أن هناك حاجة ماسة إلى “إدراج ما يمكن تسميته ثقافة الطوارئ في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية والمساجد، وهي مسؤولية تتقاسمها الدولة وكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وأيضاً جمعيات المجتمع المدني”.
واعتبر مسحات، في تصريح لهسبريس، أن ما نرصده من لقطات “مستفزة لمواطنين يلقون بأنفسهم إلى التهلكة أمام مجرى الوديان وبأماكن الخطر، يقتضي معالجته من خلال استراتيجية بعيدة المدى”، مشددا على أهمية “الردع اللازم واللحظي؛ حماية للأرواح التي تزهق بسبب تهور أصحابها”.
ونبه الفاعل المدني ذاته إلى ضرورة تحمل “المكلفين بحفظ النظام والأمن مسؤولياتهم باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة وتطويق أماكن الخطر، خاصة في ظل النشرات الانذارية التي يتم الإعلان عنها، فضلا عن الإمكانيات اللوجيستية الأساسية التي يتوفرون عليها”.
وشدد مسحات على أنه يفترض، في أوضاع مثل هذه، “أن تتخذ السلطات التدابير الاستباقية لإبعاد السكان عن أماكن الخطر، خاصة في النقط المعلوم مرور الأودية منها”؛ الأمر الذي من شأنه أن يجنب البلاد الكثير من الخسائر في الأرواح.
المصدر: هسبريس