فندت وزارة الخارجية السلوفاكية المزاعم الجزائرية بشأن إدراج قضية الصحراء المغربية في إعلان براتيسلافا المشترك، عقب الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى العاصمة السلوفاكية، حيث أجرى محادثات ثنائية مع نظيره السلوفاكي يواري بلانار، وتم التوقيع على إعلان مشترك لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات اقتصادية وبنية تحتية وصناعات صيدلانية، دون أي ذكر للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء.
وأكد البيان الرسمي للخارجية السلوفاكية أن الوثيقة ركزت على تعزيز الشراكة الاقتصادية وإدارة المياه والزراعة، إضافة إلى التنسيق داخل الاتحاد الأوروبي، موردا أن الموقف من النزاعات الإقليمية لم يكن مطروحا ضمن جدول الأعمال.
ويكشف هذا التوضيح الرسمي حجم التباين بين ما تروّجه الجزائر في بياناتها ومضمون الوثائق الرسمية للجانب السلوفاكي، وذلك استمرارا لمحاولات الجارة الشرقية إقحام نزاع الصحراء المغربية في محادثاتها الدولية، في حين تفضل غالبية الدول التركيز على الملفات الثنائية البعيدة عن النزاع الإقليمي.
في هذا الصدد قالت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن السلطات الجزائرية تتخذ قضية الصحراء المغربية مكونا جوهريا في علاقاتها الدبلوماسية، وهو ما تجلى عقب الإعلان المشترك المبرم مع سلوفاكيا في دجنبر الجاري، الذي حاولت من خلاله منصاتها الإعلامية الترويج لفتح ملف الصحراء المغربية مع خارجية سلوفاكيا والتأكيد على المسلسل الاستفتائي، رغم تعميم قرار مجلس الأمن رقم 2797 وتوضيح مضامينه على أوسع نطاق، مع تواصل الأمم المتحدة مع الأطراف المعنية للتركيز على الالتزامات الواردة فيه.
وأضافت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا النمط يعكس إستراتيجية أوسع تنتهجها الجزائر، تقوم على الإدراج المنهجي لقضية الصحراء ضمن الأطر الدبلوماسية الثنائية، ولا سيما خلال مراسيم افتتاح السفارات وتأسيس علاقات دبلوماسية جديدة.
وأوضحت الفاعلة المدنية ذاتها أن إعادة فتح سلوفاكيا بعثتها الدبلوماسية في أكتوبر 2025 بعد انقطاع دام عقدين مكنت الجزائر من افتتاح أول سفارة لها في براتيسلافا، مستغلة هذه الفرصة لدفع أجندتها المتعلقة بالصحراء المغربية.
ونبهت الناشطة الحقوقية نفسها إلى أن الجزائر تحاول مجددا ربط مسألة النزاع بالقضية الفلسطينية لإكسابها شرعية التداول في المنتديات الدبلوماسية والسياسية، وتأطيرها ضمن مرجعيات القانون الدولي وأطر الأمم المتحدة، وهو سلوك يطرح تساؤلات حول توجه سلوفاكيا في التوافق مع المواقف المبدئية للجزائر.
وسجلت المتحدثة ذاتها أن الإعلان المشترك، حسب بيان الخارجية الجزائرية، يهدف إلى تجسيد تقارب إستراتيجي بين البلدين ويمهد الطريق لشراكة موسعة ترتكز على الشرعية الدولية وأولويات جيوسياسية مشتركة، بدلاً من الاكتفاء بتبادل دبلوماسي روتيني، موردة أن “هذه الممارسات تبرز محاولات الجزائر المستمرة لإقحام قضية الصحراء في علاقاتها الدولية”.
وأنهت مينة لغزال حديثها لهسبريس بالتأكيد على أن هذا النهج المرفوض يوضح الطبيعة الانتقائية لمواقف الجزائر، ويستدعي يقظة المجتمع الدولي في التعامل مع مثل هذه المحاولات الدبلوماسية لتجاوز النزاعات الإقليمية، مع احترام المبادئ الدولية وحقوق المغرب السيادية.
من جانبه سجل دداي بيوط، فاعل سياسي وباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن الإستراتيجية الدبلوماسية للجزائر بخصوص الصحراء المغربية تتمحور حول أهداف رئيسية لإفشال مساعي المغرب والأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل وجدي، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، مشيرا إلى أن “الجزائر تسعى من خلال ذلك إلى تأطير موقفها باستمرار من منظور تصفية الاستعمار وتقرير المصير، مع الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه الترويج لتاريخها الخاص وإظهار نفسها كمدافع عن القانون الدولي”.
وأوضح بيوط، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجزائر تتذرع بتحقيق هذه الأهداف للتصدي للمكاسب الدبلوماسية المغربية، التي شملت اعتراف الولايات المتحدة بمطالب المغرب بالسيادة في دجنبر 2020، وتأييد فرنسا مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد في يوليوز 2024، إلى جانب مواقف مماثلة لدول أوروبية أخرى، مؤكدا أن “هذه المكاسب شكلت تحديا للإستراتيجية الجزائرية التي تسعى إلى الحفاظ على الدعم الدولي لمطلب جبهة البوليساريو والانفصال”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن الجزائر تبني شبكات دعم واسعة، مستهدفة الدول التي لم تتخذ مواقف بعد أو التي قد يكون دعمها متذبذبا، لافتا إلى أن “المناورات الجزائرية تتضمن دمج ملف الصحراء المغربية بشكل روتيني في المشاورات الثنائية، كما ظهر في المحادثات الجزائرية السلوفاكية السابقة، إلى جانب محاولات توظيف النفوذ الاقتصادي وموقعها كمورد للطاقة للضغط على الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية”.
وأكد الفاعل السياسي ذاته أن هذه الإجراءات، مثل تعليق معاهدة الصداقة مع إسبانيا في يونيو 2022، واستدعاء السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، تكشف عن استعداد الجزائر لفرض تكاليف دبلوماسية على الدول التي تغير مواقفها بشأن الصحراء المغربية، مشددا على أن “هذه السياسة تقوم أساساً على رد الفعل أكثر من صياغة أهداف إستراتيجية إيجابية”.
ولفت بيوط الانتباه إلى أن إستراتيجيات الجزائر تواجه تحديات حقيقية، أبرزها التحول الدولي لصالح المغرب وتزايد عدد الدول الغربية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، ما يضع الجزائر في موقف غير موات ويزيد من احتمالات عزلتها الدبلوماسية.
واسترسل المهتم بنزاع الصحراء بأن الزخم الدبلوماسي المتواصل لصالح المغرب يعكس أن عامل الوقت يصب في صالح المملكة، بينما تعتمد الجزائر على مناورات جزئية وسلوك رد فعلي يحد من قدرتها على التأثير الفعلي في ملف الصحراء.
وخلص بيوط في نهاية حديثه لهسبريس إلى أن الإستراتيجية الجزائرية، رغم كل الجهود المبذولة، تواجه انتكاسات دبلوماسية متلاحقة، مؤكدا أن “المغرب يواصل كسب أرضية سياسية ودبلوماسية واسعة تعزز موقفه في النزاع الإقليمي”.
المصدر: هسبريس
