في دوار تيلسخت الهادئ، التابع لجماعة وسلسات بإقليم ورزازات، يعيش سعيد، رجل في الواحدة والخمسين من عمره، جسده يحمل أثر الإعاقة، لكن روحه تمشي بثبات لا يعرف التردد. بين يدَيه المتشققتين من العمل في الأرض، تختبئ قصة إنسان تجاوز حدود الجسد ليعيد تعريف القوة والإرادة في أكثر صورها صفاءً وبساطة.
سعيد هو المعيل الوحيد لأمه وزوجته وابنته. لم تمنعه الإعاقة، ولا وعورة الجبال التي تحتضن قريته، من أن يحمل همّ أسرته على كتفيه ويشق طريقه في الحياة بشرف وعزة نفس. كل صباح، يخرج إلى حقله الصغير، يحمل أدواته المتواضعة، يحرث، يسقي، ويزرع، مؤمنًا أن الكرامة تُنبت من العرق، وأن الأمل لا يموت ما دامت اليد تمتد إلى التراب بحبّ.
لكن القدر لم يكن رحيمًا دائمًا. فبعد الزلزال الذي ضرب مناطق عدة في المغرب، تعرض منزل سعيد لتشققات خطيرة جعلته يعيش قلقًا مضاعفًا بين خوف من انهيار المسكن وهمّ إعالة أسرته. ورغم كل ذلك، لم يعرف الرجل طريق الاستسلام، بل قابل المحنة بابتسامة صامتة وعزيمة متجددة، وكأن الزلزال لم ينجح إلا في كشف صلابة روحه.
عندما زارته جريدة ، بدا سعيد كمن يختصر فلسفة الحياة في جملة واحدة: “الإعاقة ماشي عجز، العجز هو أننا ما نحاولوش”. كلمات قليلة تختصر سنوات من الصبر والكفاح، من الانكسارات الصغيرة والانتصارات اليومية التي لا تراها الكاميرات.
اليوم، وبعد أن رسخ قدميه في العمل الفلاحي، يحلم سعيد بالانتقال إلى مستوى جديد من الإنتاج، من خلال تطوير مشروع فلاحي أو تجاري بسيط في منطقته “تابقالت”. لكنه لا يطلب الصدقة، بل الشراكة. نداءه ليس صرخة عجز، بل دعوة ذكية إلى الجهات المسؤولة والجمعيات والمحسنين للنظر في قصته كاستثمار في إنسان قادر، لا كملف مساعدة مؤقتة.
سعيد لا يطلب أكثر من فرصة ليثبت أن الإرادة أقوى من كل الظروف، وأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية رحلة أخرى من الإصرار والإبداع. قصته ليست مجرد حكاية رجل من ورزازات، بل مرآة لآلاف المغاربة الذين يزرعون الأمل في تربة الصعاب، فيصيرون رموزًا صامتة لوطن لا يتوقف عن الحلم.
المصدر: العمق المغربي
