تتحرك موجة جديدة في المشهد الإعلامي، تقدّم نفسها كبديل سريع لكل محاولة جادة لفهم الواقع. موجة تصنع حضورها عبر صور مقتطعة، وحكايات تُبنى فوق الأشد صخبًا، وتتهم الهدوء بالبلادة. هذه الموجة تقتحم وعينا دون تردد، وتعيد ترتيب اهتمام الجيل الناشئ وفق معيار يربط القيمة بمدى قدرة المحتوى على إثارة الدهشة أو استفزاز المشاعر.

صحافة الفضائح تحولت إلى منظومة قائمة بذاتها، تعتمد إيقاعًا يسبق التفكير، وتستثمر اندفاع المتابع قبل أن يتساءل عن خلفية ما يشاهده. صُنّاع هذه المنصّات يعرفون جيدًا أن الجمهور ينجذب إلى ما يوقظ الانفعال، فيقدّمون له مادة جاهزة للاستهلاك السريع، محملة بتلميحات تُغري بالتأويل، مبتعدة عن أي بناء معرفي يمنح الخبر وزنه.

التأثير الذي تتركه هذه الظاهرة يتعمق في الوعي أكثر من أي خطاب مؤسساتي. المتابع الشاب يفتح هاتفه مرات كثيرة في اليوم، فيعبر خلال دقائق من فضيحة إلى أخرى، ومن ادعاء إلى آخر، ثم يخرج بانطباع يختلط فيه الواقع بالخيال، ويتراجع فيه حضور التحليل أمام إغراء المشهد الدرامي. وهكذا تتشكل صورة ناقصة عن المجتمع، تُختزل في لحظات الانفعال التي تفرضها تلك المنصّات.

هذا الخطاب يعيد تشكيل مزاج جماعي يُحسن التعليق على الفضيحة أكثر مما يُحسن السؤال عن سياقها. يُصبح الخبر تفصيلًا ثانويًا، بينما تتحول الإثارة إلى محور النقاش. الجيل الذي ينشأ داخل هذا الإيقاع السريع يتعلم أن يقيّم العالم عبر ما يلمع أمامه أولًا، وأن يتعامل مع الأحداث كمشاهد منفصلة، بلا روابط، بلا فهم، وبلا قدرة على رؤية الصورة الكاملة.

تأثير هذا النوع من المحتوى في الهوية الرقمية للشباب واضح. المنصّات المثيرة تمنحه شعورًا زائفًا بالاطلاع، فيظن أنه يتابع المجتمع، بينما هو يراقب جزءًا شديد الضيق من الواقع. هذا التوهّم يضعف حسه النقدي، ويجعله أكثر قابلية للانجرار خلف السرديات الجاهزة التي تروّجها تلك الصحافة.

مع ذلك، المشهد ليس قدرًا محتومًا. حماية الجيل تحتاج مقاربة تتجاوز التنبيه الأخلاقي إلى بناء درع معرفي يسمح له بفحص ما يراه. التربية الإعلامية هي النقطة الأولى: توجيه المتلقي إلى طرح الأسئلة الصحيحة، إلى قراءة الإشارات المخفية في الخطاب، إلى البحث عن مصدر موثوق، وإلى فهم أن الفضيحة التي تُنشر خلال دقائق قد تُخفي خلفها سياقات معقدة لا يكشفها أصحاب المحتوى السريع.

الإعلام المهني مطالب بدوره بمراجعة أدواته. الجاذبية عامل حاسم، لكن يمكن تحقيقها دون الانزلاق إلى الإثارة. محتوى رصين، بلغة جذابة، يقدم المعنى دون أن يساوم على العمق، قادر على مواجهة موجة التفاهة. الجمهور لا يرفض الجودة عندما تُقدّم له بلغة قريبة منه. كل ما يحتاجه هو نموذج يُقنعه بأن الفهم أوسع من الضجة، وأن المعرفة أكثر جمالًا من المشهد المقتطع.

المؤسسات الثقافية والتعليمية لها دور مكمل. الجيل يحتاج فضاءات تُشجّع على قراءة الواقع، لا على التفاعل السريع. البرامج التي تُعرّف المتعلمين بأساسيات التفكير النقدي تمنحهم قدرة على التمييز بين ما يُقدّم على أنه حدث، وما يُصنع لأجل رفع نسب المشاهدة. كما أن تنظيم الفضاء الرقمي يحدّ من الممارسات التي تستغل فضول المتابع وتحوّل التلاعب إلى نشاط مربح.

صحافة الفضائح ليست ظاهرة طارئة، لكنها في شكلها الحالي تمتلك قدرة على التأثير تفوق حجمها الطبيعي. مواجهة هذا الواقع تتطلب وعيًا جماعيًا، وإرادة تمنح الإعلام قيمته الحقيقية، ورؤية تُعيد ترتيب العلاقة بين المتلقي والخبر. الجيل المغربي يستحق مسارًا معرفيًا يفتح أمامه باب الفهم.

حماية هذا الجيل مهمة جسيمة، لكنها ممكنة.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.