اخبار المغرب

سد دار خروفة بالعرائش .. شاهد على رؤية ملكية لتحقيق الأمن المائي والغذائي للمغرب (فيديو)

على امتداد الطريق المؤدية إلى سد دار خروفة بإقليم العرائش، تمتزج ألوان الخضرة والحقول الذهبية مع روائح البقوليات والزيتون، مما يخلق مشهدا طبيعيا ساحرا يبعث على السكينة. تنبض الأرض بالحياة مع انشغال الفلاحين في ري حقولهم التي استعادت عافيتها بفضل مياه السد، ما يضفي شعورا بالفرح والامتنان على وجوههم.

سد دار خروفة إقليم العرائش تصوير: جريدة

سد دار خروفة، الذي كان يوما ما مجرد منشأة هندسية، أصبح اليوم رمزا للتنمية المستدامة وروحا خضراء تبث الأمل في المنطقة. فهو لا يروي الأرض فحسب، بل يوفر أيضا المياه الصالحة للشرب لسكان مدينة طنجة والمناطق المجاورة، مما يفتح فصلا جديدا من النجاح والازدهار في شمال المغرب.

إنجاز ملكي مبارك

في سياق هذه التحولات الإيجابية، يطل محمد جوييد، شيخ فلاحي قيادة بني كرفط، بشهادة صادقة تعبر عن الامتنان للمبادرة الملكية التي أنعشت أرضهم العطشى. وبصوت مفعم بالثقة، يثني جوييد، في حديثه مع جريدة “العمق”، على مشروع سد دار خروفة، واصفا إياه بالإنجاز الملكي المبارك الذي أعاد الأمل للفلاحين، بعدما صار مصدرا رئيسيا لري محاصيلهم التقليدية من قمح وشعير وفول وعدس وحمص، مما عزز استقرارهم المعيشي والزراعي.

ضيعات فلاحية بقيادة بني كرفظ إقليم العرائش

وتلخص كلمات جوييد ببلاغة قصة تحول عميق، حيث لم يعد الماء مجرد مورد، بل بات شريان حياة يحرك عجلة الاقتصاد المحلي ويدفع بأحلام الفلاحين نحو آفاق أرحب من الازدهار. ففي قيادة بني كرفط، والمناطق المجاورة لها، صار السد عنوانا للخير وأساسا لنهضة زراعية متجددة، تستمد قوتها من الأرض ومن سواعد أهلها.

ثمار سياسة ملكية

تعد سياسة بناء السدود في المغرب، التي انطلقت منذ بواكير الاستقلال عام 1960 بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني، استراتيجية وطنية راسخة ترتكز على مبدأ الاستمرارية. وقد أحدثت هذه الرؤية الثاقبة ثورة حقيقية في إدارة الموارد المائية، حيث تمكنت من تعبئة ما يقارب مليار متر مكعب من المياه في مختلف ربوع المملكة، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للتنمية. وقد حظيت هذه الاستراتيجية بدفعة قوية منذ تولي الملك محمد السادس العرش عام 1999.

ففي ظل التحديات المتزايدة المتمثلة في توالي سنوات الجفاف والتناقص المقلق في حصة الفرد من المياه حيث تشير الدراسات إلى أنها ستنخفض إلى أقل من 700 متر مكعب بحلول عام 2025 بعدما كانت تتجاوز 3000 متر مكعب في بداية الستينيات أولى الملك أهمية قصوى لتعزيز القدرة الوطنية على حفظ المياه واستخدامها بكفاءة عالية عند الحاجة.

الملك محمد السادس يدشن سد الحسن الثاني بميدلت

وتتجلى ثمار هذه السياسة الملكية الحكيمة في الأرقام والإنجازات، حيث يبلغ العدد الإجمالي للسدود الكبرى المنجزة حاليا 154 سدا بسعة تخزين إجمالية تقدر بـ 20.8 مليار متر مكعب، منها 61 سدا كبيرا بسعة تقدر بـ 6.35 مليار متر مكعب تم إنجازها منذ تولي الملك محمد السادس العرش عام 1999.

وإضافة إلى ذلك، يجري العمل حاليا على إنجاز 12 سدا كبيرا آخر وتعلية سدين بسعة تقارب 4.80 مليار متر مكعب، وهناك 7 سدود أخرى مبرمجة بسعة 3.36 مليار متر مكعب، وهو ما سيمكن من بلوغ سعة تخزينية إجمالية تقدر بـ 28.95 مليار متر مكعب.

تغذية التنمية وإرواء العطش

في التاسع من فبراير 2010، شهدت جماعة زعرورة بقيادة بني كرفط بإقليم العرائش لحظة تاريخية، بإعطاء الملك محمد السادس الانطلاقة الرسمية لبناء سد دار خروفة. هذا المشروع المائي العملاق، الذي بلغت كلفته 1.5 مليار درهم بسعة تخزينية تصل إلى 480 مليون متر مكعب، شكل تحولا استراتيجيا في تدبير الموارد المائية بالمنطقة، حيث مكن من سقي محيط ريصانة سواكن على مساحة 21 ألف هكتار، كما يساهم بشكل حيوي في تزويد جماعات جهة طنجة تطوان الحسيمة بالماء الصالح للشرب.

سد دار خروفة إقليم العرائش تصوير: جريدة

وفي إطار التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى مواجهة التحديات المائية، تم تنفيذ مشروعين استراتيجيين لربط سد دار خروفة بسدي التاسع أبريل ووادي المخازن، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 1.027 مليار درهم. يشمل المشروع الأول الذي تبلغ كلفته 187 مليون درهم نقل 50 مليون متر مكعب سنويًا لتعزيز التزويد بالماء الصالح للشرب لمدينة طنجة، بينما يهدف المشروع الثاني، الذي كلف 840 مليون درهم، إلى تحويل 100 مليون متر مكعب لدعم الأنشطة الفلاحية وتأمين الإمداد المائي المستدام بمعدل تدفق يقدر بـ 3.2 متر مكعب في الثانية.

ويمثل مشروع ربط سد وادي المخازن بسد دار خروفة خطوة رائدة على مستوى جهة الشمال. ووفقا لما أكده محمد رفقي، رئيس قسم الماء والتطهير بمديرية الشبكات العمومية المحلية، في تصريح لجريدة “العمق”، يمتد هذا المشروع على مسافة 40 كيلومترا، ويهدف إلى تقوية وتأمين التزود بالماء الصالح للشرب لصالح قطب طنجة الكبرى، بالإضافة إلى دعم المناطق الزراعية المجاورة بالمياه اللازمة في ظل التحديات المناخية والإجهاد المائي المتزايد.

مشروع مائي استراتيجي

أكد ياسين وهبي، مدير تخطيط وتقييم الموارد المائية بوكالة الحوض المائي اللوكوس، أن السد، الذي دشنه الملك محمد السادس سنة 2010 بإقليم العرائش، يمثل ثاني أكبر سد على مستوى نفوذ الوكالة، بسعة تخزينية تصل إلى 480 مليون متر مكعب. ويقع السد على بعد 29 كيلومترا من مدينة العرائش و34 كيلومترا عن القصر الكبير، وقد بدأ تشغيله وملؤه بالمياه سنة 2018، ويبلغ حاليا مستوى ملئه نحو 24%، بما يعادل 117 مليون متر مكعب.

سد دار خروفة إقليم العرائش تصوير: جريدة

وأضاف وهبي، في تصريحه لجريدة “العمق”، أن السد، وهو من النوع الترابي ذو النواة الطينية، يتكون من حاجز رئيسي وآخر للفج، ويهدف بالأساس إلى سقي مدار دار خروفة الفلاحي على مساحة 21 ألف هكتار، منها 10 آلاف هكتار مجهزة تستفيد من حصة سنوية تناهز 22 مليون متر مكعب. وإضافة إلى دوره الفلاحي، يساهم السد في دعم تزويد قطب طنجة الكبرى بالماء الشروب بنقل 50 مليون متر مكعب سنويا، ما ساعد في تخفيف تداعيات الإجهاد المائي والتغيرات المناخية بالجهة.

وإلى جانب أدواره الحيوية في الفلاحة والماء الشروب، لفت المسؤول بوكالة حوض اللوكوس إلى أن سد دار خروفة يشكل رافعة تنموية حقيقية، إذ ساهم في خلق حوالي 500 ألف فرصة عمل، إلى جانب تحفيز السياحة البيئية بالمنطقة. وفي هذا السياق، يتطلع المسؤولون، خلال السنوات المقبلة، إلى استكمال تجهيز كافة المساحة الفلاحية المستهدفة، بحصة مائية مبرمجة تصل إلى 130 مليون متر مكعب، ما يعزز رهانات التنمية المستدامة والأمن المائي بجهة الشمال.

سد دار خروفة إقليم العرائش تصوير: جريدة

هندسة عملاقة

فيما يخص الجوانب التقنية للمنشأة، أوضح محسن العسري، رئيس سد دار خروفة، في حديثه لجريدة “العمق”، أن السد يقع بجماعة زعرورة بقيادة بني كرفط، ويتكون من برج مآخذ المياه، ومفرغ الحمولة، ومفرغ القعر، إضافة إلى الحاجز الرئيسي الذي يبلغ علوه 73.5 مترا. وأوضح العسري أن حجم الردم بالحاجز الرئيسي بلغ 1.7 مليون متر مكعب، فيما سجل حاجز الفج ردومًا تقدر بـ 0.3 مليون متر مكعب، مشيرا إلى أن التكلفة الإجمالية لإنشاء السد بلغت حوالي 1.5 مليار درهم، مضيفا أن فرق المراقبة تسهر يوميا على متابعة وضعية السد لضمان سلامة المنشأة.

غرفة تقنية سد دار خروفة إقليم العرائش تصوير: جريدة

ويجسد سد دار خروفة ومشاريعه المرتبطة به إرادة المغرب القوية ورؤيته المستنيرة في مواجهة تحديات الماء والتنمية. وبفضل هذا الإنجاز الضخم، يخطو المغرب بثبات نحو تحقيق الأمن المائي والغذائي، وترسيخ أسس التنمية المستدامة في جهة الشمال، تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس.

تصوير: يونس ميموني

مونتاج: رشيدة أبو مليك

تعليق صوتي: مريم البورقادي

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *