في ظل التحولات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا، تكتسي زيارة مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى المنطقة، حسب مهتمين، طابعا استراتيجيا؛ إذ تعكس تحركا واضحا من واشنطن لتنزيل مقارباتها الجديدة تجاه القارة الإفريقية عموما، التي تركز على دعم
الفواعل الإقليمية المستقرة، وإعادة ضبط بوصلة الانخراط الأمريكي في المنطقة، عبر دعم الشراكات وتعزيز المبادرات الواقعية لتسوية النزاعات، وعلى رأسها النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ويرى مهتمون بالشأن المغاربي أن هذه الزيارة تأتي من أجل تفعيل أدوات الضغط الناعم لدفع الأطراف المنخرطة في نزاع الصحراء، وعلى رأسها الجزائر، إلى تبني المقاربات البراغماتية والواقعية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى، خاصة في ظل تزايد أهمية المنطقة المغاربية في الأجندة الاستراتيجية لواشنطن، وإضعاف استمرار هذا النزاع المفتعل لهندسة الشراكات الأمنية والاقتصادية بين أمريكا وبعض دول المنطقة.
توجهات جديدة
عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، قال إن “زيارة مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى المنطقة المغاربية، تأتي من أجل شرح التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، ومن أجل إزالة مختلف العوائق التي تعيق إقامة شراكة متعددة الأبعاد بين واشنطن ودول المنطقة، سياسيا واقتصاديا وكذا أمنيا”.
وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إفريقيا والمنطقة المغاربية باتتا تحظيان بأهمية استراتيجية كبيرة لدى واشنطن، وهو ما يؤكده اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس دونالد ترامب بعدد من رؤساء الدول الإفريقية في البيت الأبيض، في مقدمتهم الرئيسان الموريتاني والسنغالي”.
وتابع بأن “كل هذه التطورات تُظهر أن هناك توجها أمريكيا واضحا سيُعبَّر عنه بشكل صريح بعد هذه الزيارة، من خلال التأكيد على التصور الأمريكي للدور الذي يمكن أن تلعبه دول المنطقة سياسيا ودبلوماسيا في بناء شراكات بمنطق جديد”، مسجلا أن “الإقرار الأمريكي بمغربية الصحراء من خلال دعم مبادرة الحكم الذاتي سيكون حاضرا في صلب المحادثات من أجل الدفع قدما نحو تسوية هذا الملف على أساس قرارات مجلس الأمن ومخطط الحكم الذاتي الذي تدعمه واشنطن”.
وأشار الأكاديمي ذاته إلى أن “هناك تفاوتا في طبيعة العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة المغاربية، حيث تبرز المملكة المغربية باعتبارها الدولة الوحيدة التي تجمعها اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، إلى جانب متانة التعاون العسكري والشراكة الاقتصادية بين الجانبين”، مشددا على أن “واشنطن تريد توسيع دائرة شراكاتها في المنطقة في إطار تعاوني، لكن لا بد من زوال العوائق التي تحول دون ذلك، وعلى رأسها استمرار ملف الصحراء المغربية”.
لحظة الحسم
من جهته، قال محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إن “زيارة مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة شمال إفريقيا تندرج ضمن سياق استراتيجي يعكس اهتماما أمريكيا متجددا بالمنطقة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية”، مضيفا أنه “من خلال تتبع تطورات الموقف الأمريكي، يُلاحظ أن هذه الزيارة تندرج في إطار استمرارية موقف واشنطن الداعم للمقترح المغربي، وهو ما تجسد بوضوح في الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، الذي أقرّته الإدارة الأمريكية؛ إذ يظل هذا الموقف مرجعية قائمة في تعامل الولايات المتحدة مع الملف”.
وزاد شارحا: “لقد أضحى واضحا أن واشنطن تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب إطارا جديا وواقعيا لتسوية النزاع المفتعل، بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية القائمة على تغليب الحلول العملية وتعزيز الاستقرار الإقليمي. وفي ظل التحديات المتزايدة التي تعرفها منطقة الساحل، وتراجع الثقة في بعض الفاعلين التقليديين، بات المغرب يشكل شريكا موثوقا يتمتع برؤية استباقية وقدرات مؤسساتية تعزز موقعه كفاعل إقليمي رئيسي”.
وانطلاقا من ذلك، أكد المتحدث لهسبريس أن “الولايات المتحدة قد تسلك قنوات ضغط ناعمة ولو بشكل غير مباشر لدفع الأطراف المتحفظة، وعلى رأسها الجزائر، نحو مراجعة مواقفها الجامدة، بما ينسجم مع المقاربة الأمريكية التي ترفض منطق الانفصال، وتنبّه إلى ما يشكله من تهديد صريح للاستقرار الإقليمي”، مشيرا إلى أنه “بالنسبة للمغرب، فإن هذا التحول في المزاج الجيوسياسي الأمريكي يشكل فرصة يجب استثمارها بعناية، سواء من خلال توسيع دائرة الحلفاء والداعمين داخل الولايات المتحدة، أو عبر تعزيز الحضور داخل الفضاءات التشريعية والإعلامية ومراكز التفكير الأمريكية، مع الاستمرار في إبراز مصداقية النموذج التنموي المغربي، خاصة في الأقاليم الجنوبية”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “التحرك الأمريكي الأخير لا يمكن فصله عن تقاطع المصالح الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن”، وأن “هذا التقارب يفتح آفاقا واعدة لتقوية الشراكة الثنائية، ويقرب من لحظة الحسم، شريطة مواصلة المغرب لجهوده على المستويات الدبلوماسية والتنموية والاستراتيجية”.
المصدر: هسبريس