زيارة ماكرون للمغرب.. هل تعيد ترتيب أوراق الشركاء الاقتصاديين للمملكة؟
تشهد العلاقات المغربية الفرنسية ديناميكية متجددة بعد فترة من الجمود والتوترات الدبلوماسية التي ميزت مسارها في السنوات الأخيرة، إذ جاءت خطوة فرنسا الأخيرة بالاعتراف بمغربية الصحراء ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي، لتفتح صفحة جديدة في مسار هذه العلاقات، حيث ينتظر المغرب استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة دولة إلى المملكة الاثنين المقبل، وهي زيارة تحمل آمالاً كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
في هذا السياق، تتجه الأنظار حول ما إذا كانت هذه الزيارة، ستساهم في إعادة تموضع فرنسا كأحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للمغرب، خاصة بعد التحولات التي شهدتها السياسة الخارجية المغربية نحو تنويع الشراكات الاقتصادية الدولية وتوسع النفوذ الإسباني داخل الأسواق المغربية. فهل ستمثل زيارة ماكرون عودة قوية لفرنسا في سباق الشراكة الاقتصادية بالمغرب أم أنها خطوة للحفاظ على موقع متوازن في ظل تنامي حضور شركاء آخرين؟
هشام معتضد خبير الشؤون الاستراتيجية، اعتبر أن العلاقات المغربية الفرنسية، من النماذج الرائدة في التعاون الثنائي بالمنطقة، وذلك رغم المد والجزر الذي يتعرض له التداخل الاستراتيجي، في بناء روابط القوى بين البلدين، كون أنها ترتكز على أسس تاريخية واقتصادية متينة.
فتح آفاق جديدة
اقتصاديا، أكد المتحدث ذاته، في تصريح لـ “العمق” أن فرنسا تعد من أبرز الشركاء التجاريين للمغرب، إذ يسجل البلدان تداخلاً عميقاً على مستوى الاستثمارات، خاصة في مجالات البنى التحتية، والصناعة، والقطاع المالي، مضيفا أن هذا التطور انطلاقاً من الاعتماد على التبادل الاقتصادي، حيث يجد كل من المغرب وفرنسا في العلاقة الثنائية مجالاً لتعزيز القوة الاقتصادية المشتركة، وتعزيز النمو من خلال خلق منافع متبادلة.
وحسب الخبير المغربي المقيم بكندا، يمكن لزيارة الرئيس الفرنسي أن تلعب دوراً حاسماً في دفع هذه الديناميات إلى مستويات أعلى، عبر فتح آفاق جديدة للاستثمارات وتعزيز مشاريع استراتيجية مشتركة، مستندة إلى أساس اقتصادي ينسجم مع التحولات الاستراتيجية الجديدة، وذلك بعد سوء الفهم الكبير الذي عرفته العلاقات بين البلدين.
ويرى معتضد أن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يمكنها أن تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز “الدبلوماسية الاقتصادية” كآلية لدعم الروابط الثنائية، وهي مقاربة يمكن تفسيرها ضمن “نظرية الدبلوماسية الاقتصادية” التي تعتبر الدبلوماسية رافعة لدعم المصالح الاقتصادية للبلدان.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن “هذا النهج يتسح لفرنسا استخدام علاقاتها مع المغرب كنقطة ارتكاز اقتصادية في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، بينما يستفيد المغرب من هذه الشراكة لدعم اقتصاده في مواجهة التحديات العالمية، فبناء تحالفات اقتصادية متينة يسهم في دعم الاستقرار السياسي الذي يسعى البلدان للحفاظ عليه في علاقاتهما الثنائية”.
محور اقتصادي إقليمي
وشدد المتحدث ذاته، على أن هذه الزيارة تندرج أيضا ضمن إطار “نظرية التكامل الإقليمي” التي ترى أن التقارب الاقتصادي بين الدول المجاورة جغرافياً أو تاريخياً، يعزز من الاستقرار ويحقق التكامل الاقتصادي المنشود، عبر تعزيز التعاون في قطاعات رئيسية كالصناعة والطاقة المتجددة، وقال إنه “يمكن لفرنسا والمغرب إنشاء شبكة تكامل اقتصادي تستفيد منها المنطقة ككل، مما ينعكس إيجابياً على النمو الاقتصادي واستقرار أسواق العمل، ويدفع بالمغرب لتعزيز مكانته كمحور اقتصادي إقليمي”.
وأردف المحلل الاقتصادي ذاته، أنه التعاون الاقتصادي بين البلدين يجب النظر إليه من منظور “الاستراتيجية الشاملة” التي تهدف لتعزيز المصالح الوطنية لكل طرف، كون أن هذه الزيارة يمكنها أن تسهم في تمكين المغرب من الحصول على تمويلات واستثمارات تدعم مساعيه التنموية، خاصة في ظل التوجهات الاستراتيجية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي.
وبخصوص فرنسا أشار معتضد إلى أنها تجد في المغرب شريكاً استراتيجياً يتيح لها الوصول إلى أسواق جديدة، خاصة في إفريقيا، ومن هنا، يُتوقع أن تسهم هذه الزيارة في تعزيز الارتباط الاقتصادي وفق أسس استراتيجية متينة.
سجل معتضد أن الزيارة المتوقع يمكنها أن تفتح الباب أمام إعادة النظر في التحالفات الاقتصادية المغربية، خاصة في ظل وجود منافسة متزايدة من قبل قوى دولية أخرى كالصين وروسيا والولايات المتحدة.
ووفقاً لـ”نظرية الموازنة بين القوى”، تسعى الدول إلى تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية بما يضمن تحقيق مصالحها الوطنية، وبناءً عليه، قد يجد المغرب في تعميق شراكته مع فرنسا وسيلة لتحقيق هذا التوازن الاستراتيجي، مما قد يدفع الشركاء الآخرين لإعادة تقييم استراتيجياتهم تجاه السوق المغربية والتكيف مع التوجهات الجديدة.
بناء شراكات متعددة
وتابع بالقول “توجهات المغرب في تنويع شراكاته الاقتصادية تتماشى مع “نظرية التنويع الاستراتيجي”، التي تشجع على بناء شراكات متعددة لتقليل الاعتماد على شريك وحيد، وعلى الرغم من أهمية العلاقات مع فرنسا، يعمل المغرب على توسيع شبكة علاقاته الاقتصادية لتشمل دولاً جديدة”.
وفي هذا السياق، قد تساهم زيارة ماكرون حسب المختص في خلق توازن جديد بين القوى المتنافسة، مما يسمح للمغرب بزيادة مرونته في التعامل مع مختلف الشركاء ويعزز قدرته على الاستفادة من العروض الاقتصادية المقدمة.
وأبرز المتحدث ذاته أهمية “نظرية الهيمنة الإقليمية” في هذا السياق كعنصر مهم، حيث يسعى المغرب للتموضع كقوة اقتصادية محورية في المنطقة، وهو ما يمكن أن يعزز من مكانته على الساحة الدولية، من هذا المنطلق، يمكن لزيارة ماكرون أن تدعم الطموح المغربي نحو القيادة الإقليمية عبر اتفاقيات تعاون جديدة، بحيث يُنظر إلى المغرب كقاعدة استثمارية رئيسية لشركاء متعددين، وبالتالي تعزيز جاذبيته الاقتصادية في مواجهة المنافسة الإقليمية والدولية.
وخلص خبير الشؤون الاستراتيجية هشام معتضد، إلى التأكيد أن المغرب يمكنه توظيف هذه الزيارة لتعزيز صورته كدولة تسعى لتحقيق شراكات متعددة الأبعاد، مما يرسخ مكانته كحليف اقتصادي موثوق، وفي المقابل، ستسعى فرنسا لتثبيت دورها كشريك تقليدي يحترم سيادة المغرب ويسعى لدعمه اقتصادياً، ما يعزز من موقعها كشريك مميز.
جدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا شهدت تطوراً ملحوظاً في عام 2023، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين مستوى قياسيًا قدره 14 مليار يورو، ما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين، إذ تعد فرنسا أكبر مستثمر أجنبي في المغرب، مع وجود غالبية الشركات الفرنسية المدرجة في سوق باريس للأسهم.
وللإشارة فإن المغرب يعد أكبر مستثمر أفريقي في فرنسا، حيث ارتفعت محفظته الاستثمارية بشكل كبير لتصل إلى 1.8 مليار يورو في عام 2022 مقارنة بـ 372 مليون يورو في عام 2015، كما يستفيد المغرب بشكل كبير من الدعم المالي الفرنسي، حيث يعتبر المستفيد الأول من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).
المصدر: العمق المغربي