رهانات تنموية كبرى تحفز الجهود الاستثمارية العمومية في مشروع قانون المالية
جهد استثماري كبير ما فتئ يتنامى مع توالي السنين تخصصه المالية العمومية بالمغرب للاستثمارات العمومية المقرَّرة لفائدة الجماعات الترابية ومؤسسات ومقاولات عمومية متعددة الأنشطة؛ هذا التنامي لا تخطئه عيون فاعلي المنظومة الاقتصادية في قوانين المالية خلال السنوات الثلاث الماضية، تزامناً مع إيلاء أهمية قصوى لتفعيل بنود ميثاق الاستثمار الجديد وشروع صندوق محمد السادس للاستثمار في العمل.
وكانت معطيات الحجم الإجمالي للاستثمار العمومي قد بلغت غلافا ماليا قدره 300 مليار درهم في السنة المالية 2023، بعدما خصص للمجهود الاستثماري في القطاع العام 245 مليار درهم في قانون مالية 2022، ما يعني زيادة تقدّر بـ55 مليار درهم بين السنتيْن الماليتين المذكورتيْن.
مواصلة الجهود المبذولة لتمويل الاستثمار العمومي تعكِسُها بجلاء قيمة هذا المبلغ، موازاة مع تعزيز الاستثمار الخاص الوارد بوضوح في مشروع قانون المالية للسنة المالية 2024. وبحسب المعطيات الواردة في الجزء المخصص للتوزيع الجهوي للاستثمار العمومي في إطار المشروع ذاته، فإنه من المقرر أن يصل الغلاف المالي المخصص للبرامج والمشاريع الاستثمارية إلى 335 مليار درهم، بزيادة قدرها 11,6 في المائة مقارنة مع السنة الحالية.
هذا الجهد الاستثماري المرصود ضمن مشروع قانون المالية 2024 لتمويل الاستثمار العمومي يسائل كيفية توزيعه جهويا، وضمان ربح رهان ثنائي متمثل في الحفاظ على/ أو رفع مناصب الشغل المحدثة ما أمكن دون إغفال البعد المجالي والتوزيع العادل لفرص وثمار الاستثمار العمومي.
مقاربة جديدة
“شرع المغرب في اعتماد مقاربة جديدة لتدبير الاستثمارات العمومية، بهدف ضمان أداء أفضل للمشاريع الاستثمارية المقدمة للتمويل العمومي وتحسين آثارها الاجتماعية والاقتصادية. وسيمكن هذا الإصلاح من إنشاء إطار موحَّد لضمان التدبير الأمثل والفعال لمشاريع الاستثمار العمومي، بدءا من مرحلة التحديد والتخطيط إلى الإنجاز على المستوى الترابي”، مقتطف من مذكرة تقديم مشروع قانون مالية 2024.
في هذا السياق، سطّرت المذكرة ذاتها على “استفادة المملكة المغربية من مساعدة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، إذ ستعرف سنة 2024 “إصدار تقرير حول تقييم النظام الحالي لتدبير الاستثمارات العمومية بهدف تحديث وملاءمة تحديات وأهداف الإصلاح”، و”إعداد دليل عام للاستثمار العمومي يتناسب مع السياق المغربي وينسجم مع الممارسات الدولية الفضلى”.
البنية التحتية
قال ميلود سطوطي، محلل اقتصادي مختص في قضايا الاستثمار، إن “لا أحد ينكِر ما راكمه المغرب في السنوات الأخيرة من مجهودات معتبرة سواء في الميزانيات المخصصة للاستثمار العمومي أو من حيث الجاذبية”.
وشرح سطوطي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الميزانية الواردة برسم استثمارات عمومية في عام 2024 تتكون فقط، في بِنْيَتها، من “100 مليار درهم ميزانية متأتية من موارد الدولة، فيما بقيّة المبلغ والحجم مصدَرُها هو مؤسسات ومقاولات عمومية كانت مبرمجة مشاريعها الاستثمارية مسبقاً”، معتبرا أن “هذا هو السبب الأساس المفسِّر لارتفاعها”.
وتابع شارحاً بأن “ميزانية الاستثمار العمومي للعام المقبل جاءت مطبوعة في جزء كبير منها باستثمارات موجّهة للتجهيزات والهياكل الأساسية المتعلقة بإعادة الإعمار والبناء في الحوز والأطلس الكبير”، موضحا أن “استثمارات كبيرة في شبكات الماء والكهرباء والطرق تستحوذ أيضا على هيكلتها وتصور الفاعل العمومي لذلك حين وضعه مشروع الميزانية”.
وبخصوص التوزيع المجالي للاستثمارات المرتقبة ومدى ضمانها للتوزيع الترابي “العادل” (بحكم أن جزءا كبيرا منها يخصص لمشاريع الطاقات المتجددة وإعادة التأهيل بعد الزلزال)، توقّع الخبير الاقتصادي أن تكون “الأقاليم الجنوبية للمملكة وأقاليم الحوز من أوائل المجالات الترابية التي ستستفيد من هذا الحجم المالي الاستثماري غير المسبوق، وذلك عكس سنوات سابقة استحوذت فيها جهات الدار البيضاء والشمال (محور طنجةالبيضاء) على الاستثمارات وعائداتها”.
وخلص سطوطي، في حديثه لهسبريس، إلى أن “المغرب يضع دوما في الحسبان أنه يؤدي عجز الميزانية انطلاقاً من ميزانية الاستثمار، وليس من ميزانية التسيير”.
رهانات ضخمة
ذهب زين الدين عبد المغيث، عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية أستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، في اتجاه تأكيد ما انتهى إليه الخبير الاقتصادي سطوطي في قضايا الاستثمار.
“الملاحَظ أنه تم الرفع من مبلغ ميزانية الاستثمار العمومي نظراً للظرفية التي تعرفها البلاد والرهانات المعقودة لإنجاز مشاريع كبرى”، يورد أستاذ المالية العمومية في إفادات تحليلية لهسبريس، ذاكرا على الخصوص رهانيْ تنظيم كأس العالم 2030 والإعداد له، والخروج من تداعيات زلزال الحوز، ما تطلب، بحسبه، رصد ميزانيات كبيرة من أجل “تقوية وتثمين البنيات التحتية”.
كما عرج المتحدث على “ورش الحماية الاجتماعية”، قائلا إن أهميته جعلت الدولة تبرمج له مجموعة من المبالغ لصرفها لفائدة الأسر المستحقة، وهو ما سينطلق متم 2023.
وأجمل بأن “المجهود الاستثماري الإجمالي في القطاع العام يتوخى تحسين صورة المغرب وتحقيق جاذبية وطنية أو ترابية على المستوى الدولي”.
كما أشار إلى أن المذكرة التقديمية للمشروع أوردت ضمن تفاصيلها بعض المبالغ الاستثمارية “المُمَوَلّة في إطار الحسابات الخصوصية للخزينة”، مسجلا أنها “تهم أساسا تعزيز الشبكة الطرقية الوطنية، ودعم برامج قطاعات المياه والفلاحة والغابات، فضلا عن برامج الثقافة والرياضة، والبرامج المخصصة للاستثمار في إطار مرافق الدولة المسيّرة بصفة مستقلة”.
أما ميزانية الاستثمار المرصودة للجماعات الترابية على المستوى الجهوي، فقال عبد المغيث إن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة “خصَّصها أساساً لتدعيم البنيات التحتية لتحسين معيش السكان وتركيز الجهود على توسيع وتقوية خدمات التطهير السائل وشبكات المياه”، مؤكدا أنها “تصل لوحدها إلى 286 مليون درهم”.
المصدر: هسبريس