رفوش ينتقد بلاغ رابطة علماء المغرب العربي حول مدونة الأسرة ويحذر من “المبالغات”
انتقد المشرف العام لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع، عادل رفوش، بعض ما جاء في بيان رابطة علماء المغرب العربي حول التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، والتي اعتبرتها الرابطة مخالفة للشريعة ولتوجيهات الملك محمد السادس، وحذرت من أنها ستدفع الناس للجوء إلى الإفتاء الشرعي عوض التقاضي بالمحاكم.
وقال الداعية عادل رفوش في تدوينة له، إن بيان رابطة علماء المغرب العربي “ليس بدقيق وصيغته فيها مبالغات”، مشيرا إلى أنه “لا تليق بالمبتغى في مثل هذه النازلات، ومن واجب نصرة الحق الاحتياط من الوقوع في الباطل، حتى لا نستدعي المبطلين أو المخالفين، ليتهموا الفقهاء والدين”، وفق تعبيره.
ومن “المبالغات” التي سجلها رفوش في بيان رابطة علماء المغرب العربي، “عدم الدقة في التعقب بحيث قوّلوا اللجنة المكلفة ما لم تقله، كادعائهم إطلاق إسقاط الشهادة، فهذا تقول على اللجنة وعلى الوزير”.
وأشار إلى البيان “استخدم كلمة الإجماع بإطلاق خارج محل النزاع، وادعى وجود مخالفات صريحة للمجمع عليه من شريعة رب العالمين”، معتبرا أن “هذه جملة خطيرة لا تقل في خطورتها عن خطورة من يريد العبث بالمدونة نحو الاختلال والاستغلال”.
وتابع: “فالعدل العدل والدقة الدقة، فالفقه هو دقيق الفهم، عزيمةً كان أو رخصةً؛ موافقة كان أو مخالفة، والحق لا ينصر إلا بالحق والتعقُّل وليس بالتقوُّل” بحسب تعبيره.
وحذر رفوش أن “على مثل هذه المبالغات يركب الباغون”، مضيفا: “نحن المغاربة في جهادِ إصلاحٍ مجتمعي ولسنا في معركةِ تجريحٍ تصدُّعي”، مردفا بالقول: “كما أن في كلا الجانبين غالين ولاغين، فإن في كلا الجانبين عقلاء وعادلين”.
واعتبر أن “المطلوب دقة التفصيل وصدق التحليل لغرض واحد هو {حماية الإنسان؛ مع صيانة الإيمان، وسلامة الأوطان؛ بلا عدوان ولا تأجيج نيران” وفق ما جاء في تدوينته.
وكانت رابطة علماء المغرب العربي قد قالت في بلاغ لها، تتوفر “العمق” على نسخة منه، إن التعديلات التي صرح بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية “تضمنت مخالفات صريحة للمجمع عليه من شريعة رب العالمين، في مخالفة صريحة لما أعلنه الملك محمد السادس حفظه الله من حد واضح للاجتهاد المطلوب، الذي لا يمس ثوابت الدين وإجماعات الفقهاء والمعتمد من مهذب الإمام مالك رحمه الله، خصوصا في مسائل يعتبر المخالف لها مخالفا لإجماع المسلمين”.
وأوضحت الرابطة أنه “لا يجوز الخروج عن أحكام الشريعة الإسلامية حتى لا يصبح القانون مصادما للشريعة وموقعا الناس في الحرج الشديد”، محذرة في هذا الصدد من أن تلك التعديلات ستضطر الناس إلى اللجوء للإفتاء الشرعي بدل التقاضي إلى المحاكم.
وترى الرابطة أن ما جاء في التعديلات مخالف لإجماع المسلمين، وعل رأسها أن عقد الزواج لا يتم إلا بشهادة شاهدين مسلمين، موضحة أن إسقاط هذا الشرط بعد أن أسقطوا الولي في النكاح، يجعل هذا الزواج مخالفا لأركان الزواج في الإسلام، فلا ينعقد النكاح وإن صدر عن المحاكم ودوّن في الوثائق، فالانعقاد الشرعي لا يقع إلا بما أقرته الشريعة الإسلامية.
وأضافت في البلاغ ذاته، أن ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وتخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حق من حقوقه الثابتة، مشددة على أنها لا تعرف في ذلك خلافا بين المسلمين، وفق تعبيرها.
وأضاف المصدر ذاته أن ديون الزوجة منفصلة الذمة عن ديون الزوج، ولا يجوز تحميل أحد الزوجين ديون الآخر إلا إن قبل بذلك، معتبرة أن إلزام أحد الزوجين بدين الآخر واستخلاصه من الإرث مخالف لإجماع المسلمين، وفيه إجحاف كبير بالورثة، وأولهم أم الزوجة التي هي امرأة أيضا.
وبخصوص اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج من أجل تقاسم أمواله في حال الطلاق، قالت الرابطة إن هذا التعديل هو “قول علماني غربي لم يقل به أحد من الفقهاء، وهو مخالف لأصل الزواج في الإسلام” حسب تعبير الرابطة.
وترى الرابطة أن إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة “مخالفة صريحة لكتاب الله، واقتطاع من أموال الورثة بغير حق، وظلم لأم الزوج وسائر ورثته الذين سيحرمون من حقهم في هذا البيت، مع أن أمه قد تكون أشد حاجة لهذا البيتمن زوجته، وهو اجتراء على أحكام الإرث التي تعد من المحكمات في دين االله”.
وقالت الرابط إن ما جاء في هذه التعديلات “لم ينبع من نقاش فقهي أو اجتماعي، وإنما هي ضغوط دولية فرضت على المغرب وعلى غيره من البلدان الإسلامية، وأن نتائج هذه التعديلات لن تخدم الأسرة ولا المجتمع ولا المرأة نفسها”.
وحذرت من أن تلك التعديلات “ستزيد عزوف الشباب عن الزواج، ويتصاعد الشقاق والنزاع داخل الأسرة، فتكون المرأة أول المتضررين، وهذا ما ظهر من جراء التعديلات الأولى التي خالفت الشريعة في مسائل أقل من هذه، فكان ما نراه اليوم من الصدع الكبير” وفق تعبيرها.
وفي هذا الإطار، قالت الرابطة إنه “إذا كان اليهود المغاربة يتمتعون بمدونة خاصة بهم، فإنه لمن المؤسف حقا أن يحرم المسلم من شريعة ربه في بلاده”، متسائلة: “لا ندري لماذا لم يقترح العلماء إيجاد مدونة خاصة بالمذهب المالكي يتحاكم إليها من يريد تطبيق شرع الله في نفسه وأهله وأبنائه، بدل إلزامهم بهذه الأحكام العلمانية التي لن يقبل بها مسلم؟”.
وأفادت الرابطة بأن العلماء اليوم أمام “مسؤولية تاريخية تجاه دينهم وشريعة ربهم، ولا يسعهم اليوم إلا أن يقولوا كلمة الحق، لأن هذه أعراض المسلمين وأموالهم، فمن سكت عن الحق الذي علمه، فقد أسقط عقده مع الله عز وجل إذ يقول في كتابه {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}”.
ودعت القضاة والمحامين إلى رفض هذه التعديلات والوقوف في وجهها بكل الوسائل المتاحة، حتى لا يتحملوا وزر تنفيذ هذه القوانين الجائرة على الناس فيكونوا شركاء في الوزر، معتبرة أنه “على المجتمع المدني بكل شرائحه أن يقف وقفة صادقة لله ثم للتاريخ، فإن ثمن هذه الأخطاء يدفعها المجتمع جيلا بعد جيل”.
وبحسب الرابطة، فإن “أخطر ما يقع اليوم في بلاد المغرب هو استبعاد المذهب المالكي في أهم مناحي حياة المجتمع، وإن إزالة الثوابت الاجتماعية مؤذن بزوال ما بعدها من ثوابت أخلاقية ودينية وسياسية”، مطالبة “المجتمع المسلم بالرجوع إلى شريعة ربه الغراء، فهي النجاة من هذه الفتن المدلهمة”، حسب المصدر ذاته.
المصدر: العمق المغربي