رغم تطمينات الحكومة.. مغاربة بلبنان يتهمون الخارجية المغربية بتجاهل نداءات إنقاذهم
يواصل أفراد الجالية المغربية المقيمين بلبنان، توجيه نداءات إلى السفارة المغربية ببيروت ومصالح وزارة الخارجية بالرباط، من أجل التدخل العاجل لإجلائهم من البلاد بسبب تصاعد القصف الإسرائيلي المتواصل على مدن وبلدات مختلفة من البلاد، وضمنها مناطق يتواجد بها المغاربة.
وتعيش مئات العائلات المغربية في لبنان، حالة من الهلع والترقب، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مناطق واسعة من البلاد، وسط مطالب لوزارة الخارجية المغربية بالتحرك العاجل لتنفيذ عملية إجلاء لرعاياها هناك.
واتهم أفراد من الجالية في اتصالات مع جريدة “العمق”، مصالح وزارة الخارجية بـ”تجاهل” نداءاتهم المتكررة من أجل إجلائهم، على غرار دول عربية أخرى مثل الجزائر وتونس ومصر وغيرها، مستغربين تطمينات الحكومة بشأن أوضاعهم في لبنان.
وبحسب ما أفاد به أفراد من الجالية لـ”العمق”، فإن تصريحات الحكومة المغربية “بعيدة عن الواقع تماما”، مشيرين إلى أن السفارة المغربية بلبنان تؤكد للجالية عدم تلقيها أي تعليمات بعد من الخارجية المغربية للشروع في تنظيم رحلات إجلاء.
وأفادت مصادر بأن المئات تقدموا بطلبات تسجيل لدى السفارة المغربية في بيروت، من أجل إجلائهم إلى المغرب، أو إلى بلد آخر خارج لبنان، غير أن أفراد الجالية يؤكدون أن هذا الإجراء يبقى شكليا في ظل عدم وجود صلاحيات للسفارة بالتحرك بدون تعليمات من الخارجية.
وبحسب مصادر ، فإنه لم يطرأ إلى حدود اليوم، أي تغيير على أرض الواقع، وسط شعور كبير للجالية بـ”التجاهل واللامبالاة” من طرف السفارة والخارجية، وهو ما يفاقم معاناتهم أكثر في ظل عدم التفاعل مع مناشداتهم ونداءاتهم.
وحاولت جريدة “العمق” التواصل مع السفير المغربي ببيروت، ومع مصالح وزارة الخارجية بالرباط، لأخذ وجهة نظرهما حول الموضوع، إلا أنها لم تتلقى أي رد إلى حدود اللحظة رغم معاودة الاتصالات الهاتفية والرسائل على تطبيق “واتساب” مع عدة مسؤولين مغاربة بالرباط وبيروت.
“تجاهل النداءات”
وفي هذا الصدد، كشفت الإعلامية المغربية المقيمة في لبنان، جميلة عاطف، في اتصال لجريدة “العمق” أنها تعيش رفقة أسرتها حالة من الهلع والرعب المتواصلين، مشيرة إلى أن المغرب لم يشرع في تنظيم أي عملية إجلاء إلى حد الآن.
وقالت الإعلامية المغربية، إنه في الوقت الذي تسارع فيه سفارات دول عديدة، من بينها دول عربية، في التواصل مع رعاياها وطمأنتهم والبحث عن حلول لإجلائهم، فإن السفارة المغربية، ومعها وزارة الخارجية، “تتجاهلان” نداءات الجالية المغربية رغم خطورة الأوضاع.
واعتبرت المتحدثة أن تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية تكشف أنه لا علم لما بما يجري على الأرض، أو أن المعطيات التي تصلها مخالفة للواقع، مضيفة: “حتى عملية التواصل لا تتم مع الجالية، ولو بهدف الاطمئنان ورفع معنوياتنا والتأكيد على أن هناك دولة تفكر فينا”.
وبخصوص الأوضاع الحالية، قالت عاطف إن الجالية تعيش حالة من الرعب ولا تعرف إلى أين تذهب، مشيرة إلى أن العديد من العائلات المغربية نزحت من منازلها، حيث توجه بضعها إلى مراكز إيواء مؤقتة فيما ظلت أخرى متشردة في الشوارع، وفق تعبيرها.
وكشفت الإعلامية المغربية أنها عاشت لحظات صعبة جدا ليلة اليوم (الخميسالجمعة)، عقب تنفيذ إسرائيل لأضخم ضربة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت منذ بداية الحرب، مشيرة إلى أنها ظلت ترتجف طيلة الليل مع حالة رعب غير مسبوقة لأسرتها.
وقالت في هذا الإطار: “ظننت أن ما وقع هذه الليلة كان عبارة عن انفجار نووي، تخيل أن تُسقط طائرات 73 طنا من القنابل شديدة الانفجار في مكان واحد وفي لحظة واحدة، ولا أظن أن إمكانيات السلطات اللبنانية ستسعفها لانتشال كل الجثث من تحت الأنقاض”.
وأشارت إلى أن أسرة مغربية حاولت الفرار من لبنان عبر الطريق البرية نحو سوريا، إلا أن قوات الاحتلال قصفت المعبر الحدودي، وهو ما دفع العائلة المغربية إلى العودة من الحدود، لافتة إلى أن مراكز الإيواء التي أقامتها السلطات اللبنانية مكتظة بالنازحين.
من جانبه، قال مصدر مغربي آخر من أفراد الجالية، فضل عدم ذكر اسمه، أن الوضع صعب جدا في لبنان وسط احتياجات عاجلة لأفراد الجالية المغربية، مشيرا إلى أن هناك عائلات مغربية تبيت في الشوارع وآخرون بمداخل العمارات وبالمساجد والمدارس المكتظة،
وأوضح المتحدث في اتصال لجريدة “العمق”، أن معاناة الجالية تفاقمت أكثر بعد قطع الطريق الدولية نحو سوريا إثر قصفها من طرف جيش الاحتلال، مشيرا إلى أنه لم يبقى أمام المغاربة لمغادرة البلاد سوى خيار الرحلات الجوية أو البحرية.
واستغرب المصدر ذاته “عدم تفاعل الخارجية المغربية بجدية مع أزمة المغاربة بلبنان”، لافتا إلى أن السفير المغربي ببيروت ليست له أي صلاحية للحسم في عملية الإجلاء إلى حد الآن، مشيرا إلى أن امتلاء مراكز الإيواء في لبنان يجعل الجالية المغربية أمام خيارات أخرى صعبة جدا.
وأمس الخميس، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، عقب انعقاد المجلس الحكومي بالرباط، إن عددا “لا بأس به” من أفراد الجالية المغربية بلبنان، غادروا هذا البلد بعد تصاعد حدة العدوان الإسرائيلي، لافتا إلى عدم إصابة أي مغربي إلى حد الآن.
وكشف بايتاس أنه “بتوجيه من وزارة الخارجية، تم تشكيل خلية أزمة موازية على مستوى سفارة المملكة بلبنان، تعمل على البقاء على الاتصال المباشر مع أفراد الجالية والاطمئنان عليهم وتوجيههم بما يكفل أمنهم وسلامتهم”.
وشدد على أن “الحكومة دأبت، عبر وزارة الخارجية، على إيلاء أهمية كبيرة لأحوال المغاربة الموجودين في مناطق النزاعات أو الكوارث أو الاضطرابات، عبر إحداث خلية أزمة دائمة تعنى بأحوال الجالية المغربية في أماكن النزاع والتوترات”.
وأشار إلى أن الحكومة المغربية لا ترى الواقع الحقيقي على الأرض، كاشفا أن عملية إجلاء واحدة تمت إلى حد الآن، ويتعلق الأمر بعائلة الأمير هشام، ابن عم الملك محمد السادس، وفق تعبيره.
وكان الأمير هشام قد كشف في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك”، أنه تم ترحيل جميع أفراد عائلته اللبنانية من جهة أمه، من لبنان إلى المغرب، مقدما الشكر إلى الملك محمد السادس، علما أن والدة الأمير هي الأميرة لمياء بنت رياض الصُّلح، والذي كان أول رئيس وزراء للبنان بعد الاستقلال.
“مشاهد رعب”
وكانت جريدة “” قد حصلت على مشاهد توثق لحظات رعب تعيشها العائلات المغربية المقمية بلبنان، بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل على مدن وبلدات مختلفة من البلاد، وضمنها مناطق يتواجد فيها المغاربة.
ووثق مقطع فيديو لحظة صراخ سيدة مغربية أثناء تعرض منزل مجاور لها لقصف إسرائيلي عنيف، فيما أظهر مقطع آخر بعض العائلات المغربية التي نزحت إلى مراكز لجوء، وهي تناشد السلطات المغربية القيام بعمليات إجلاء لرعاياها من لبنان.
وفي مقطع ثالث توصلت به من لبنان، وجهت سيدة مغربية نداء استغاثة إلى الملك محمد السادس ووزارة الخارجية المغربية، من أجل تنظيم عملية إجلاء لأفراد الجالية المغربية، على غرار دول مغاربية أخرى كتونس والجزائر.
وتقول السيدة المغربية في المقطع ذاته: “منازلنا هُدمت وتشردنا، منا من ينام بالشوارع ودور الإيواء ومع عائلات أخرى، نرى الموت بأعيننا ولا نعرف هل سيتم قصفنا غدا أم لا”.
وكشفت السيدة أن السفارة المغربية، “قامت بتسجيل الراغبين في الإجلاء، لكنها تخبر الجالية بأنها لازالت تنتظر صدور تعليمات من الرباط، مناشدة الديوان الملكي إيصال صوتها إلى الملك”.
من جانبها، كشف طالبة مغربية تدرس في لبنان، في تسجيل صوتي، أن الوضع في لبنان أصبح مرعبا ومخيفا جدا، موردة أن: “الجامعات أقفلت أبوابها والشوارع فارغة، وحتى الأكل لا نجده أحيانا”، نعيش الرعب ولا نعرف إلى من نلجأ”.
وأوضحت الطالبة، أنه تم التواصل مع مسؤول في السفارة المغربية ببيروت لإيجاد حل للجالية المغربية، إلا أنه ربط ذلك برد السلطات المغربية، وفق تعبيرها، مردفة بالقول: “نخشى من مصير مجهول إذا وقع اجتياح بري”.
وأفادت مصادر من الجالية المغربية المقيمة بلبنان، بأن المئات تقدموا بطلبات تسجيل لدى السفارة المغربية في بيروت، من أجل إجلائهم إلى المغرب، أو إلى بلد آخر خارج لبنان، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة.
وكشف مصدر من الجالية لجريدة “العمق”، أن حوالي 1500 من أفراد الجالية، أغلبهم نساء وأطفال، تقدموا بطلبات تسجيل إلى السفارة المغربية من أجل إجلائهم، فيما لم يتسنى للجريدة بعد التأكد من هذا الرقم من السفارة.
وبحسب مصادر “العمق”، فإن عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة بلبنان يتراوح، حسب تقديرات غير رسمية، ما بين 3200 و3500 شخص، أغلبهم نساء مغربيات متزوجات بلبنانيين، إلى جانب أطفالهن، وجلهم يملك الجنسيتين المغربية واللبنانية.
وفي ظل تعليق عدد كبير من شركات الطيران لرحلاتها من وإلى لبنان، أصبح حجز تذاكر الطيران بشكل فردي أمرا صعبا في البلاد خلال الأيام الجارية، بالنظر إلى قلة الشركات العاملة حاليا، والارتفاع الصاروخي في أسعار التذاكر.
تذاكر “صاروخية”
وفي هذا الصدد، كشف مغربي مقيم بلبنان في اتصال لـ”العمق”، أنه حاول حجز تذاكر طيران لأسرته المكونة من زوجته وطفليه، من أجل العودة للمغرب، إلا أنه لم يتمكن من ذلك لحد اللحظة بسبب نفاذ التذاكر.
وأشار إلى أن سعر التذكرة تجاوز 2700 دولار (حوالي 27 ألف درهم) للشخص الواحد، لافتا إلى أن أغلب الرحلات المتاحة أمام المغاربة، تتم عبر الخطوط اللبنانية والعراقية وشركة الشرق الأوسط، بعدما علقت باقي الشركات رحلاتها.
وكشف المتحدث ذاته، أن حجز تذاكر لأسرته سيكلفه قرابة 90 ألف درهم (9 ملايين سنتيم)، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر هو العثور على هذه التذاكر في وقت قريب، دون الحديث عن أن أغلب الرحلات تشمل على أزيد من توقفين خارج لبنان قبل الوصول إلى المغرب.
وناشد المصدر ذاته، السلطات المغربية بالتدخل الفوري لتنظيم عمليات إجلاء جوية للعائلات المغربية نحو وطنها الأم، أو على الأقل إلى دول أخرى بالمنطقة، خاصة تركيا التي تتيح للمغاربة الدخول بدون تأشيرات.
وتابع قوله: “المغرب سبق أن نظم عمليات إجلاء لرعاياه في حرب 2006 عبر سفينة إلى قبرص، كما أرسل مساعدات إلى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت سنة 2020″، مشيرا إلى أن سفارات دول عربية وأجنبية تتواصل مع رعاياها حاليا من أجل إجلائهم.
وأضاف في حديثه لـ”العمق” قائلا: “نتمنى أن يتحرك المغرب الآن، لأن الوضع أخطر من أي وقت متى، وكل مناطق البلاد مستهدفة، وليست بيروت أو الشمال في منأى عن ذلك، لأننا أمام كيان مجرم لا يفرق بين لبناني وأجنبي، أو بين طفل وامرأة”.
وينفذ الجيش الإسرائيلي، منذ يوم الاثنين الماضي، أعنف وأوسع هجوم على لبنان منذ بداية الحرب على غزة، ما أدى إلى سقوط أزيد من 600 قتيل إلى حد الآن، بينهم عشرات الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 2500 بجروح، في حين تشير تقديرات رسمية إلى نزوح قرابة 400 ألف شخص.
الملف يصل البرلمان
وكان رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، قد وجه سؤالا كتابا إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين، ناصر بوريطة، يسائله فيه عن الإجراءات التي يعتزم القيام بها تجاه مغاربة لبنان.
وكشف رشيد حموني في سؤاله الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، أن العديد من المغاربة المقيمين في لبنان وجهوا نداءات عاجلة إلى السلطات المغربية من أجل تسهيل عودتهم إلى أرض الوطن.
وأشار النائب البرلماني إلى أن مجموعة من مغاربة لبنان يطالبون سلطات بلادهم بالتدخل لإجلائهم، خاصة في ظل إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها من وإلى لبنان، مما زاد من معاناتهم.
وفي هذا الصدد، طالب البرلماني ذاته من وزير الخارجية، ناصر بوريطة، باتخاذ إجراءات عاجلة لتسهيل عودة المغاربة المقيمين في لبنان إلى أرض الوطن، وذلك في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل وتدهور الأوضاع الأمنية.
وقال حموني إن الغارات الإسرائيلية المكثفة على لبنان أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وتدمير البنية التحتية، مما أثار حالة من الهلع والخوف في صفوف الجالية المغربية.
وطالب النائب من بوريطة بإطلاع البرلمان على التدابير التي اتخذتها الوزارة لضمان عودة آمنة وسريعة للمواطنين المغاربة من لبنان، سواء من خلال برمجة رحلات جوية استثنائية أو عبر أي وسيلة أخرى ممكنة.
يُشار إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، كان قد أعرب عن تضامن المغرب الكامل مع لبنان، حكومة وشعبا، لما يتعرض له من اعتداء، مؤكدا على ضرورة احترام الوحدة الترابية لهذا البلد وسيادته الوطنية.
وتطرق أخنوش خلال كلمته باسم المغرب في اجتماع الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى التصعيد الحالي في منطقة الشرق الأوسط.وسجل أخنوش أن المغرب يعبر عن بالغ قلقه إزاء وضع غير مسبوق من شأنه توسيع دائرة الصراع، والذي قد يدخل المنطقة برمتها في مرحلة لا يمكن التكهن بتأثيرها وتداعياتها.
المصدر: العمق المغربي