رصد التقرير السنوي لبنك المغرب حول “الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2024” أثرا مباشرا لقرار “التيسير النقدي” الذي باشره بنك المغرب مفضيا إلى “تراجع أسعار الفائدة بمختلف الأسواق”.

وعلى وجه الخصوص، أكد التقرير ذاته، المرفوع إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، أن “أسعار الفائدة المطبقة على القروض البنكية قد تدنَّت عموما بواقع 28 نقطة أساس مقارنة مع السنة السابقة” (2023).

ورغم هذا الانخفاض، سجل البنك المركزي المغربي “تباطؤ وتيرة نمو الائتمان البنكي الموجه للقطاع غير المالي (الأسر أساسا) بشكل طفيف إلـى 2,6 في المائة”.

تطور القروض

في شق تحليل التطور البنيوي للودائع والقروض البنكية، رصد بنك المغرب، خلال الفترة الممتدة بين 2020 و2024، “نمو الودائع البنكية بوتيرة مطّردة بلغت 6 في المائة في المتوسط السنوي”.

وحسب المصدر الرسمي نفسه، “كان التطور في نمو الودائع البنكية أسرع من ذلك المسجل في القروض البنكية التي عرفت خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعا سنويا متوسطا بنسبة 4,5% إلى 1130,7 مليارا؛ ما يشمل بالخصوص تباطؤا قويا إلى 2% في 2021، في سياق استمرار مستوى عال من الشكوك المرتبطة أساسا بالجائحة”.

“نمو محدود “

في تحليله لتطورات دينامية الائتمان، أكد زكرياء فيرانو، أستاذ علوم الاقتصاد والمالية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “القراءة الأولية للمعطيات الواردة في التقرير السنوي الأخير لبنك المغرب تؤشّر إلى أن سنتَي 2021 و2022 شكّلتا مرحلة خاصة، تأثرت بإكراهات جائحة كوفيد19 وما تبعها من تداعيات اقتصادية، إضافة إلى موجة التضخم التي طبعت سنة 2022. غير أن معطيات ما بعد هذه الفترة، وتحديدا ابتداء من سنة 2022، أبانت عن ارتفاع ملحوظ في حجم القروض البنكية، سواء المقدّمة من طرف مؤسسات الائتمان التقليدية أو من قبل مؤسسات التمويل الأخرى”.

واستحضر فيرانو، في تصريح خص به هسبريس، بلوغ “متوسط نمو القروض البنكية حوالي 4.5% في ظرف السنوات الأربع إلى الخمس الأخيرة، وقد سجّل عامي 2023 و2024 نسب نمو قوية، حيث بلغ 4.8% في سنة 2023 و4.6% خلال سنة 2024”.

وما ميّز سنة 2024 هو “النمو الاستثنائي الذي عرفته القروض المخصصة للاستثمار (قروض التجهيز والمعدات)؛ إذ تجاوزت نسبة نموها 18%، ما يُعدّ، بحسب الأكاديمي الاقتصادي، “مؤشرا واضحا على الدينامية الاستثمارية التي يشهدها القطاع الخاص والمقاولات المغربية، في إطار سعيها لمواكبة المشاريع التنموية الكبرى التي يعتزم المغرب تنفيذها خلال السنوات الخمس المقبلة”.

وسُجّل كذلك “ارتفاع طفيف في القروض المرتبطة بقطاع البناء والإنعاش العقاري؛ إذ تراوحت نسب نموها ما بين 1% و2%، وذلك بالرغم من الإشكاليات البنيوية التي لا يزال يعاني منها هذا قطاع، في مقدمتها اختلال التوازن بين العرض والطلب”.

أما على مستوى قروض الاستهلاك، فقد ظلّ نموها “محدودا” خلال سنة 2024؛ إذ لم تتجاوز نسبة الارتفاع 0.9%. ويعكس هذا التباطؤ، وفق قراءة فيرانو، “ضعف الإقبال من طرف الأسر على الاستدانة لأغراض استهلاكية، ما قد يكون مرتبطا بتراجع الادخار العمومي، وانخفاض الدخل الصافي للأسر، نتيجة لتقهقر القدرة الشرائية منذ سنة 2022”.

وتؤكد “مؤشرات ربحية القطاع الائتماني/البنكي” في المغرب أن هذا القطاع “ما يزال يتمتع بمتانة مالية وصلابة ملحوظة”، يورد الخبير الاقتصادي والمالي، مستدلا بما “تظهره البيانات من أن نسب الأرباح، سواء من حيث العائد على رأس المال أو العائد على إجمالي الأصول والائتمانات، لا تزال عند مستويات مرتفعة”.

ارتفاع مقبول

لفت المصرح لهسبريس إلى أن التقرير السنوي لبنك المغرب يرسّخ “إبقاء المخاطر المرتبطة بالنشاط البنكي تحت السيطرة، خاصة بتغطية القروض المتعثرة عبر المخصّصات (…) ما يعكس مستوى عاليا من اليقظة والتدبير المالي”.

وتعد هذه المؤشرات “دليلا واضحا على قوة النظام البنكي المغربي، ليس فقط من حيث قدرته على تحقيق الأرباح، بل أيضا في ما يتعلق بمرونته وقدرته على الصمود أمام الصدمات، مما يمنحه آفاقا إيجابية على المدى المتوسط”.

مجمل القول، حسب فيرانو، أن “معدلات الائتمان من جهة، والادخار والودائع من جهة أخرى، قد شهدت خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعا متوسطا ومقبولا في السياق المغربي؛ إذ تراوحت نسب النمو بين 4.5% و4.6%”، ويعكس ذلك “دينامية التمويل داخل الاقتصاد الوطني، ويؤشر على إمكانية تطور إيجابي في المستقبل، خاصة إذا ما تحسّنت القدرة الشرائية للأسر؛ ففي هذه الحالة، يتوقع أن تعود قروض الاستهلاك إلى مسارها الطبيعي، أي مستويات تفوق 3%، كما كان عليه الحال ما قبل الجائحة”.

تحسن وارد

قال المحلل الاقتصادي يوسف كراوي الفيلالي إن “تأثير قرارات بنك المغرب بخفض نسبة الفائدة الرئيسية كان له مفعول مباشر بشكل ملموس على تخفيض البنوك التجارية نسب الفائدة على القروض”.

وأبرز كراوي الفيلالي، وهو رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن “تراجع استهلاك القروض يُفسّر بسبب تداعيات موجات الركود التضخمي التي عرفها اقتصاد المغرب” في علاقة أيضا بـ”تباطؤ النمو الاقتصادي المرتبط بالجفاف والظروف العالمية”.

وأضاف المحلل الاقتصادي ذاته، في تصريح لهسبريس حول الموضوع، أن “الظروف الحالية أثرت سلبا على استهلاك القروض”، غير أن “تخفيض الفوائد البنكية ساعد في نقطة إيجابية هي زيادة الودائع”.

وزاد معلقا: “هذا يعني أن المواطنين أصبحوا أكثر وعيا بأهمية التوفير”، وهو ما تؤشر إليه “الودائع البنكية التي شهدت نموا إيجابيا”.

وختم بأنه “يمكن أن يتحسّن استهلاك القروض، لكن ذلك رهينٌ أساسا بمدى ودرجة تحسن الظروف الاقتصادية، لا سيما إذا كانت هناك إجراءات لتحفيز المقاولات ومواكبتها وتحسين مناخ الأعمال في قانون 2026 تزيد من وتيرة نمو الائتمان البنكي”.

المصدر: هسبريس

شاركها.