يوفر الجنوب المغربي عرضا سياحيا متنوعا غنيا ومغريا، تتناغم فيه الجبال مع الشواطئ والطبيعة الخلابة مع الإرث الثقافي والتراث المحلي. في هذه المنطقة من التراب الوطني تمتد سلسلة من الجواهر السياحية الساحلية التي لم تنل بعد نصيبها الكامل من الشهرة، لكنها حظيت بإقبال متزايد عندما تم الانتباه إلى ما تتمتع به من مؤهلات لا غبار على قوتها.

من أكادير عاصمة سوس النابضة بالحياة، مرورا بمدينة تزنيت موطن الفضّة، إلى سواحل أكلو ومير اللفت الهادئة ثم العودة إلى قرية إمسوان العاشقة للبحر؛ كلها وجهات متراصّة فوق خط واحد، تتضافر لتقدم “عرض الجنوب” كتجربة سفر متكاملة قادرة على منح الزائر ذلك المزج بين الاسترخاء، المغامرة، الثقافة والضيافة الدافئة.

أكادير: سوس تنتظر

تُعد أكادير بوابة الجنوب، وعاصمة سياحية متألقة على ضفاف المحيط الأطلسي. بشواطئها الممتدة لكيلومترات عدّة، تستقطب المدينة عشاق الشمس والرياضات المائية من جميع أنحاء العالم. تضم المدينة بنية تحتية سياحية متطورة، من فنادق ومنتجعات وملاهي ومطاعم تقدم أطباقا مغربية وعالمية ترضي جميع الأذواق.

وأنت تفكر في الذهاب إلى أكادير، لا تنس تجربة “التلفريك” الوحيدة في المغرب، التي تقودك مباشرة إلى قصبة أكادير أوفلا. على امتداد رحلة بمسافة إجمالية تبلغ 1700 متر تستغرق دقائق، يوفّر “التلفريك” مشاهد خلابة تطل، ولو من بعيد، على المحيط الأطلسي وكورنيش مدينة أكادير، إلى جانب منطقة الميناء وأحياء المدينة القديمة، في تجربة بانورامية لا تُنسى.

لعشاق الطبيعة، توفر أكادير رحلات بحرية وأنشطة ترفيهية عائلية، وتتوفر على محمية ماسة، التي تم إنشاؤها، وفق القائمين عليها، لـ”لحماية النظام البيئي لمصب النهر”، ويمكنك القيام بنزهة في المحمية والتعرف على أنواع مختلفة من الطيور، أو زيارة “حديقة التماسيح” التي تتيح الاقتراب من هذه الكائنات المفترسة دون خوف والتقاط الصور لها و/أو معها بأريحية.

المدينة القريبة من محطة “تغازوت” الساحرة، تحتفظ بروحها الأمازيغية الأصيلة. يمكن للزائر اكتشاف هذه الروح في سوق الأحد، أحد أكبر الأسواق في إفريقيا، أو من خلال زيارة المتحف البلدي للتراث الأمازيغي، حيث تُعرض الحُلي، والأزياء التقليدية، وأدوات الحياة اليومية التي تعكس غنى وتنوع المنطقة.

ما يميزها أيضا هو قربها من أماكن طبيعية جذّابة مثل وادي الجنة (باراديس فالي)، حيث يمكن لمحبي الطبيعة ممارسة رياضة المشي وسط المناظر الخلابة للجبال، والوديان، ومسارات المياه الطبيعية. كما يمكن لمحبي المغامرة التوجه نحو رمال الشاطئ في جولات شيّقة بسيارات الدفع الرباعي، أو تجربة ركوب الجمال.

تزنيت: الفضة عندك

على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب أكادير، تقف مدينة تزنيت كأيقونة أمازيغية أخرى تجمع بين جمال المعمار التقليدي وروح التاريخ. تُعرف المدينة بكونها عاصمة الفضة في المغرب، حيث تنتشر متاجر الحلي التقليدية المصنوعة يدويا. صنعة عالية الذوق تكشف عن مهارة يد الصانع المحلي.

تحيط بالمدينة أسوار تاريخية تحكي عن ماضٍ يزخر بحكايات ما عاش في الأرجاء سلفا، وتحتضن أزقتها الضيقة القصبة القديمة وأسواقاً تقليدية طافحة بالحياة والألوان. زيارة تزنيت ليست فقط رحلة في المكان، بل هي أيضا غوص في الهوية الثقافية الأمازيغية الأصيلة.

ورغم أنها ليست مدينة صاخبة كأكادير أو مراكش، إلا أن جمالها يكمن في سكونها وسحرها التلقائي. تقع المدينة على بعد كيلومترات من شاطئ أكلو، وهو واحد من أجمل الشواطئ في الجنوب المغربي، يتميز بنظافته وصفاء مياهه وهدوئه، ويشكل قبلة سنوية لعشاق البحر والطبيعة من داخل المغرب وخارجه.

كما تشكل الجبال المحيطة بها مسارات رائعة لمحبي الرحلات الجبلية والاكتشاف، مع قرى أمازيغية معلقة تعكس نمط حياة تقليديا فريدا، ومناظر بانورامية حقيقية، كما أن ما يجعل تجربة زيارة تزنيت مميزة حقًا هو سكانها. يتميز أهلها بالكرم، والودّ، والإقبال على الآخر. يسعدون باستقبال الضيوف ومشاركتهم تفاصيل الحياة اليومية، مع تناول خبز “تفرنوت” وزيت الأركان أو أملو والشاي.

أكلو: أنت والبحر

قرية أكلو الساحلية جزء من تزنيت، وما ينطبق عليها من حيث الثقافة والبناء المحلي ينطبق على تزنيت. هذه القرية تمثل جوهرة مخفية بين الجبال والمحيط الأطلسي. يُعد شاطئها فضاء رائعا للباحثين عن الهدوء والطبيعة، حيث تمتد الرمال الذهبية على مرمى البصر، وتتكسّر الأمواج على الصخر.

لكن أكلو ليست فقط شاطئاً، بل أيضا موطن لواحدة من أهم الزوايا الدينية في الجنوب، وهي زاوية سيدي وكاك، التي تُعد نقطة جذب روحي وثقافي. كما أن قربها من تزنيت يجعلها وجهة مثالية لرحلات يومية عبر سيارات الأجرة الكبيرة والرحلات الخاصة. العربات المتوفرة تجعلها فرصة لا تضيع لكل من اقترب من سوس بشكل عام.

تتوفر هذه القرية الساحلية على مطاعم ممتدة على طول الشاطئ تقدم أطباقاً متنوعة، ضمنها مغربية تقليدية وأطباق السمك وأطباق أجنبية أيضا. تتيح هذه المطاعم والمقاهي إطلالة مباشرة على البحر، وتقدم مشروبات ساخنة وباردة بأثمنة معقولة.

أما من حيث الإقامة، فتوجد مجموعة من الدور وبيوت الضيافة والإقامات العائلية التي تقدم خدمات مريحة بأسعار معقولة. يمكن للزائر اختيار الإقامة في دار ضيافة تجعله قريبا من الشاطئ، أو في نُزل. كما توجد شقق مفروشة للإيجار القصير تناسب العائلات، مما يجعل من أكلو وجهة مناسبة للراغبين في الجمع بين الاستجمام، والخصوصية، والتجربة الثقافية.

مير اللفت: هدوء جنوني

إذا كنت تبحث عن وجهة للاسترخاء بعيداً عن صخب المدن، فإن قرية مير اللفت الساحلية تقدم لك كلّ الهدوء الذي تبحث عنه. تقع جنوب تزنيت، وتتميز بسواحلها الصخرية والرمليّة الممتدة، التي لم تفسدها يد العمران بعد. إنها مكان مثالي للتأمل، للمشي على الشاطئ وقت الغروب، وتذوّق مأكولاتها البحرية.

مير اللفت أيضاً وجهة مفضّلة لمحبي ركوب الأمواج، فهي تتمتع بأمواج معتدلة تجعلها مناسبة للمبتدئين والهواة. وعلى مقربة، توجد مدينة سيدي إفني، التي يمكن زيارتها بسهولة في رحلة قصيرة للاستمتاع بمزيج معماري مثير للانتباه، وزيارة شاطئ “لكزيرة” الشهير والتقاط الصور مع “حفرة الجبل”.

تحيط بالقرية تلال منخفضة مكسوة بأشجار الصبار وغيرها، وهي تشكّل بيئةً مثالية لهواة المشي، ركوب الدراجات، والتصوير الفوتوغرافي. في الربيع، تزدهر الأرض وتنبعث الحياة في المنطقة، بينما في الصيف تظل الأجواء معتدلة بفضل نسمات البحر المنعشة ويكون الإقبال ملحوظا ولو لم يكن بكثافة الوجهات القريبة.

تقدم مير الفت مجموعة من المحطات الشاطئية المميزة للاصطياف كأفتاس وإمي نتركا، لكن يُعد شاطئ سيدي محمد بن عبد الله من أبرز المعالم الطبيعية فيها. شاطئ هادئ ونظيف، ذو رمال ذهبية ومياه صافية، يُعد مثاليًا للسباحة، الصيد، أو فقط للجلوس على الشاطئ.

إمسوان: السفر في الموجة

عندما تطأ قدماك قرية إمسوان الصغيرة للصيد، الواقعة شمال أكادير بين تغازوت والصويرة، تشعر فورًا وكأنك دخلت عالماً منفصلاً عن صخب الحياة وضجيج المدن. بفضل موقعها الجغرافي، تعتبر القرية وجهة مفضلة لعشاق التصوير، سواء كنت تستخدم كاميرا احترافية أو هاتفا محمولا. من مناظر الشروق فوق الجبال، إلى الغروب الذهبي فوق البحر، إلى تفاصيل الحياة اليومية للقرية.

الوصول إلى القرية سهل نسبيًا. يمكن السفر من مدينة أكادير بسيارة خاصة أو سيارة أجرة جماعية في رحلة تستغرق أقل من ساعتين، مع التمتع بمناظر طبيعية رائعة على طول الطريق. كما يمكن أيضًا المجيء من الصويرة. وهذه الوجهة تعدّ مناسبة لمحبي ركوب الأمواج والمغامرة والباحثين عن الهدوء والتأمل، وكذا الرحّالة والمصورين، والأزواج في شهر العسل، وبالضرورة العائلات التي ترغب في قضاء عطلة بسيطة وهادئة.

من الأمور التي تميز إمسوان حقًا، بساطة العيش، بيوت ضيافة مؤهلة ونُزُل مريحة تديرها عائلات محلية، مما يمنحك فرصة نادرة لتجربة الحياة المحلية والتعرف أكثر على مواطن قوة عرض الجنوب. يمكن للزائر الاستيقاظ على صوت الأمواج، وتناول الفطور في أجواء عائلية بلا تكلف أو ادعاء، ثمّ التجول في الأسواق الصغيرة والاقتراب أكثر من الناس.

في النهاية.. لماذا يجب أن تزور الجنوب؟

هسبريس تقترح هذه الوجهة بكاملها لأن السفر إليها ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل هو تجربة متكاملة قادرة على تلبية كافة الاحتياجات. من أمواج إمسوان إلى هدوء مير اللفت أكلو، ومن أسوار تزنيت إلى حداثة أكادير، ستجد نفسك في قلب لوحة حية، لا تجعلك في حيرة أو ندم لأنك جعلت الجنوب محطتك التالية وتركت سحرها يتكفل بالباقي.

المصدر: هسبريس

شاركها.