رجل أعمال يقود التعليم.. هل يفلح برادة في تجاوز “إخفاقات” بنموسى؟
يُواجه محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الجديد، وخريج المدرسة الوطنية للقناطر والطرقات بباريس، مهمة ليست بالسهلة، خاصة مع وجود ملفات ثقيلة موروثة عن سلفه شكيب بنموسى الذي غادر الوزارة، بعدما تسبب في احتقان غير مسبوق داخل قطاع التعليم.
ويرى المتخصصون في الشأن التعليمي أن المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات جذرية ورؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع القضايا الحساسة بهدف تعزيز جودة التعليم وتحسين ظروف التعلم. ومن أبرز الملفات التي يجب على برادة التعامل معها هو إعادة تأهيل خارطة طريق بنموسى، التي تعرضت لانتقادات بسبب تغييبها للقانون الإطار والرؤية الاستراتيجية. إذ اعتمدت الخارطة على النموذج التنموي الجديد الذي قام بنموسى بصياغته قبل توليه مسؤولية تدبير وزارة التعليم سنة 2021.
كان لدى بنموسى ثلاثة أهداف رئيسية تتمحور حول جودة التعلمات وتعزيز المواطنة وتقليص الهدر المدرسي، إلا أن التقدم المحرز كان محدوداً، خاصة في المناطق القروية والنائية التي تعاني من نقص البنية التحتية والموارد التعليمية اللازمة، وهو ما يفرض على برادة التركيز على تطوير المدارس في هذه المناطق وتحفيز الأطر التربوية على الاستقرار فيها.
وزير لتصريف الأعمال
وحول الموضوع، تساءل رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التعليم، عبدالناصر ناجي، حول ما إذا كان إبعاد بنموسى قرارا بسبب إخفاقه في تدبير شؤون الوزارة أم أن الحاجة إلى خبرة الرجل في المندوبية السامية للتخطيط، فرضت تغييره بخبرة أخرى لا تقل عنه كفاءة، من أجل إكمال الإصلاح الذي بدأه بنموسى، وقال إن “الحكومة ظلت تشيد بالرجل وتعتبر ما قدمه إنجازات غير مسبوقة على مر الإصلاحات السابقة، طوال السنوات الثلاث التي قضاها داخل وزارة التربية الوطنية، فهل تغير رأيها بين عشية وضحاها، يضيف الناجي.
كما استبعد المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة “العمق”، أن يكون انحراف بنموسى عن توجهات القانون الإطار 51.17 سبباً رئيسياً في إبعاده، مشيراً إلى أن هذا الانحراف يُعد اختياراً حكومياً. فالحكومة لم تعقد أي اجتماع للجنة الوطنية لتتبع إصلاح التعليم منذ بداية ولايتها، على حد ما جاء في تصريح الخبير التربوي ذاته.
وقال ناجي، إن الوزير الجديد سيكون وزير تصريف أعمال بمعنى أنه لن يتعب نفسه في إجراء أي تعديل على خارطة الطريق التي وضعها سلفه بل سيكتفي بتطبيقها باعتماد الأدوات المنهجية نفسها التي وضعها بنموسى. وذلك لعدة اعتبارات، أهمها أن الوزير الجديد حسب سيرته الذاتية هو رجل أعمال لا تربطه أية صلة بالتعليم ولا يمكنه مهما كانت كفاءته أن يلم بتعقيدات قطاع ضخم ومركب مثل قطاع التربية الوطنية إلا بعد مرور فترة زمنية غير يسيرة، علما أننا على بعد أقل من سنتين من الانتخابات القادمة.
وسجل الخبير التربوي، أن الحكومة تدعي أنها تطبق مخرجات النموذج التنموي الجديد، ومن باب الوفاء لمهندسه الذي ليس سوى الوزير السابق أن يستمر الوزير الجديد على نفس النهج، مؤكدا أن مسار القانون الإطار، شاق وطويل ولا تقطف ثماره إلا على المدى البعيد الذي يتجاوز العمر الحكومي الشيء، الذي لا يسمح بوضع استراتيجية جديدة.
وقال رئيس مؤسسة “أماكن” إن الوزير الجديد سيستمر على نهج الوزير السابق شيكب بنموسى، باعتباره مهندسا له نفس المسار التكويني لبنموسى، مستبعدا أن يفشل في مهمة الحفاظ على الوضع القائم الذي أرساه سلفه خاصة إذا نقل إليه في إطار التضامن الحزبي الخبرة التي راكمه في قطاع التربية الوطنية خلال ثلاث سنوات.
ولفت المتحدث إلى أن منطق التدبير الناجح في القطاع الخاص لا ينجح بالضرورة في القطاع العام، ودليل ذلك أن موجة التدبير العمومي الجديد المستوحى من القطاع الخاص التي اجتاحت القطاع العام في أغلب الدول الغربية منذ نصف قرن لم تنجح في تطوير المنظومات التربوية بالمستوى الذي كان متوقعا، بل زادت من تعميق الهوة بين التعليم العمومي والتعليم الخاص نظرا لاصطدامها بإرث ثقافي متجذر في الذهنيات السائدة لا يمكن تغييره بمنطق رجل الأعمال المستعجل للنجاح ولو كان سطحيا.
وقف مشاريع بنموسى
من جانبه، أكد عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، كبير قاشا، أن قطاع التعليم، يعيش أزمة بنيوية عميقة وليس مجرد اختلالات تستدعي التخفيف مؤقتا من حدتها، وفي مستوى ثان يشير قاشا، إلى أن الوزير الجديد “هو مستثمر كبير ورجل أعمال ناجح في العديد من القطاعات، وبذلك فإنه فأل خير لعموم التجار، وهو بمثابة إعلان تحول جديد في القطاع نحو التسليع الكامل خصوصا بعد تفويت جملة من الخدمات للمستثمرين كقطاع الحراسة والنظافة والطبخ.
وأضاف النقابي ذاته، في تصريح لجريدة “العمق”، أن تعيين برادة سيفتح شهية التجار ومقاولي القطاع الخصوصي لدعم الانحدار المريع للمدرسة العمومية التي أضحت مع مشروع المدرسة الرائدة للوزير السابق بنموسى، مجرد حاضنة للفشل وتحضير المتعلمين لمراكز التكوين المهني مباشرة بعد انتهاء التعليم الإعدادي.
وأوضح المتحدث ذاته، أن قطاع التعليم يحتاج لخبراء على مستوى مركز القرار فيه ولموارد مالية مهمة لدعمه، في الوقت الذي بدأ التقشف والانكماش يصيب ميزانيته من سنة لأخرى، ناهيك عن أوجه إنفاق هي أقرب للتبذير الطائش، زيادة على الفساد المعشش والقرارات التي تتخذ دون مشاركة ونقاش مجتمعي حقيقي مثل لغة تدريس العلوم ابتداء من السنة الأولى من السلك الإعدادي والتي تعد من أسباب تٱكل أعداد الملتحقين بشعبة الرياضيات في الجامعات المغربية، وهو ما ينذر مستقبلا بخصاص كارثي من خريجي الجامعات في المواد العلمية.
وقال قاشا، إن “رهاننا على الوزير المقبل لن يتجاوز سقف ضرورة تفعيل وأجرأة ما تم الاتفاق عليه مع الوزير السابق بنموسى، وفتح ورش مطالب جديدة على رأسها وقف مشروع الريادة التي تبدو كارثة تعليمية جديدة والتصدي لمنظومة موازية للتعليم العمومي، مضيفا “وهي سوق الدروس الخصوصية ودروس الدعم والتقوية، و توفير البنى التحتية والتراجع عن وقف برنامج مليون محفظة بالنظر لما سببه من تعثر انطلاق الموسم الدراسي بسبب عجز معظم الأسر عن توفير كل أدوات التمدرس”.
وشدد النقابي ذاته، على ضرورة عمل الوزير على التصدي لمصائب جديدة بدأت حدتها تشتد من قبيل تزايد معدلات استهلاك التلاميذ للمخدرات والعنف المدرسي، مؤكدا أنه يجب توفير فضاءات عمل وعدة مكتبية للمختصين الاجتماعيين للقيام بمهامهم عوض تكليفهم القسري بمهام إدارية وتدقيق مهام مجموعة من الفئات ومراجعة المناهج والزمن المدرسي.
المصدر: العمق المغربي