أفادت الشبكة البحثية “أفروبارومتر” المتخصصة في استطلاعات الرأي، ضمن دراسة حديثة، بأن ما يقارب ربع المغاربة يؤيدون ضرب الزوجة؛ ما أثار تحذيرات باحثين من استمرار تأثير تفسيرات انقائية للنصوص الدينية والعرفية تبرر العنف ضد النساء وتدفع إلى التطبيع معه، إلى جانب استغلال تيارات إيديولوجية الفضاء الرقمي لترويج “خطاب ذكوري متطرف”.
ووفق المعطيات الواردة ضمن دراسة للشبكة تحت عنوان “التعرّض للنزاعات العنيفة والمواقف تجاه ضرب الزوجة في إفريقيا”، فإن 24% من المغاربة يؤيدون ضرب الزوجة؛ إذ يرى بعضهم أنه قد يكون مبررا في بعض الحالات، في حين يعتقد البعض الآخر أنه مبرر في جميعها.
واستندت الدراسة إلى بيانات الجولتين السابعة والتاسعة من مسوح الشبكة، التي أجريت بين سنتي 2016 و2023، على أكثر من 99 ألف شخص من 39 دولة إفريقية.
وبلغت نسبة المستجوبين الأفارقة الذين يرون أن ضرب الزوجة “غير مبرر على الإطلاق” 72 في المئة، فيما يعتقد 19% أنه قد يكون مبررا في بعض الحالات، مقابل اعتباره من قبل 9% مبررا دائما.
وفي هذ الصدد، سجّلت الغابون أعلى نسبة تأييد لضرب الزوجة (67%)، والرأس الأخضر أدنى نسبة حيث لا يؤيد هذا السلوك سوى 3%.
انتقائية وسوء فهم
خالد التوزاني، أستاذ جامعي ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “المساق”، فسّر نسبة المغاربة المؤيدين لضرب الزوجة بعوامل عدة، ذكر منها “الإرث الاجتماعي والثقافي؛ إذ تظهر بعض تقارير المندوبية السامية للتخطيط أن العنف المبني على النوع الاجتماعي يرتبط ببنية ذهنية ترى المرأة طرفا ثانويا في صنع القرار الأسري، مما يكشف أن جزءا من المجتمع المغربي ما زال يؤمن بمنظور أدوار تقليدية تمنح للرجل الوصاية على المرأة”.
وأضاف التوزاني، في تصريح لهسبريس، أن “هؤلاء يستندون إلى تفسيرات انتقائية للنصوص الدينية أو العرفية؛ إذ على الرغم من الجهود الرسمية المتمثلة في تخصيص بعض خطب الجمعة لموضوع رعاية الإسلام لحقوق المرأة، ودروس الوعظ والإرشاد لتعزيز العدالة الاجتماعية وإكرام المرأة وتقديرها، مازالت هذه الجهود تحتاج تكاثف جهود مؤسسات أخرى، خاصة في العالم القروي”.
ونبّه كذلك إلى “سوء الفهم الديني عند بعض المواطنين لبعض النصوص الدينية (كآية “وَاضْرِبُوهُنَّ”) دون وضعها في سياقها التشريعي”، مردفا أن “تأثير الفضاء الرقمي وما يحمله من تيارات إيديولوجية يبدو واضحا في السنوات الأخيرة؛ إذ ثمة جماعات رقمية وتيارات دينية تروج خطابا ذكوريا متطرفا يتدثر بغطاء الدفاع عن القيم”.
ووضّح أن “هذه التيارات تُعيد إنتاج صورة المرأة كخصم يجب تأديبه، في تغييب لمعاني المودة والرحمة والتعاون التي ينبغي أن تسود بين الرجل والمرأة. بل تذهب تلك الخطابات بعيداً في اتهام المرأة بأنها سبب بطالة الرجل ووراء كل الانحرافات في المجتمع، وغير ذلك من التبريرات التي تحرض على العنف ضد المرأة”.
وشدد على أن الجهود الرسمية والمدنية تحتاج تعضيدها بمقاربة شاملة تجمع التوعية الدينية والتربوية والتثقيف القانوني والتمكين الاقتصادي للمرأة بهدف مساعدتها على تحقيق المزيد من الاستقلال المالي، فضلا عن صد الخطاب الرقمي المتطرف.
تطبيع مع العنف
محمد حبيب، باحث في علم النفس وقضايا الأسرة، يرى أن “هذه النسبة تعكس التطبيع مع العنف ضد الزوجة لدى بعض الأزواج؛ إذ يرى هؤلاء أنه مسألة طبيعية داخل الأسرة كوسيلة لفرض السيطرة على الشريك”، مفيدا بأن هذه النسبة “تفسّر أيضا بوجود بعض الزوجات اللواتي يقبلن هذا الوضع نتيحة ضعف الثقة بالنفس أو متلازمة ستوكهولم أو التعلق بالمعتدي”.
وأضاف حبيب، في تصريح لهسبريس، أن “نساء عديدات يجدن أنفسهن مضطرات للتعايش مع الضرب من قبل الأزواج الذين قد يكونون حاملين لاضطرابات نفسية، وذلك بفعل هشاشتهن الاقتصادية والاجتماعية”، مشددا على أن “هذا يجر إلى إحدى الإشكاليات الرئيسية المتمثلة في غياب شهادة تثبت السلامة من أمراض النفس ضمن وثائق الزواج، على غرار وثيقة الخلو من الأمراض الجسدية المعدية”.
وفي هذا الصدد، استحضر الباحث في علم النفس وقضايا الأسرة أن “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أكد أن 50 في المئة من المغاربة عانوا أو يعانون من اضطراب نفسي”.
ولم تفت المصرح ذاته الإشارة إلى “التأثير المستمر لبعض الأمثلة المغربية الرابضة في المخيال الشعبي لدى المغاربة التي تؤسس للعنف ضد الزوجة وتبرره”، وكذلك “بعض الأوساط التقليدية التي تتماهى مع تفسير ‘واضربوهن’ في القرآن الكريم، بأنه إجازة لما يسمى العنف الخفيف”.
في المقابل، لفت حبيب إلى “تنامي الوعي في صفوف عدد من الأوساط النسائية والحقوقية والمدنية المغربية بصفة عامة بخطورة العنف الزوجي باعتباره انتهاكا للكرامة وللحقوق الأساسية كذلك”، وأرجع الفضل إلى “الحملات التحسيسية والتوعوية من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وضمنها الأسرة والمدرسة والإعلام”.
المصدر: هسبريس